روح التحرير تُحيِي «حلب»
روزانا رمّال
قبل نهاية ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما كانت نسبة التوجه في سورية نحو حلول سياسية أعلى مما هي عليه هذه الأيام بعدما تسلم الرئيس دونالد ترامب الرئاسة في البيت الابيض. وبات الحديث عن مرحلة اختبار الرئيس الجديد وتوجهاته أكبر من مسألة استكمال انجازات سلفه اوباما، خصوصاً ان ترامب يعيش ذيول الملف المفتوح بينه وبين الديمقراطيين حول الشك بعناصر فوزه بالانتخابات واعتبار ذلك نتيجة الإفساح للتدخل الروسي فيها. وهو اعتراف غير مسبوق من الاميركيين بنفوذ الروس في ملف من هذا النوع يحمل ما فيه الكفاية من مسألة السيادة.
وإذا كان الحذر الاميركي من اختراق مخابراتي روسي بهذا الحجم، فإنه من الصعب ان يترجم ترامب كلامه حول علاقته بالرئيس الروسي وإعجابه به عندما كان مرشحا للرئاسة ما يعني انه من الصعب ايضاً التقارب بين فريق إدارته والادارة الروسية في الملف السوري. وعلى هذا الاساس تبدو الصورة محتدمة وتزخيم الملف السوري منذ تسلم ترامب كان الوجه الأكثر وضوحا لعنوان أول أيام عهده.
لكن سورية التي عايشت بأزمتها تغييرات رؤساء اوروبيين وغربيين كثر ستبقى تسجل في تاريخها عهد الرئيس باراك اوباما بكل تناقضاته. ففي وقت سجل عهده تنامي قوى التطرف والإرهاب سجل ايضا اول بوادر التعاون الروسي الاميركي، وكان لجولات كل من وزيري خارجية اميركا وروسيا جون كري وسيرغي لافروف مئات الجلسات المتعلقة بحل ازمة سورية واوكرانيا والملف النووي الايراني وغيرها. واذا كانت سورية نقطة انطلاق التحول السياسي الدولي في اذهان الاميركيين، فإن لمعارك حلب في عهد باراك اوباما نكهة خاصة عند أهل الارض الذين حرروها من مشروع التطرف بعد ضغوط عسكرية وجهود كبرى تبعها خضوع سياسي تركي مباشر في بعض المناطق.
معركة حلب، هي تلك التي تحاكي نصف الحرب السورية وهي مفصل الأزمة وعنوان الرهانات الكبرى. ومن كان يملك حلب تاريخياً كان يملك الشام وتجارتها وخيراتها فهي خط الخير والأمان بالنسبة لتجار منطقة الشام ومفصل التحول بالعلاقة التركية السورية، لكن تلك الارض تعمدت بدماء أولئك الذين شاركوا الجيش السوري معركتهم الكبرى. هم الذين يعرفون الأرض والورد والتحرير، أولئك الذين عانقت جباههم الشمس وشمخت بهم الأصالة نحو المستقبل والأمس هو الأمس الذي يحمل الكرامة والمستقبل الذي يعد بالنصر. المقاومة التي ذرفت دماً على أرض حلب وشاركت بقلب المعادلة، شاركت أيضاً بحفظ وصون إنجاز العقد الماضي. عيد المقاومة والتحرير في 25 ايار من عام 2000 هو التاريخ الذي لم يهدأ جفن الإسرائيليين بعده فعادوا بالزمن إليه من بوابة حلب وحمص ودير الزور وإدلب وحماه والرقة وأرادوا تحويل المشهد لنكبة أخرى تضاف الى العالم العربي تُحاصر فيها المقاومة تحت رحمة الارهاب من جهة و»اسرائيل» من جهة اخرى.
يخشى البعض في لبنان الاعتراف بجدوى دخول حزب الله الحرب بوجه الإرهاب في سورية، وهو يدرك تماماً نتائج الاستقرار الملحوظ منذ توالي الإنجاز تلو الآخر على أرض الجارة سورية. خشي البعض ايضا الاعتراف بعيد المقاومة والتحرير كالرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة ليأتي اليوم ومن على حصان التوافق الداخلي الرئيس سعد الحريري ليصلح هذا الخطأ ويعلن يوم الخامس والعشرين من أيار يوم عطلة عيد رسمي.
رسمت حلب التي كانت محور الرهان ركائز الانتصار الذي وعد فيه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اللبنانيين قبل السوريين لمعرفته بالمستهدَف الرئيسي من تلك الحرب ومفاعيلها.
إنها «المقاومة» مجدداً من البوابة السورية، هدفاً ومسرحاً لالتفاف جديد على حزب الله بعد فشل حرب تموز عام 2006. وحدها سورية صمام أمان هذا المحور ولا يمكن لحزب الله ومعه المقاومة القبول بخراب سورية والاستمرار به. كل هذا يدركه «الإسرائيليون» ويعملون على اساسه ويدرك معه الاميركيون أن تزخيم الازمة السورية ودعمها حتى النهاية هما أفضل طرق كسر إيران أيضاً.
عيد المقاومة والتحرير مناسبة جدية للحديث عن كل ذلك، فانتصار سورية ومشاركة حزب الله الفعالة فيها أحد أبرز أوجه الحفاظ على هذا العيد. وهذه السنة التي يشهد فيها تحرير «حلب» يقترب فيها هذا الإنجاز الى العودة لبر الامان تدريجياً فآمال استعادة «اسرائيل» الأرض اللبنانية مجدداً واحتلالها عبر خطط احتلال سورية وإضعاف المقاومة تتبدد في كل يوم ينتصر مقاتلوها في سورية.
هو وعد صادق مرة جديدة، هذه المرة للسوريين الذين خاطبهم نصرالله في غير مناسبة، مؤكداً أن مشروع الخصوم سيفشل وهو في طريقه الى ذلك.
عيد المقاومة لا يكتمل من دون تلك البوابة السورية، محطة لا ينساها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ولا ينساها جمهوره الذي وقف في 8 آذار يستمع لخطابه الشهير «شكراً سورية الأسد».. عيد التحرير الآتي من حلب يعانق تحرير الجنوب اللبناني ويختزن بجوارحه قصص الأبطال والأسرار عن تلك الحرب الكبرى التي دخلت التاريخ، حلب او ستالينغراد ليس مهماً كل ذلك. الأهم أن عناصر النصر بأمان وان المقاومة التي تعيش عيدها، تعرف أن حفظ «إنجاز» عام 2000 لا يكون من دون تعافي سورية.