دولة الرئيس.. متى تكون عندنا سياسة عامة؟
د. لور أبي خليل
إنّ السياسات العامة هي بناءات اجتماعية تعتمد على تمثيل المشاكل والحلول. وتختصّ السياسات بالتصرفات والقرارات والنشاطات التي تقوم بها الحكومة عبر برامج محدّدة، بحسب أجندتها العامة. وتكون بذلك قد ترجمت الاستراتيجيات التي يفترض أن يضعها كلّ وزير بحسب القطاع الذي يعتبر مسؤولاً عنه عند تعيينه، ويُعرف هذا الأمر بـ»الإدارة العامة». فالسياسات العامة هي تعبير عن سلوك الحكومات وأعمالها، مما يعني أنه يفترض بالحكومة أن تحدّد شكل ونمط وأسلوب وآليات العمل من مجالات الحياة داخل الدولة، فعندما تصدر الحكومة قراراً متعلقاً بسياسة التوظيف على سبيل المثال زيادة الحدّ الأدنى للأجور، فإنها عندئذ تقوم بتقنين سلوك العامل وصاحب العمل، بحيث إنّ الطرفين يفترض بهما أن يغيرا سلوكهما وطريقة إدارتهما بما يتلاءم مع قرارات الحكومة، لأن العامل يشعر بقدرة السلطة على إدارة الازمات وحمايته، ولان رب العمل يلتزم بتغيير سلوكه عبر زيادة مخصصات الرواتب، بما يتفق مع متطلبات القرار الحكومي. وهنا ندخل بإعادة تشكيل السلوك العام داخل الدولة بشكل يعكس التزام هؤلاء كلهم بالسياسة الحكومية المعتمدة وتكون للتقنين مدلولات اجتماعية وسياسية واقتصادية ونفسية تسمح للمجتمع أن يشهد تغييراً يبدأ برفع مستوى المعيشة للمواطن ومعدلات دخله ورفع قدرته الشرائية وسلوكه التسويقي والإنفاقي، فتكون السياسة الحكومية فاعلة ولها بصمات على حياة المواطن وسلوكهح ويفترض بهذه السياسة أن تتصف بالديمومة في تنفيذ السياسات رغم إمكانية تغيير المسؤول الحكومي.
وهنا تطرح الإشكالية التالية: ما هي الخصائص الذي يجب ان تعتمدها الحكومة عند رسم سياساتها العامة؟
عرفت السياسات العامة بالسياسات الحكومية وبرامج الحكومة والمشاريع العامة، إذ تشير كل هذه المفاهيم الى عمل الحكومة والمؤسسات العامة والادارات العامة التي يفترض بها ان تعمل لحل ازمات المواطنين ليس بشكل آني، بل بالالتزام المستمر في تنفيذ الاستراتيجيات العامة، خصوصاً عند حصول تغيير في السلطة التنفيذية. إذ إن وجود حلٍّ لأي أزمة لا يتم الا عبر عملية توزيع الموارد المالية أي عبر الموازنة التي تُعتبر مفتاحاً لرسم السياسات العامة. ولا يجب أن ننسى ان حق المواطن بالمحاسبة يأتي لأنه هو الذي يمول الحكومة ويعطيها القدرة على الإنفاق، وهو مَن يدفع الرسوم، وهو مَن يدفع الضرائب، وهو مَن يموّل الصناديق التعاضدية، وهو مَن يموّل المشاريع العامة. كل ذلك يتم عبر الموازنة العامة. من جراء كل ذلك يفترض تفعيل حقه وإيجاد أساليب تمكّنه من مراقبة الحكومة لحماية حقوقه والتأكد من استمرارية الحصول على هذا الحق، ومن شفافية إنفاق الأموال العامة، بحسب مبدأ النزاهة، وبما يلبي حاجات مواطنيها بأوجه مشروعة.
ما الذي يجب على الحكومة أن تقوم به؟ يفترض على الحكومة أن تعتمد على أربعة خصائص عند رسم سياستها العامة وأن تضع نصب أعينها صفة الديمومة في تنفيذ الأجندة العامة، ويتم ذلك على الشكل التالي:
أولاً يجب أن تتضمّن السياسة القطاعية تفاعلاً بين الحكومة والبيئة التي تحيط بها فلا يمكن رسم سياسات غير مقبولة من قبل المواطنين. وهنا يكون العنصر الداخلي في القبول أساسياً لإحداث التغيير، فيأتي التطبيق رداً على قبول البيئة الحاضنة.
ثانياً إن أي تحرك من المجتمع المدني يفترض به ان يلقى رداً سريعاً من قبل الحكومة، لأن القيام بالحراك من القوى الحية مثل النقابات والجمعيات والاتحادات اذا لم يقابل بمواجهة السلطة – بمعنى آخر إن عدم التصرف – يعني إقرار من قبل السلطة بأن المطالب محقة، وان ما يجري مقبول وأن عدم تدخلها يعني ضعفها بإيجاد الحلول امام الازمات. وهنا يظهر مفهوم «سياسة الإقرار بالأمر الواقع»، لأن السياسة يمكن أن تكون اتخاذ قرار او إقرار بقبول مطالب معينة.
ثالثاً عندما يقوم المسؤولون الحكوميون بأعمال تتعلّق بالسياسات العامة. وهنا نكون قد حدّدنا دور الفاعل الإداري في تنفيذ السياسات القطاعية.
رابعاً يُفترض أن تصدر السياسات العامة فقط من قبل الجهات الحكومية لإعطائها صفة الشرعية. فنستنتج من خلال هذه الخصائص اجتماع مفاهيم أربعة «القبول، التصرّف، التنفيذ، والحق الشرعي»، وتبقى صفة أساسية ناقصة هي الاستمرارية. مما يعني أن في لبنان يفترض على المواطنين والأحزاب والهيئات المحلية مراقبة الاستراتيجيات التي تضعها الحكومة والانتباه في حال أراد أي وزير عدم الاستمرار في تنفيذ الأجندة السياسية كل ذلك لحماية حقوق المواطن والسعي للتعطيل والرفض عندما تكون هذه السياسات تعسفية وغير شفافة ولا تخدم المصالح الوطنية أي يفترض الخروج عن الانتماءات المذهبية والمناطقية والعشائرية والتوجه الى الانتماء القومي الذي يكرّس الوحدة الوطنية، لأن الحصول على الحق لا يأتي من تلقاء ذاته فالسعي اليه واجب وطني.
من جراء تحليلنا الذي ورد يمكننا أن نطلق كلمة سياسة عامة على القرارات المتعلقة بالحكومة، فكما رأينا بأنه يجب أن تظهر السياسات العامة للعيان، خصوصاً عند وجود أزمات سياسية، لأن دور الحكومة يفترض أن يكون شبيهاً بدور المصلح الاجتماعي، وإذا أردنا ان يكون نظام الحكم في لبنان نظاماً ديمقراطياً فيفترض بالحكومة أن تكون الراعي الأول لكل ما من شأنه رفع مستوى المجتمع وأن تنصبّ في تركيزها على ارضاء المواطنين وتلبية حاجاتهم بأفضل الخدمات فتتحول عملية حلّ المشاكل تحوّل الحكومة لحكومة دولة الرعاية التي تقوم بمحاسبة المسؤول الحكومي عند تقاعسه بأداء واجباته. وهذا ما يفرّق بين الدولة الرعائية والدولة البوليسية.
إن السياسة العامة تنظم المؤسسات، ولوضعها في طريقها الصحيح يفترض بكل قطاع لتفعيل سياسته القطاعية أن يلجأ الى تأسيس دائرة تعنى فقط برسم السياسات القطاعية، كي يستطيع كل من تداول على السلطة أن يكمل البرنامج الذي وضع من قبل الهيئة والذي يعبر عن توجّهات الدولة العامة وعلاقتها بمواطنيها فتتسم السياسات بمنهجية رشيدة واضحة وبارتباط مباشر بالدولة وبتنظيم شؤونها لتحقيق التكافل الاجتماعي.
وهنا نستطيع أن نسأل رئيس الحكومة متى سيبدأ بتفعيل دوره في رسم السياسات العامة في لبنان؟
دكتورة في العلوم السياسية والإدارية
باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد