الموسيقار سهيل عرفة يترجّل عن صهوة الحياة… ودمشق الياسمين تودّعه فنانون سوريون: قامة كبيرة ساهمت في تكوين هوية الأغنية السورية
سامر الشغري
غيّب الموت الموسيقار الكبير سهيل عرفة عن عمر ناهز 82 سنة، بعد صراع مع مرض عضال. وهو الذي يعدّ من صنّاع الأغنية السورية المعاصرة وأحد أهمّ الملحّنين العرب،
وشيّعته مدينة الياسمين دمشق، في موكب مهيب ظهر أمس من مستشفى «الطلياني» إلى جامع «لالا باشا»، حيث صُلّي على جثمانه عقب صلاة الجمعة ليوارى الثرى في مثواه الأخير في مقبرة «الدحداح».
وخلال مراسم تشييع الراحل قال الفنان زهير رمضان نقيب الفنانين السوريين في تصريح صحافي: رحيل سهيل عرفة خسارة كبيرة لأنه كان أيقونة في النغم العربيّ وكان معجوناً بحبّ الوطن والانتماء إلى الإنسان والأرض، وظلّ الوطن هو الحاضر الأكبر في حصاده الفنّي لأنه ابن حارات دمشق القديمة وربيب هذه الحضارة العريقة.
وأضاف نقيب الفنانين: أعرب الراحل مراراً خلال زياراتي له في مرضه الأخير عن خوفه على الأغنية السورية وخشيته من انقراضها. وكان يدعو دائماً إلى أن تستعيد مكانتها. كاشفاً عن أن النقابة تعتزم نزولاً عند رغبة الراحل تنظيم مهرجان «الذاكرة الوطنية» في تموز أو آب المقبلين، لإعادة إحياء الإبداع الغنائي السوري الذي نشأت عليه الأجيال من باب دور النقابة كمؤسّسة حاضنة وجامعة للفنّ في سورية ولتكريم روّاده.
الفنان والموسيقي هادي بقدونس نائب نقيب الفنانين قال في تصريح مماثل: يحزّ في قلبي أن أتحدّث في جنازة رجل هو أخ ومحبّ وصديق تربّينا وتعلّمنا على يديه، وكان من كبار الملحّنين والموسيقيين في سورية والعالم العربي. ورحيله خسارة للموسيقى العربية. بغياب هذا الهرَم الفنّي الكبير الذي أعطى ألحاناً لكبار المطربين محلياً وعربياً، لا سيما في الأغاني الوطنية التي نشأت عليها أجيال من السوريين.
وقال فيصل عبد المجيد رئيس فرع نقابة الفنانين في دمشق في تصريح: الموسيقار سهيل عرفة من العمالقة الأوائل في سورية في فنّه وأخلاقه. وهو من روّاد الحركة الفنية السورية وفصل كامل في تاريخها. وما حصوله على وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة إلا دليل على فرادته. داعياً إلى تعزيز حضور ومشاركة الفنانين في واجبهم تجاه بعضهم في الأفراح والأحزان.
عضو مجلس الشعب الفنان عارف الطويل قال عن الراحل: برحيل سهيل عرفة خسر الفنّ العربي موسيقياً كبيراً وفناناً عملاقاً. وفقد السوريون إنساناً وطنياً ولكنه سيظلّ حاضراً بيننا بأعماله وذكراه الخالدة وبوسام الاستحقاق الذي توّج مسيرته الطويلة، لنؤكد للعالم أن سورية تكرّم فنّانيها وعظماءها الذين تركوا أثراً خالداً.
الموسيقار أمين الخياط الذي صاحب الراحل منذ انطلاقتهما المشتركة قال: الراحل رفيق عمر منذ أن بدأنا معاً في خمسينات القرن الماضي. وكان همّه الأول والأخير الأغنية السورية التي ناضل للحفاظ على هويتها ونشرها وتطويرها لدرجة أنه لدى اشتغاله على أيّ لحن، كان يعمل على ابتكار جمل لحنية سورية تبتعد عن تقليد مثيلاتها المصرية المهيمنة على الساحة وقتذاك. وكان يحرص على تسجيل أعماله بكلّ دقة عبر فرقة الفجر التي كنت أقودها. وهو فنان عظيم وأخلاقه عالية وودود مع أصحابه وزملائه ووطنيّ في سلوكه وعمله.
الفنان سليم صبري قال عن صداقته الطويلة بالموسيقار الراحل: سهيل عرفة هو الصديق العزيز والقديم، صاحب القلب الكبير واليد الممدودة والمفتوحة لكلّ الناس، وكان يسعى إلى مساعدة الجميع حتى عبر فنّه.
المطرب عصمت رشيد الذي لحّن له الراحل أربعاً من أغانيه قال: خسارتنا كبيرة برحيل الموسيقار سهيل عرفة، فهو بمثابة الأب والمعلّم. وهو فنّان عظيم أعطى بلده عصارته من المودّة والمحبّة والإبداع.
المطرب دريد عواضة قال بدوره: سهيل عرفة فنّان لا يتكرّر ورحيله خسارة للفنّ السوري، وعطاؤه لم يقف على حدود الوطن بل تعدّاه إلى الدول العربية حيث استفاد فنانون كبار من إبداعه. وكنت أتردّد دائماً إليه لأتعلّم منه ومن إبداعه المتدفّق، فضلاً عن كونه طيّب القلب وصاحب أخلاق عالية.
الأب فراس حكوم الذي جاء من لبنان ممثلاً عائلة الفنانة الراحلة صباح للمشاركة في العزاء قال: ربطت علاقة من الصداقة والودّ الكبيرة بين الراحل وعدد من الفنانين اللبنانيين الراحلين أمثال وديع الصافي والشحرورة صباح وفيلمون وهبي الذين قدّموا عطاء فنياً يتجاوز الأوطان والحدود. منوّهاً بوطنية الراحل وزهده بمتع الحياة، ومحبّته لكلّ الفنانين الذين تعاملوا معه وتشجيعه الموهوبين، وبكونه من جيل الموسيقيين العرب الروّاد ويقف في القمة ذاتها مع محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وغيرهما من كبار الملحّنين.
واعتبر عدد من الموسيقيين السوريين أنّ الراحل خسارة كبيرة للفنّ السوري برمّته، إذ رأى الموسيقار أسعد خوري أنّ سهيل عرفة صاحب رحلة جميلة من الألحان والإبداع.
في حين قال المايسترو حسام الدين بريمو: الراحل سهيل عرفة رجل أعطى الكثير بدافع العطاء والحبّ، وشكّل مع مجموعة من أبناء جيله مرحلة بالغة الأهمية من مراحل تطوّر الأغنية السورية. وأسّسوا أرضية تستند إليها الأجيال الجديدة. كما كان شريكاً في صناعة الأغنية السورية وتطويرها.
وأضاف بريمو: عرفته شخصاً متواضعاً وغيوراً على أبناء وطنه. لديه حبّ التعاطي مع المبدعين السوريين وتعامل بودّ وإنسانية مع باقي المبدعين السوريين بدافع شعوره الوطنيّ وحسّه الإنساني الرفيع.
أما المايسترو عدنان فتح الله فأكد أن سهيل عرفة قامة وقيمة فنيتان كبيرتان في ما يخصّ الأغنية السورية. مشيراً إلى أنه قدّم وزملاؤه للعالم العربي هوية الأغنية السورية، حيث يعاني جيل الموسيقيين السوريين الشباب حالياً من إعادة الهوية إلى هذه الأغنية بحسب فتح الله.
وعن هوية الراحل الفنية رأى فتح الله أنه كان سابقاً عصره في اللحن عبر أغنيات كثيرة قدّمها لعمالقة الفنّ العربي. كما أغنى المكتبة السورية الموسيقية في مجال الموسيقى الآلية، فربط كلّ مقطوعة ألّفها بحادثة أو قصّة من تفصيلات التراث السوري الذي تناوله من مختلف مناطقه.
أما عازف العود والموسيقي محمود الحفار فقال: أعتبر رحيل الموسيقار عرفة خسارة للموسيقى العربية حيث يعدّ من الموسيقيين المميّزين على مستوى سورية والعالم العربي. امتاز بألحانه العذبة التي لاقت شهرة واسعة بين الناس فهو من الموسيقيين الذين أغنوا الموسيقى العربية بألحان جميلة النغم، لتغدو هذه الهوية سمة اكتسبها كلّ من تتلمذ على يديه. كما لحّن لكبار الفنانين العرب الذين لاقت أغانيهم شهرة واسعة على مستوى العالم العربي بأسره.
يشار إلى أن الراحل سهيل عرفة من مواليد حي الشاغور في دمشق عام 1935، هو عضو في جمعية الملحنين والمؤلفين الدوليين في باريس، وله في رصيده حوالى 1500 لحن. تعلّم الفنّ والموسيقى بمفرده، واعتمد ملحناً في إذاعتَي دمشق وبيروت وهو لا يزال في الخامسة والعشرين من العمر. ثم لحّن لكبار المطربين السوريين والعرب آنذاك أمثال: فهد بلان، صباح، نجاح سلام، صباح فخري، محمد عبد المطلب، شادية، شريفة فاضل، مصطفى نصري، وديع الصافي، نصري شمس الدين، مروان محفوظ، دلال الشمالي، وعازار حبيب. فضلاً عن تجربته مع الراحل فنان الشعب رفيق سبيعي الذي قدّم له عدداً من الأغاني الناقدة.
كما ساهم الموسيقار عرفة في إطلاق عدد من المطربين السوريين والعرب أمثال سميرة سعيد، سمير يزبك، عصمت رشيد، ومروان حسام الدين. كما تألّق في مجال الأغنية الوطنية، لا سيما عبر علاقته الفنية مع الشاعر الغنائي الراحل عيسى أيوب، حيث قدّما معاً أغنيات جميلة مثل: «يا مهندس»، «شادي»، «من يوم ولدنا يا بلدنا»، «يا نهر الشام»، «يعطيك العافية يا بو العوافي»، و«ودّي المراكب عالمينا».
وعبر مسيرته الطويلة حاز الراحل على عدد من الجوائز وشهادات التكريم أهمّها عندما منحه الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2007.
ومن الجوائز التي حصل عليها عرفة، الجائزة الذهبية في مهرجان النقود الذهبية في روما ـ إيطاليا عام 1998 عن أغنية «يا أطفال العالم»، والجائزة الذهبية للأغنية في المسابقة الثانية للأغنية الإذاعية لاتحاد إذاعات الدول العربية في الخرطوم ـ السودان عام 2001، والجائزة الفضّية عن أغنية «لو كنت شتاء» في مهرجان القاهرة عام 1999، وجائزة أفضل لحن من مهرجان قرطاج للأغنية العربية عام 1994، فضلاً عن تكريمه من قبل جامعة الدول العربية ضمن مهرجان الروّاد في القاهرة عام 1999، والمجمع الموسيقي العربي في دمشق عام 2000، وتكريمه لمرّات عدّة من مهرجان الأغنية السورية ونقابة الفنانين ووزارة الإعلام.
ومن الأغاني التي لحّنها الراحل وحُفرت في ذاكرة الجمهورين السوري والعربي: «عَ البساطة» لصباح، «يا دنيا» لوديع الصافي، «يا طيرة طيري» لشادية، «يا نهر الشام» لسميرة سعيد، «قالوا الأرض مدوّرة» للتونسي أحمد حمزة، «كيف حوالكم» لمروان محفوظ، «رفي بجناحك» لمروان حسام الدين، «صبر أيوب» لفؤاد غازي، و«حلوة وذكية» لغسان ناجي.
وكانت للموسيقار عرفة تجربة غنيّة في ستينات القرن الماضي في الاسكتشات الغنائية التي لحّنها لفنان الشعب الراحل رفيق سبيعي، والتي سعيا من خلالها إلى انتقاد عادات اجتماعية سيّئة مثل أغنيتَي «شيش بيش» و«حبّوباتي التلميذات».
أما في مجال الأغاني الوطنية، فقدّم الراحل على مدى نصف قرن مجموعة كبيرة من الأغاني الجميلة التي لا تزال تُردّد إلى اليوم مثل: «صباح الخير يا وطناً» لفهد يكن وأمل عرفة، «من قاسيون أطلّ يا وطني» و«قلعة التحدّي» لدلال الشمالي، «يا وطني» لفاتن حناوي، «أنا سوري وأرضي عربية» لمروان حسام الدين، «وصية أب» لمصطفى نصري، «بالعزم والإصرار والثبات» للمجموعة الصوتية، و«يا بلادي» لسمير يزبك.
وفي خزانة عرفة في مجال الموسيقى التصويرية في السينما والتلفزيون والمسرح عدد من الأعمال، حيث وضع اسكتشات وموسيقى لأعمال تربو على الأربعين، مثل اسكتش «المنجّم» في فيلم «غرام في اسطنبول» لدريد ونهاد. وفي المسرح أعمال عدّة من أهمها مسرحية «سهرة مع أبي خليل القباني» تأليف الراحل سعد الله ونوس. وفي مجال الدراما وضع موسيقى وشارات غنائية لعشرات المسلسلات منها «أيام شامية»، «أبو كامل»، و«جريمة في الذاكرة» وغيرها الكثير.
«سانا»