الابتزاز الأميركي… وانتصار المقاومة

هاني الحلبي

لما يجفّ حبر مقررات مجلس الوزراء اللبناني بإعادة التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مجدداً، وكما قيل كل مرة أن السيد سلامة هو الأعتى خبرة في مواجهة ما يُحاك للبنان من هندسات مالية تحت لافتة عقوبات. وكان لافتاً في المناسبة تزامن تحضير رزمة عقوبات أميركية شكلاً، صهيونية حقيقة، تستهدف المقاومة كعنوان، والهدف الحقيقي هو الاحتضان الوطني اللبناني للمقاومة، بأن مصير كل الذين يدعمون هذه المقاومة هو إطباق «السيد الأميركي» على مدّخراتهم وأرصدتهم، إن وجدت وأمكن الوصول إليها.

وليست سياسة الابتزاز جديدة على الولايات المتحدة الأميركية ليتم تسجيلها على ذمة رئيسها التاجر المقاول الدولي دونالد ترامب. فإذا بحثنا في نهايات وأسباب الحروب العالمية التي دارت منذ مئة عام لوجدنا أن الأميركي دائماً كان يقطف بعد انقشاع أدخنة الميادين ويوظف ذلك القطاف في تراكم القوة العالمية حتى استحوذها بالتحالف مع البنية اليهودية المالية منذ العقد الثالث من القرن الماضي.

لكن أحدث محطتي ابتزاز أدهشتا الإعلام كانتا:

قطاف الرئيس الأميركي من زيارته إلى المملكة السعودية بعد شنّ حرب دعائية نفسية قاسية ضد مواطني سبع دول منع دخولهم إلى الولايات المتحدة لفترة، والتلويح بالإرهاب الإسلامي المتطرف ورعاته والتلويح بالدعاوى الأميركية ضد المسؤولين عن 11 ايلول، والتحديد الصريح أن لا حماية مجانية أميركية عسكرية وأمنية لدول الخليج في مقابل التلويح بإعادة النظر في الاتفاق النووي، ما حرّك قادة الخليج جذباً وإغراء وتخويفاً وإرهاباً حتى استسلموا للجزية الأميركية كدفعة أولى ناهزت مئات المليارات، منها المقدّم ومنها المؤخر لعشر سنوات.

وتكاد الأرقام الفلكية تصبح أكثر دهشة لما لاحظ المتابعون بساطة الاستقبال الميداني في ساحة المطار في فلسطين المحتلة، وحضور بضعة أشخاص منهم ترامب وزوجته ورئيس وزراء كيان العدو وزوجته، حتى لتكاد كلفة الاستقبال صفراً على خزينة الدولة العبرية. فضلاً عن تدشين خط جوي مباشر بين السعودية ودولة الاحتلال ستطير على خطه طائرات الأمراء والملوك وأتباعهم سياسة وسياحة وتشاوراً وتآمراً. فتم تدشين أول مظهر سياسي واقتصادي علني للتحالف المعادي باسم التطبيع.

المحطة الثانية كانت في خطاب ترامب امام زعماء دول حلف الناتو، متحدثاً عن «ديون مترتبة عليهم تراكمت منذ سنوات»، خلال افتتاح نصب تذكاري لضحايا الإرهاب في بروكسل، فأطلق النهج نفسه أمام قادة القارة العجوز غير المؤهلة للشراكة الندية مع الولايات المتحدة، منتقلاً فجأة من محاربة الإرهاب إلى «تقصير أعضاء عديدين في الحلف عن سداد التزاماتهم المالية لتعزيز الأمن الجماعي». قال ترامب: «إن العديد من أعضاء الحلف لا يُسهمون بقسطهم بالكامل، في الإنفاق العسكري المشترك للناتو، وهناك كثيرون عليهم أن يسدّدوا ما تراكم من ديون منذ سنوات». وأكد «أنّ بعض دول الناتو مدينة للولايات المتحدة وحلف الناتو بمبالغ باهظة من الأموال».

لكن قنبلة ترامب كانت بقوله «يجب إيقاف الإرهاب، أو سيستمر الكابوس الذي رأيناه في مانشستر وأماكن كثيرة أخرى إلى الأبد، هذه المخاوف الأمنية البالغة هي السبب الذي يدفع بي أن أكون صريحاً للغاية».

هكذا كان قادة الناتو، في موقف كم وقع الطير على رؤوسهم، يرون بأمهات أعينهم تكرار الابتزاز، لكن بذريعة أخرى. ابتزاز الخليجيين بفزاعة التغوّل الإيراني، والأوروبيين بالتغوّل الإرهابي الذي سيستمر إلى الأبد، كما قال ترامب، إن لم يدفع الأوروبيون كما دفع الخليجيون!

استثمار أميركي، ناجح جداً: يتم تأسيس القاعدة، ومن ثم تتناسل منها بناتها النصرة، داعش، أحرار الشام، فتح الشام، أحرار تركستان… تحت عناوين ومسارب عدة. تبيع السلاح. تلوّح بالإرهاب إلى الأبد لتبتزّ العالم كله.

المقاومة التي لم تنتظر أشباه الرجال ليشنّوا حرب نكسة جديدة، ولم تنتظر قبائلهم لتغزو دولة العدو، رفعت دماءها وقامات رجالها. بحثت عن أصدقائها. كوّنت محورها، ترابط المحور عالماً جديداً. وعندما تعمّد بالدم والشهداء والتضحيات، لاحت بشائر الانتصار. كثر آباؤه وتقاطرات أمهاته من أحرار العالم ينصرونه ويعتصمون في معارك أبطال الحرية والكرامة حتى في قاعات الكونغرس الأميركي.

المقاومة وحدَها قدرُ الشعوب والأحرار ولو كانوا أسرى ببطون خاوية!

باحث وناشر موقع حرمون Haramoon.com وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى