انتصار الأسرى التفاوضي يقدّم قيادة للانتفاضة… والجيش السوري والحشد الشعبي يتقاربان مخاوف من ضياع فرصة 5 حزيران للقانون… ومقاطعة للانتخابات وفق الستين… فعودة التمديد
كتب المحرّر السياسي
بين ليبيا والعراق وسورية وتطوّرات ميدانية متسارعة، أطلّ الانتصار التاريخي لإضراب الأسرى الفلسطينيين ليقدّم في زمن الانشغال العربي الاحتفالي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحت عنوان «إسرائيل» ليست العدو بل إيران، نموذجاً لقدرة الإرادة على صناعة النصر، رغم غياب القيادات الحزبية الفلسطينية عن المشهد الشعبي الذي شكل بيئة حاضنة للانتفاضة الأسيرة وتلاقيها مع الانتفاضة المقاومة، بصورة فرضت على الاحتلال الرضوخ لما هو أبعد من المطالب بقبول التفاوض المباشر مع قيادة انتفاضة الأسرى، بعدما رفضوا تفويض الخارج السياسي بهذه المفاوضات، لتتبلور للمرة الأولى قيادة سياسية مستقلة من رموز لها وزنها التاريخي وسجلها النضالي تحظى بصدقية الشارع والمقاومة، يمثلها قادة أسرى مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات ورفاقهما.
في ليبيا تبدو مصر بعد مجزرة المنيا قد حسمت خيارها بإنهاء رمادية الوضع في ليبيا الذي تظلّله حكومة فايز السراج المدعومة من حلف الأطلسي والتي تمثل مظلة الإخوان المسلمين الذين تقف وراءهم تركيا ويقفون وراء الأحداث التي شهدتها مصر. فبعد غارات مصرية على معقل الجماعات الإرهابية في درنة شرق ليبيا، وجّه قائد الجيش خليفة حفتر مدعوماً من الجيش المصري إنذاراً للجماعات المسلحة التي تعمل تحت لواء حكومة السراج لإخلاء طرابلس بعدما قامت باحتلال المطار، وينتظر أن يتصاعد الموقف على خلفية الأزمة الناشبة بين مصر والسعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى.
على الجبهتين السورية والعراقية تلاشت التهديدات الأميركية برسم خط أحمر يمنع تلاقي الجيش السوري والحشد الشعبي عبر الحدود السورية العراقية، مع بلوغ تقدّم كلّ من الطرفين مناطق بات صعباً على الميليشيات المدعومة من الأميركيين وحلفائهم خوض السباق لبلوغ البوكمال والميادين قبل أن تصلها من الجانب العراقي طلائع الحشد الشعبي الذي يواصل التقدّم جنوب غرب القيروان تجاه البعاج، ويلاقيه الجيش السوري بالتقدّم شمال شرق تدمر باتجاه دير الزور.
لبنانياً، مع فسحة الأمل التي فتحها التوافق على قانون جديد للانتخابات مع مساعي نائب رئيس القوات اللبنانية النائب جورج عدوان، وفقاً لصيغة النسبية الكاملة في خمس عشرة دائرة، واعتماد الصوت التفضيلي في القضاء
وليس على أساس الطائفة ولا على مستوى الدائرة الكاملة، عادت بعض التعقيدات للظهور وطرح المخاوف من العودة إلى المربع الأول، وسط تشكيك بفتح الدورة الاستثنائية ما لم يتمّ الاتفاق النهائي على القانون، وطرح شروط جديدة من نوع جعل الدوائر ست عشرة دائرة بتقسيم دائرة زغرتا البترون والكورة وبشري التي تضمّ عشرة مقاعد إلى دائرتين، والإصرار على نقل المقاعد المسيحية من عدد من دوائر المحافظات إلى جبل لبنان، ما دفع بعض المصادر المتابعة للتخوّف من أن يؤدّي الفشل وعدم فتح الدورة الاستثنائية إلى فشل مساعي التوافق ودخول بوابة تصعيد، لا يحسمها التوجه لدعوة الحكومة للانتخابات على أساس القانون النافذ، أيّ قانون الستين، بينما قد تلجأ قوى عديدة لمقاطعة هذه الانتخابات عملاً باللاءات الثلاثة لا للفراغ ولا للتمديد ولا للستين، التي تكون قد سقطت بدخول الفراغ والذهاب لانتخابات على أساس الستين، ما يعطي الحق لرافضي الفراغ والستين بتفضيل التمديد، الذي يبقي باب التوصل لقانون جديد متاحاً، طالما المادة الدستورية التي يتمّ الاستناد إليها في الدعوة للانتخابات وفقاً للقانون النافذ تنص على عودة المجلس بصلاحياته الدستورية كاملة ما لم تتمّ الانتخابات لأيّ سبب كان.
ترقُّب خروج «القانون» إلى النور
وسط الحديث عن شبه توافق على قانون انتخاب يعتمد النسبية الكاملة على أساس 15 دائرة يعمل نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان على استكمال مشاورات ربع الساعة الأخير حول تفاصيله المتعلقة بالصوت التفضيلي ونقل بعض المقاعد المسيحية من دوائر الى دوائر أخرى، تكثفت الاتصالات واللقاءات بين القوى السياسية مع دخول البلاد في الأيام العشرين المتبقية من ولاية المجلس النيابي التي تنتهي بـ 20 حزيران المقبل. وبناء على المعطيات الجديدة، أرجأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة اليوم الى 5 حزيران المقبل بجدول الأعمال عينه، ما يعني أن رئيس المجلس ضمن توقيع رئيسَيْ الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري مرسوم فتح الدورة الاستثنائية للمجلس لا سيما بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين عون وبري، حيث اتفقا على تأجيل جلسة اليوم على أن يعلن عون فتح الدورة الاستثنائية خلال الأيام القليلة المقبلة، بحسب ما علمت «البناء».
لكن مصادر نيابية مطلعة أشارت لـ«البناء» إلى أن «رئيس الجمهورية ينتظر الاتفاق النهائي على قانون الانتخاب الجديد ليبادر الى فتح دورة استثنائية للمجلس»، مؤكدة أن «الرئيس عون لن يوقع مرسوم العقد الاستثنائي قبل إبلاغه باتفاق الاطراف على قانون جديد، لأنه سيحصر جدول أعمال الدورة بإقرار قانون جديد»، وأوضحت أنه «في حال لم يتم التوافق، فلا دورة استثنائية وسيذهب المجلس الى الشغور حتى إجراء انتخابات نيابية على قانون الستين وفقاً للمادة 25 من الدستور».
ولفتت المصادر الى أن «الرئيس بري أرجأ الجلسة بعد أن بلغت النقاشات مرحلة متقدمة من الجدية والإيجابية أكثر من أي وقت مضى، لذلك أعطى بري فرصة جديدة للتوافق حتى 5 حزيران». واعتبرت أن «القوى أقرت في النهاية بضرورة إقرار قانون جديد قبل نهاية المهلة المتبقية بعد أن استخدمت لعبة عض الأصابع طيلة الفترة الماضية»، ورجحت المصادر أن «يتم التوافق على قانون جديد قبل 5 حزيران».
وفي حين لم يعلن التيار الوطني الحر موقفاً رسمياً من المعطيات الجديدة حتى الآن، من المتوقع أن «يُطلع عدوان التيار اليوم على أجواء الاتصالات وما توصلت إليه المشاورات من نتائج مع القوى السياسية التي أبدت بغالبيتها تعاوناً وتجاوباً»، أفادت مصادر عونية أن مسألة الصوت التفضيلي حسمت لصالح تقييدها بالقضاء كما يريد التيار مقابل تنازله عن المرحلة التأهيلية.
غير أن أوساط «التيار الحر» أشارت لـ«البناء» الى أن التيار الوطني الحر «كان من أول من طرح النسبية في 16 دائرة، أي إلى دوائر متعددة الأمر الذي يصحح التمثيل»، مشيرة الى أن «الصيغة المطروحة الآن ليست جديدة ونتجت عن قانون الوزير السابق مروان شربل الذي أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بجميع مكوناتها، لكنه بقي في أدراج المجلس النيابي».
وعن أسباب تنازل التيار عن مشروع الوزير جبران باسيل التأهيلي الى النسبية الكاملة، لفتت الى أن «التيار لا يزال متمسكاً بالمرحلة التأهيلية حتى نعرف تفاصيل القانون التي يبحثه عدوان مع القوى الأخرى، وأي طرح على النسبية الكاملة يحتاج الى ضوابط ليصبح مقبولاً لدينا، ولذلك ننتظر عدوان ليوضح لنا ذلك على أن تجتمع الهيئة السياسية للتيار اليوم لاتخاذ القرار النهائي».
وأضافت أوساط التيار أن «التيار يطالب بإعادة توزيع الـ20 نائباً الذين أضيفوا في اتفاق الطائف الى عدد أعضاء مجلس النواب الذي أصبح 128 عضواً، وبالتالي إن تعذّر إلغاؤهم لأن ذلك يحتاج الى قانون، فتجب إعادة توزيعهم أو توزيع قسم منهم على دوائر أخرى كالمقاعد المسيحية في دوائر بعلبك الهرمل وطرابلس وبيروت والبقاع الغربي»، لكن مصادر الرئيس بري رفضت عملية نقل مقاعد رفضاً قاطعاً، الأمر الذي يزيد في فرز المجتمع اللبناني على أساس طائفي ومذهبي ويضرب صيغة العيش المشترك.
وقال الوزير باسيل خلال جولة له في البقاع أمس إن «الرئيس عون أنقذنا مرتين، وهو الذي ضرب على الطاولة وأنقذ اللبنانيين من الستين برفض دعوة الهيئات الناخبة، ومن ثم استخدم صلاحياته وأنقذنا من التمديد بتأجيل جلسة النواب التي كانت مخصصة للتمديد. والرئيس يمكن أن يستعمل صلاحيته في الدعوة للدورة الاستثنائية ليُبعد عن اللبنانيين الفراغ، لأننا في فترة العشرين يوماً يمكننا التوصل الى قانون جديد ميثاقي».
وأعلن باسيل أننا «جاهزون اليوم للذهاب الى الدولة المدنية التي لم يلاقينا بها الأفرقاء الآخرون، ومجلس الشيوخ أطاح به التصرف غير المسؤول، وحقنا أن نطبق اتفاق الطائف الذي بات دستورنا، فمجلس الشيوخ هو نقلة فعلية لطمأنة اللبنانيين بطوائفهم كما بفتح الباب أمام العلمنة حيث يضمن مجلس النواب حقوق المواطن».
وفي حين تترقّب الأطراف السياسية الأخرى وصول النقاش الى خواتيمه السعيدة وخروج القانون الى النور، أشار رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في حديث تلفزيوني إلى أننا «ننتظر المسعى الصامت للخيّرين من أجل الوصول لتسوية وفي المقدمة نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان الذي سيكون طرحه الحل».
واعتبر رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في كلمة ألقاها خلال لقائه فعاليات ومناصري «المردة» في جبيل الى أن «الحل يكون ببناء دولة قوية قادرة وإنماء متوازن وحقيقي»، مضيفاً: «الخطر الكبير هو عملية تطويع الطوائف والأخطر منه عملية نقل المقاعد»، ومشيراً الى أن «قوة المسيحيين هي في انتشارهم على مساحة لبنان في وطن لنا فيه الكثير ونحن قادرون على النهوض به»، ولافتاً الى أن «مصلحة لبنان هي الأساس بالنسبة لنا وكل القوانين الانتخابية التي طرحت كان هدفها إقصاءنا».
«النصرة» في جب جنين؟
أمنياً، وبعد 24 ساعة على إحباط الجيش اللبناني عمليات إرهابية ضد دوريات ومراكز الجيش في جرود عرسال وإلقاء القبض على قيادات إرهابية من «داعش»، شهدت محاور شميس العجرم، خربة داوود، الشاحوط، سرج النمورة، وادي حميد، الملاهي، العجرم وخربة يونين في جرود عرسال في اليومين الماضيين، اشتباكات عنيفة وحرب تصفية بين تنظيمي «داعش» من جهة والنصرة و»سرايا أهل الشام» من جهة ثانية.
وبحسب معلومات ميدانية لـ«البناء»، فقد أدّت الاشتباكات الى وقوع عدد من القتلى وعشرات الجرحى بصفوف التنظيمات المتصارعة بينهم مسؤولون ميدانيون توزعوا على الشكل التالي قتلى تنظيم داعش: مقتل المسؤول العسكري المدعو «أبو عرب»، والمسؤول الميداني المدعو «يوسف علايا»، والمسؤول الميداني المدعو «أبو جاسم بحبوحة»، والمسؤول العسكري المدعو «أبو همام»، ومسؤول مجموعة ملقب بـ»مدافع»، ومسؤول مجموعة ملقب بـ «أبو محمود».
وتتحدث المعلومات، عن 27 جثة تابعة لمسلحي «داعش» موجودة لدى «النصرة»، و»جماعة أهل الشام».
أما قتلى «جبهة النصرة» و»جماعة سرايا أهل الشام»، فهم: مقتل 5 مسلحين من «النصرة» عرف منهم المسؤول الميداني المدعو «أبو الزبير»، ومقتل 6 من «أهل الشام»، في حين نقل الصليب الاحمر اللبناني 6 جرحى إلى مشفى الرحمة في عرسال وأربعة جرحى من إرهابيي النصرة الى مستشفى فرحات في جب جنين في البقاع الغربي.
وأكدت معلومات رفيعة أن «وساطة منظمة دولية أممية تدخلت بطلب من «جبهة النصرة» للحكومة اللبنانية بأن تسمح الأخيرة لجرحى النصرة الدخول إلى المشافي اللبنانية للعلاج. ووافقت الحكومة على طلب النصرة، حيث بدأ جرحى النصرة يتوافدون بشكل كثيف إلى المشافي الميدانية من عرسال مروراً بالبقاع وصولاً حتى جب جنين في البقاع الغربي.
وقد سُجّل نقل 20 جريحاً من النصرة كانوا أصيبوا في الاشتباكات مع داعش في جرود عرسال، إلى مشفى الرحمة، عبر الصليب الأحمر بالتنسيق مع الجيش.
وتساءلت مصادر مطلعة عن خفايا قرار السماح لإرهابيي النصرة المحتلين بالدخول الى الأراضي اللبنانية وتلقي العلاج في أحد المستشفيات وهم الذين قاموا بعمليات إرهابية عدة ضد الجيش والمواطنين اللبنانيين، ووضعت المصادر هذا السؤال برسم رئيس الحكومة ووزير الداخلية والأجهزة المعنية.
ونوّه قائد الجيش العماد جوزيف عون أمس الأول بـ»العمليات النوعية الاستباقية التي نفّذتها مديرية المخابرات خلال الأيام الماضية في عرسال»، مشيراً إلى أن «توقيف الإرهابيين المسؤولين عن تفجيرات بلدة رأس بعلبك، حال دون تنفيذهم مخططاتهم الإجرامية، وجنّب وقوع الكثير من الضحايا في صفوف المواطنين».
وخلال تفقده العسكريين الجرحى جراء حادث التفجير الذي تعرّضوا له في البقاع، دعا عون العسكريين إلى «مزيد من الجهوزية لتنفيذ المهمات المرتقبة»، وأكد «القدرة الاستخبارية والاستعلامية للجيش على اجتثاث الخلايا الإرهابية من مخابئها أينما وجدت، وهذه القدرة تسير جنباً إلى جنب مع مواصلة الوحدات الميدانية مهاجمة مواقع التنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية، وتضييق الخناق عليها وصولاً لدحرها»، مطمئناً إلى أن «استقرار البلاد في حمى الجيش، الذي لن يسمح بالعبث به تحت أي ظرف من الظروف».