رفض واسع لنقل المقاعد النيابيّة: بداية للفيدراليّة السياسية
بعدما تجاوز قانون الانتخاب قطوع النسبيّة، برزت عقدة نقل عدد من المقاعد النيابيّة من بعض المناطق إلى أخرى، وهي تفاعلت أمس في الأوساط النيابيّة التي أكّدت رفضها لهذا التوجّه، معتبرةً أنّ هذا الطرح يحمل في طيّاته خطورة كبيرة لأنّه يشرعن الانقسام بين اللبنانيين وبداية فيدرالية سياسية والانكماش على المستوى الوطني.
خطأ استراتيجي
وفي السيّاق، قال الرئيس نجيب ميقاتي في تصريح: «في خضمّ النقاش الدائر في شأن قانون الانتخاب، ومع ترحيبنا بالمشروع المتداول حالياً والذي ينطلق من روحيّة مشروع القانون الذي أقرّته حكومتنا، فوجئنا بعودة البعض إلى طرح نقل مقاعد نيابيّة من منطقة إلى أخرى بحجّة تحقيق عدالة التمثيل».
أضاف: «إنّ هذا الطرح يحمل في طيّاته خطورة كبيرة، لأنّه يعني عمليّاً شرعنة الانقسام بين اللبنانيّين وبداية فيدراليّة سياسية مرفوضة، في وقت مطلوب من الجميع التعاون لتوطيد الوحدة»، لافتاً إلى أنّ اتفاق الطائف كرّس لمرة نهائيّة المناصفة بين اللبنانيين بعيداً من الحسابات العدديّة والانتخابية.
وختم: «من هذا المنطلق، نحن نعبِّر عن رفضنا لطرح نقل المقاعد وأيّ طرح تقسيمي من أيّ جهة أتى. كما أنّنا نتمسّك ببقاء المقعد الماروني في طرابلس، لأنّ المدينة بكلّ أطيافها، حريصة على وحدتها والعيش الواحد بين جميع أبنائها. طرابلس كانت وستبقى مدينة العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيّين، ما رفضته أيام الحرب الأليمة لن تقبل به اليوم، وما يُطرح مرفوض من كلّ أهل طرابلس. فليتوقّف المزايدون عن تقديم طروحات لن تحمل إلّا المزيد من الويلات على جميع اللبنانيّين».
كذلك رفض عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر
نقل المقاعد من دوائر إلى أخرى، خصوصاً المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، مشيراً إلى أنّ «من الخطأ استراتيجيّاً عدم تمثيل موارنة طرابلس ونقل مقعدهم خارج المدينة، لأنّ الإبقاء على المقعد في طرابلس يُشعر الموارنة بأنّهم شركاء في قرارات المدينة»، معتبراً «أنّ الصوت التفضيلي على أساس مذهبي وطائفي معناه العودة بطريقة غير مباشرة إلى القانون الأرثوذكسي»، مستغرباً التناقض في المطالب، ففي حين نطالب بتحقيق المواطنة، نريد في الوقت نفسه فرز الناس على أساس طائفي ومذهبي».
وأوضح «أنّ لا مانع لدينا كتيّار من السير بصيغة النسبيّة مع 15 دائرة»، لافتاً إلى «أنّ هذه الصيغة إذا ما أُقرّت لا تُبقي الحجم النيابي لكتلة «المستقبل» كما هو الآن، لأنّ النسبيّة تسمح بتمثيل الجميع على عكس النظام الأكثري، وهذا الأمر يسري أيضاً على معظم الكتل النيابيّة».
وتساءل: «لمَ التأخير في توقيع مرسوم فتح دورة استثنائيّة لمجلس النوّاب ما دامت الأجواء إيجابيّة ومُشجّعة؟ فمن لديه نيّة بإقرار قانون جديد للانتخاب، يحتاج إلى اجتماع الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، فلماذا لا نفتح دورة استثنائيّة للمجلس لهذه الغاية؟ لماذا هذا التشنّج وترك الأمور لربع الساعة الأخير؟».
بدوره، أعلن عضو كتلة التحرير والتنمية النائب عبد المجيد صالح، «أنّ هناك عقداً حول القانون الانتخابي على الرغم من الأجواء الإيجابيّة»، موضحاً أنّ «الإصرار على نقل بعض المقاعد النيابيّة أو تحريرها هو أمر غير مستساغ ويصعب استيعابه».
وعن موقف رئيس المجلس النيابي نبيه برّي من نقل المقاعد، أكّد صالح «أنّه لم يتمّ التطرّق إلى موقفه علناً، وأنّ التحفّظ يأتي انطلاقاً من الثوابت الوطنيّة المتمثّلة بالمحافظة على التوزيع الانتخابي والدستور»، وقال: «نقل أيّ مقعد يؤدّي إلى انكماش على المستوى الوطني ولا ينسجم مع دور العوائل الروحيّة، إذ يقصي بعض البيوتات المسيحية التي لها تاريخ من العطاءات».
وإذ شدّد «على ضرورة أن يكون الشريك المسيحي قوياً، رفض صالح «اختصار التمثيل المسيحي بثنائية التيّار الوطني- القوات»، وقال: «فليتنازل البعض عن بعض المطالب المجحفة بحقّ مسيحيّي الأطراف».
في المقابل، رأى عضو كتلة «القوّات» النائب فادي كرم، أنّ نقل بعض المقاعد النيابيّة هو «لتحسين التمثيل المسيحي المغبون من دون أن يكون على حساب أيّ طائفة أخرى».
وأشار إلى «أنّ الأفرقاء كافّة يتعاطون بإيجابيّة مع الاستحقاق الانتخابي، وأنّ النقاط التي ما تزال عالقة لا تحول دون صدور قانون جديد»، لافتاً إلى «أنّ المشاورات مستمرّة واللقاءات تتكثّف لتذليل التباينات التي ما تزال قائمة، لا سيّما مع ضغط المهل الدستورية».
تويني
بدوره، أعلن وزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني، أنّنا «على مرمى حجر من القانون»، مشيراً إلى «أنّ الرئيس ميشال عون منزعج لأنّه لم يتمّ الاتفاق على القانون الذي وعد به اللبنانيّين».
وفي هذا الإطار أيضاً، رأى عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب سيمون أبي رميا، «أنّ نقلة نوعيّة في القانون الانتخابي أُحرزت في الفترة الأخيرة، وذلك بفضل صلابة وثبات التيّار الوطني الحرّ الذي دفع كلّ القوى السياسية للعمل لإنتاج قانون انتخابي جديد»، وقال: «التيّار الوطني الحرّ كان السبّاق في طرح النسبيّة، لكن ننتظر تطوّر النقاش التفصيلي لنؤمّن صحة وحسن التمثيل».
وشدّد على أنّ التيّار «لن يقبل بقانون انتخابي يوصل إلى المجلس نوّاباً لا يمثّلون حيثيّة شعبيّة، وتابع: «نحن نتعاطى مع الطرح الانتخابي بإيجابيّة، لأنّنا نطمح إلى قانون عصري، لكن ننتظر التفاصيل الأساسيّة التي تؤمّن الضمانات المطلوبة».
وقال: «النائب جورج عدوان يضعنا بأجواء النقاش، وهو أبلغنا بأنّ 80 من الطريق قد تمّ اجتيازها ويبقى 20 ، وعندها تعلن المواقف النهائيّة للقوى السياسية»، لافتاً إلى أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يصدر مرسوم فتح عقد استثنائي إلّا إذا تمّ الاتفاق على قانون انتخابي جديد».
الهراوي
من ناحيته، رأى الوزير السابق خليل الهراوي في بيان، أنّ «تبنّي القوى السياسية في الآونة الاخيرة لقانون انتخاب قائم على النسبيّة وفق 15 دائرة انتخابية يبدو لافتاً»، وذكر أنّه «القانون الذي لطالما نادينا باعتماده كحلّ ضامن لإشراك كلّ الفئات في إدارة شؤون البلاد».
أضاف: «أمّا وقد تنامى إلينا أنّ بعض القوى السياسيّة يعمل على نقل مقاعد من هذه الدائرة أو تلك، فما يعنينا منها هما المقعدان المارونيّان عن دائرة بعلبك الهرمل، وعن دائرة راشيا والبقاع الغربي».
وأوضح أنّ «هذين المقعدين مع المقعد الماروني في دائرة قضاء زحلة، يجسّدان الانتشار الماروني في البقاع، وبالتالي الثقل المسيحي في هذه المنطقة»، متسائلاً: «كيف يمكن أن يكون هناك من يتجرّأ على العمل لتفريغ هذا الحضور المسيحي في منطقة تمثّل 40 من مساحة لبنان، من أجل مركز نيابي إضافي يعتقد أنّه سيكون له في منطقته».
وإذ شدّد الهراوي على أنّ «الوجود المسيحي في لبنان هو بانتشاره على كافّة الأراضي اللبنانية»، أكّد أنّه «لا يمكن لأحد أن يحصر هذا الوجود في غيتوات، وهذا لم ينجح في الماضي ولن نسمح به اليوم».
الداود
من جهته، رأى الأمين العام لـ«حركة النضال اللبناني العربي» النائب السابق فيصل الداود، في بيان له، «أنّ إقرار القوى السياسية والكتل النيابيّة الأساسية، بالنسبيّة الكاملة في قانون الانتخاب، هو ما نؤمن وطالبنا به منذ سنوات، ويؤكّد صحّة ما طرحنا لتصحيح التمثيل، وتأمين العدالة بين مختلف الأحزاب والتيّارات، بما يعزّز الديمقراطية الحقيقية، ويرفع من مستوى المشاركة في العملية الانتخابية، وهذا أمر نرحّب به، وكنّا نتمنّى أن يحصل قبل سنوات، من قِبل من كانوا رافضين هذا النظام الانتخابي، والإبقاء على النظام الأكثري، وأن تأتي متأخّراً أفضل من أن لا تأتي أبداً، وهذا ما يجب أن يتحمّله معطّلو إقرار قانون للانتخاب معنوياً وسياسياً، بوضع لبنان أمام مصير مجهول والاتجاه به نحو الهاوية».
أضاف: «إنّنا إذ نؤكّد تأييدنا للنسبيّة، على ألّا تشوبها تشويهات، من خلال الاتجاه بها طائفياً وتوزيع الدوائر وفق حسابات فئوية وسياسية، وعدم اعتماد معايير واحدة، وهذا خلل فيما يطرح من تصوّرات نأمل تخطّيها».
الحراك المدني
إلى ذلك، أعلن ناشطو وناشطات «مرصد الحراك المدني» في بيان أصدروه إثر اجتماعهم الدوري، أنّهم يتطلّعون «بالكثير من الأمل إلى ما يرشح عن المفاوضات النهائيّة الحاصلة من أجل إقرار قانون جديد للانتخابات على أساس النسبيّة الكاملة، مع بلوغ نسبة توقّع إنجاز القانون في الأسبوع المقبل مستويات قياسيّة غير مسبوقة»، معتبرين أنّ «ما يجري هو خطوة في الاتجاه الصحيح، على درب بناء الدولة القويّة القادرة، وإنجاز أحد أبرز عناصر خطاب القسم لعهد الرئيس العماد ميشال عون، والبيان الوزاري في حكومة استعادة الثقة … ولعلّها إذ ذاك، ستكون المرّة الأولى منذ ستين عاماً حيث ستكون الانتخابات بقانون حقيقي للانتخاب وليس بقانون للتعيين، معروف النتيجة سلفاً». وأثنوا على «الدفن النهائي لقانون الستين».