نصوص افتراضيّة
أحياناً، عليك أن تقلب الطاولة، أن تخسر كلّ شيء ولا تبالي. أن تعود إلى نقطة الصفر حيث المربع الأول.
وأن ترمي كلّ أفكارك في سلّة المهملات، وتغسل ملامحك بمطر لطيف وتبحث بين يديك عن صفعة لذاكرتك.
أحياناً، عليك أن تحرق كلّ اليباس قربك. أن تقف أمام هذه الابتسامات المصطنعة وتقول: كلّ ذلك هراء.
أن توقف كلّ هذا الالتباس والمهزلة وتقطع خيط الشكّ باليقين الوحيد. لا يعنيني كلّ هذا التملق ولا يغريني كلّ هذا الغموض، ولست بحاجة إلى قبلات خالية من الحرارة.
أحياناً، عليك أن تستفيق من الموت الصامت، وتبحث في مكان آخر عن ذاتك.
ترتّب حزنك بهدوء، وترتّب فرحك بأناقة. بعد تعب مع المراوغة عليك أن تكشف الأقنعة قبل سقوطها.
ربما تشيخ الكلمات بين شفتيك، بعدئذٍ سيكون الصدى بعضاً من أغانيك وكثيراً من رقصك المتألق.
على كرسيّ عتيق، تنتظر البحر وهو يهرول إليك بأقدام جميلة، بابتسامة تكتب على جبينك. من أيّ وطن منكوب أتيت؟ لأن الأماكن تخونك بكلّ وقاحة فهي أكثر قسوة من غياب امرأة. كيف أحمل لك قلبي المشرّد في أزقة المدينة الكافرة؟ وأنت تصنعين بيتاً دافئاً لأحلامي المزدحمة. متى سنرقص على حافة البحيرة وكأننا نكتشف للتو كوكب الجاذبية؟
أحياناً؟ عليك أن ترحل وتستسلم كأنك مهزوم في معركة التحايل. أن تأخذ مجدك في إبداع الفوضى. أن تلامس حدود النار وتحترق لمرّات. أن تنظر إلى هذه الوجوه وتقول: كفى دهاء.
أحياناً، عليك أن تموت دفعة واحدة. مت كثيراً إلى أبعد حدود العتمة وخذ كلّ تفاصيلك إليك.
أحياناً، عليك أن تقول: لا أريد، ولا أشعر، ولا أفهم، ولا يغريني، وحذائي الجميل يشعرني بالراحة أكثر من أيّ قبلة أو لمسة أو انتشاء.
وأحياناً، أعترف للبحر كم أنا فاشل ومنهك، كم أنا تافه ومشرّد، وأنتظر البحر أن يبتلعني كنجمة قرّرت الانتحار، كغيمة تعبت من الشمس. وأحياناً، أعترف إلى المجهول، إلى ظلّ يتربّص بي. أنا لا أخاف سوى من ظلّي. كأنك تتسمّر خلف الشاشة الحقيرة وتفكّر ماذا ستكتب… هذا قمّة الغباء.
أن تفكّ شيفرة كلّ هذه الوجوه الملتبسة. هذا فعل انتحار!
أن تقرأ الغامض بين الكلمات. سوف تتعب من الحقيقة.
ربما. لست متأكداً من شيء، لكنني تصالحت مع الذاكرة، وتصالحت مع الغياب. لست متأكداً من شيء، ولكنني تصالحت مع الخوف والمجهول، وتصالحت مع عينيك المثيرة، وأكتب قصّتي مع الحياة كي لا أموت وحيداً.
هل أنت فعلاً حبيبتي؟ لا أدري!
لكننا بالأمس كنّا نغنّي وكانت أجسادنا تتلاحم وتتناغم مع ضوء خافت وكثير من النشوة. كنّا نبحث عن الضائع منّا، وكنّا أكثر من حضورنا.
ونهدك الضاحك قرب سريري، الخارج للتوّ من رائحة الصباح، يهمّ بالرحيل دائماً.
و نّ الأشياء تحدث ولا تفهمها، وأحياناً نتجاهلها، وأخرى نتمنّى أن تحدث ولا تحدث، وأشياء ننتظرها ولا تأتي، وحين تأتي تفقد حضورها، أشياء غريبة. وأشياء مألوفة. ولأننا نحتال على الأشياء فنختار لها أسماء ملتبسة، لكنني لن أشعل النار في أوراق الرزنامة، وأرمي براءتي تحت شجرة بيتنا وأخبّئ حبر طفولتي.
أعلم ببساطة أن هذا العالم مختلّ ويحتاج إلى مصحّ عقليّ ويزدحم بالموت، لكنني لن أتحوّل إلى صندوق من الصمت والحزن.
ربما أموت في حروب تحدث في زمني ولا أستمتع في فهم ما حدث ولماذا مات مثلي الكثيرون من بائعي الورود وماسحي الأحذية، وممّن رسموا تجاعيد وجهك وبيوت المدينة وطرقات الوحل والأقدام المبللة خلف البحر. وممن صنع الخبز الطازج وغنّى في حانات يغلّفها دخان الجنون. لا أفهم منطق المساء في زجاجة الخمر، ربما أبحث عن أشياء كثيرة في ازدحام الوقت والخيبات، لكنني أمسك بيدك وأتعلّم كيف تطير العصافير بمتعة وحرّية.
يكتبها زاهر العريضي