بعبدا وعين التينة… كباش دستوري
هتاف دهام
يعكس المؤتمرالصحافي لرئيس مجلس النواب نبيه بري مناخاً متوتراً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. لا يُعقل أن تكون الأمور تتجه نحو الحلّ وأن يتضمّن مؤتمر عين التينة هذا المستوى من النقد والتوتر الداخلي من رئيس الجمهورية. وإنْ كان الرئيس بري حاول إضفاء أجواء من الإيجابية على علاقته بالرئيس عون بقوله «خلال الاتصال الذي أجريته مع فخامته، قلت له إنّ هناك محاولات مضنية للإيقاع بيني وبينك. ما كان قبل الانتخابات هو غير ما بعدها. وهذا الكلام اتفقت انا وفخامة الرئيس عليه بعد الانتخابات مباشرة في المجلس النيابي».
ما يجري من مناكفات مجرد كرة متبادلة بين بعبدا وعين التينة. يفهم «الأستاذ» ما يجري وكأنه نوع من الابتزاز الجديد الذي درج عليه العهد في علاقته معه، يؤكد قطب سياسي في 8 آذار لـ«البناء». فالرئيس عون لم يقصر بحق الرئيس بري عندما لم يوقع المرسوم الذي أحاله إليه رئيس الحكومة سعد الحريري قبل جلسة 29 أيار أو بالتزامن معها على الأقلّ.
يزداد الأمر تعقيداً، بحسب القطب نفسه، إذا أخذ بعين الاعتبار ما ورد في مقدمة نشرة أخبار تلفزيون الـ «أو تي في» قبل أيام «لا دورة استثنائية ما لم ينضج التوافق الكامل حول قانون الانتخاب»، بغضّ النظر عن أنّ المحطة نفسها أكدت بعد «خضة الرئاسة الثانية» أمس أنّ المرسوم سيصدر حتماً لكن وفق الأصول الدستورية الدقيقة …
أفلح بري في ابتكار اجتهاد دستوري غير مسبوق بتأكيده أنّ الدستور يتحدّث عن تأجيل الجلسة مدّة شهر وليس الإلغاء. هذا من شأنه أن يعطيه الحق في استعاضة ما أرجأه رئيس الجمهورية عندما أصدر مرسومه بالاستناد إلى المادة 59 من الدستور.
صحيح أنّ فتح دورة استثنائية من صلاحيات رئيس الجمهورية، لكن دعوة رئيس المجلس تأتي في سياق إطراء الحوار وتوسيع المدى الزمني للفرصة للتوصل لقانون، يشدّد القطب نفسه. فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله افترض في خطاب عيد المقاومة والتحرير أنّ الرئيس عون سوف يفتح دورة استثنائية، بإشارته إلى أنّ الأخير قال إنّ «القوى أمام فرصة حتى 20 حزيران للاتفاق على قانون»، فضلاً عن أنّ السيد أكد في إطلالة سابقة أهمية فتح عقد استثنائي لإتاحة المجال أمام المجلس للتشريع في آخر 20 يوماً من ولايته، تفادياً للدخول في الفراغ وأخطاره.
لم يقف رئيس المجلس عند موضوع «العقد» فقط، إنما أعلن موقف الثنائي الشيعي الواضح والصريح بالموافقة على صيغة النسبية الكاملة مع تقسيم لبنان إلى 15 دائرة. تجاوز كحال حزب الله تحفظه على الصوت التفضيلي المقيّد بالقضاء. صوت أصبح من غير معنى نظراً إلى تصغير حجم الدوائر التي باتت تقترب من حجم القضاء أساساً، لكنه أوضح رفضه بالأساس وبالشكل لنقل المقاعد الانتخابية.
في موازاة ذلك، لم تبتلع دوائر القصر الجمهوري طرح رئيس المجلس. فهو، كما تقول، خارج المعهود ومستهجناً على المستوى الدستوري.
ارتكز رأي الرئيس بري على الفقه والتجربة الفرنسيين خلال حقبة الجمهورية الفرنسية الثالثة. لكن الحالة الفرنسية المذكورة، بحسب الخبير الدستوري عادل يمين، غير صالحة للمقارنة أو الارتكاز أو الاستئناس بها، لأنّ دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة تضمّن صراحة تعويض مدة التعليق، وهذا النص لا يقابله نص في الدستور اللبناني. فضلاً عن أنه في ظلّ عدم تضمّن المادة 59 من الدستور نصاً يقضي بتعويض فترة التأجيل لا يجوز الأخذ بأيّ تعويض حيث القاعدة القانونية تقضي بألا اجتهاد في معرض النص الصريح.
وعليه، لا يمكن الحديث عن تعويض لمدة التأجيل من خلال تمديد حكمي لمدة العقد العادي، لأنّ قرار الرئيس عون المستند إلى المادة 59 اكتفى بتأجيل انعقاد جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب ولم يشمل تجميد عمل البرلمان ولم يُفض إلى تعليق العقد العادي، بدليل استمرار اللجان النيابية في أعمالها خلال مدة التأجيل، وهي شهر، يؤكد يمين.
يغمز الخبير الدستوري من قناة اتصال الرئيس بري برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بخصوص إصدار مرسوم بفتح دورة استثنائية وانتظاره له وإعلانه استعداده للالتزام به، ليؤكد أنّ العقد العادي ينتهي في آخر أيار الحالي.
يعود يمين إلى المواد 31 – 32 33 من الدستور ليدحض ما قاله الرئيس بري. فالمادة 31 تقول «كلّ اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يعد باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون». وتشير المادة 32 من الدستور إلى أنّ «المجلس يجتمع في كلّ سنة في عقدين عاديين، ينتهي أولهما في آخر أيار ويبدأ ثانيهما يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من تشرين الأول». أما المادة 33 فتؤكد أنّ «لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرامجها، كما أنّ دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه مرهونة بصدور مرسوم عن رئيس الجمهورية يتضمّن هذه الدعوة».
في ضوء هذا المشهد، كان يتوجّب على رئيس المجلس عدم توجيه الدعوة لجلسة 5 حزيران قبل صدور المرسوم ، كما أنه في حال صدر مثل هذا المرسوم فيجب أن ينحصر جدول الأعمال بالبرنامج الذي يحدّده، يقول يمين. فأية جلسة يعقدها البرلمان بين الأول من حزيران والتاسع عشر منه في حال لم يكن صدر مرسوم فتح عقد استثنائي، تكون باطلة حكماً ومخالفة للقانون وكذلك الأمر في حال صدوره وخرجت الجلسة عن البرنامج المحدّد فيه.
وفق المعنيين سيوقع رئيس الجمهورية مرسوم فتح العقد الاستثنائي غداً في 31 أيار. لكن السؤال المطروح: هل سيتمسك الثنائي المسيحي التيار الوطني الحر وحزب القوات، بنقل المقاعد واعتباره متحققاً لا يمكن تجاوزه بالموافقة على إقرار النسبية، كما يحلو لوزير الخارجية جبران باسيل أن يتحدث دائماً؟ أم أنّ التيار البرتقالي سيتخطى الأمر ويرى بنقل المقاعد شروطاً تحسينية غير جوهرية؟
أية أيام سيشهدها لبنان؟ هل سنسير نحو الإفراج عن «نسبية» هي في حقيقة الأمر «نسبية» الحدّ الأدنى وبالكاد يبتلعها الثنائي الشيعي الذي طالما طالب بالنسبية؟ أم أننا نسير نحو النزاع الأخير لنقاش انتخابي أشغل البلد على مدى سنوات عدة وأنهك المتناقشين فيه كي يعود إلى «القانون الرَّجيم». فقانون الستين بعلاته، قد يكون أقلّ إشكالية والتباساً في وضع لبناني شديد التعقيد؟
الأكيد وفق القطب السياسي في 8 آذار أنّ جلسة 5 حزيران لن تشهد ولادة قانون الانتخاب. التصعيد في أوجه. الكباش السياسي يتفاقم. الأمور تتعقد أكثر فأكثر. ردّ «التغيير والإصلاح» الرسمي على مؤتمر «الأستاذ» سيصدر اليوم بعد اجتماع «التكتل»، مع الإشارة إلى أنّ رئيس التيار الوطني الحر عاد في الساعات الماضية إلى لغة التهديد بالتصويت في مجلس الوزراء…