إرهاب «إسرائيل» يتمتع بالحماية الدولية… والمقاومة تُعتبر إرهاباً وتُهدَّد بالعقوبات!

اياد موصللي

عرفنا جورج واشنطن من خلال كتب التاريخ بطلاً حرّر بلاده من الاستعمار والاحتلال البريطاني، وأقام دولة رفعت شعار تحرير الإنسان والأوطان، وخاضت حرباً أهلية من أجل منح الزنوج حقوقاً متساوية مع العرق الأبيض. وقاد هذه المعركة ابراهام لنكولن. أصبحت أميركا رمزاً للحرية في العالم وعلى شاطئ مدينة نيويورك ارتفع شاهقاً تمثال الحرية…

هكذا قرأنا في الكتب…

ترومان، جورج بوش، أوباما، ترامب. لم نقرأ عنهم صفحة مجيدة بل عايشنا زمنهم رؤساء لأميركا لا زال دم الهنود الحمر يرشح من أيدي أجدادهم، ولا زالت شهوتهم للدماء تتزايد.. وحبّهم للسيطرة ونهب ثروات الأمم مستمرّ.

تذكرت هذه الصفحات من التاريخ القديم والحديث وأنا اتابع أخبار العقوبات التي تريد أميركا فرضها على لبنان وحزب الله تحديداً لأنها تتهمه بالإرهاب وتعتبره مجموعة إرهابية…

هذه المجموعة اللبنانية نعتت بالإرهاب وحوربت دولياً… لماذا؟ وما هو إرهابها؟

من هي هذه الجماعة التي تعكر علاقتنا بدول العالم وتهدّد اقتصادنا…؟

سألت فقيل: إنّ هؤلاء مجموعة لبنانية تنادوا لمحاربة عدو احتلّ بلادهم وعسف بأهلهم واستبدّ، وأراد إزالة الهوية الوطنية وإلحاق لبنان وخاصة القسم الجنوبي منه بـ»دولة إسرائيل» التي انشأها على أرض فلسطين والتي اغتصبها من أهلها وشرّدهم لاجئين في البلاد العربية والعالم…

تنادوا وتعاهدوا وصدقوا الله في عهدهم وحاربوا «إسرائيل» والصهيونية مع العديد من المواطنين الذين خاضوا الحرب ضدّ هذا العدو وأعلنوا أنهم نذروا وجودهم من أجل أمنهم ولن يتهاونوا مع عدو مهما كان لونه وفكره وتوجّهه سقط منهم شهداء وارتفعت الرايات وتحقق النصر…

هذه خلاصة السجل العدلي الدولي للجماعة… «إرهابيون أحبّوا وطنهم وقاتلوا حتى حرّروه…»

في المفهوم الأميركي تحديداً والغربي عموماً في هذا الزمن هو انّ في سورية الطبيعية في لبنان والشام وفلسطين والعراق والأردن… يجب إحناء الرأس ورفع الراية البيضاء والخضوع للإملاءات.. كما يفعل بعض الممالك والإمارات والمشيخات في هذه المنطقة، تصادم هذا التوجه مع حقيقة هذه الأمة بكلّ تكويناتها وشرائحها التي تؤمن بالحرية وتؤمن أنه من العار ان لا نكون أمة حرة فإذا لم نكن أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار علينا…

المستعمرون المتغطرسون قسّموا بلادنا وفتتوها وأقاموا فيها أنظمة رجعية نفعية، وهبوا وقسّموا واحتلوا واستثمروا… منحوا فلسطين لليهود الصهاينة وأقاموا لهم دولة حدّدوا حدودها كما يلي:

«اما شمالاً فيبتدئ الخط من نقطة البحر الأبيض المتوسط على مقربة من جنوبي صيدا ثم يسير على سفوح التلال او الجبال اللبنانية حتى جسر القرعون ثم باتجاه البيرة فاصلاً بين حوضي وادي القرن ووادي التيم ومن هناك جنوباً فاصلاً بين السفوح الشرقية والغربية لجبل حرمون الشيخ حتى غرب بيت جن ثم شرقاً محاذياً القسم الشمالي من نهر المغنية حتى يصل الى الخط الحجازي ويكاد يتصل به من الجهة الغربية.

واما شرقاً فيسير على مقربة من الخظ الحجازي حتى ينتهي في العقبة. وأما جنوباً على خط الحدود مع الحكومة المصرية، واما غرباً فالبحر المتوسط».

ولا تقتصر الحدود الى هذه الأبعاد، بل يجاوزها التلمود الى اوسع منها «سوف تمتدّ حدود أرض إسرائيل، وتصعد الى جميع الجهات ومن المقدّر لأبواب القدس ان تصل إلى دمشق» التلمود والصهيونية 246 سفـر دياريم .

ورغم كلّ هذه الأهداف المعلنة الواضحة لدى العدو نجد من يندّد بسلاح المقاومة ويطالب بنزعه وبتعرية لبنان أمام عدو طامع.

وفي خطاب لأنطون سعاده في أول آذار 1938 قال: «ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد أيّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ أساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية والمغرّرة للشعب. ولا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.

انّ الخطر اليهودي لا ينحصر في فلسطين، بل يتناول لبنان والشام والعراق ايضاًَ، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، فلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود. الذين أثاروا عليهم الأمم النازلين في أوطانها وهم منذ اليوم يقولون: «الحمد الله»، اننا اصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في ارض إسرائيل، يعني التزحلق على الثلج في لبنان، فليدرك اللبنانيون ما هي الأخطار التي تهدّد الشعب اللبناني».

وكرّر التحذير في عام 1947 إذ قال: «لعلكم ستسمعون من سيقول لكم انّ إنقاذ فلسطين أمر لا دخل للبنان فيه. انّ إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم… انّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها. كلمتي اليكم هي العودة الى ساحة الجهاد».

تآمروا على سعاده وحزبه فقتلوه وقتلوا الكثير من المؤمنين من رفقائه القوميين الذين آمنوا بأنّ الدماء التي تجري في عروقهم هي وديعة الأمة فيهم متى طلبتها وجدتها.

استشهد سعاده في سبيل قضيته ووطنه واستشهد الكثيرون كذلك…

وتحقيقاً للمخطط والمشروع الإسرائيلي هاجمت جيوش الصهاينة لبنان والشام وتمركزت في الجنوب وأسّست مليشيات عميلة وحلمت بأنها حققت ما رسمت..

وأعلن الحاخامون يعقوب اربيئيل ودوف ليثور ويسرائيل اربئيل. اضافة الى متطرفين آخرين انّ الجنوب اللبناني انما هو من أراضي أسباط زيولون واشير ونفتالي الاسرائيلية»، وذهب يسرائيل اريتيل الى أبعد من ذلك مؤكداً «انّ حدود أرض إسرائيل تشمل لبنان حتى طرابلس في الشمال وسيناء وسورية وجزءاً من العراق وحتى جزءاً من الكويت». ودعا في الشهر نفسه الى «ضمّ واستيطان معظم أرض لبنان وعاصمته بيروت إلى اسرائيل مها يكن الثمن».

«بيروت هي جزء من أرض اسرائيل لا إشكال حول هذا، وبما انّ لبنان جزء من أرض إسرائيل يجب التصريح بأن لا نية بالمغادرة يجب ان يعلن انّ لبنان هو لحم من لحمنا. مثل ما هي تل أبيب، وحيفا. واننا نفعل هذا باسم حق السلطة الخلقية الممنوحة لنا في التوراة. وكان على قادتنا دخول لبنان وبيروت مهما يكن الثمن من دون اعتبار لإصاباتنا لأننا نتكلم عن انتزاع ارض إسرائيل يجب تحويل مياه الليطاني فوراً الى نهر الأردن».

كما صرّح أربعون حاخاماً أميركياً جيء بهم الى التلال المحيطة ببيروت لرؤية العاصمة اللبنانية التي كان الجيش الاسرائيلي يحاصرها ويقصفها. انّ عملية سلامة الجليل كانت من وجهة النظر اليهودية حرباً محقة وحرباً مأمور بها او حرباً الزامية، وأوحى الحاخام ج. دافيد بليتش وهو عالم يهودي اميركي بارز بأنّ مقطعاً شعرياً من نشيد الأناشيد التوراتي يؤيد الاستيلاء على الجنوب اللبناني وفسّر هذا بأنه خطوة أخرى نحو الاسترداد الكامل.

تذكروا هذا جيداً يا مؤيدي اسرائيل ويا من تطالبون بنزع سلاح المقاومة…

بسقوط لبنان وإقامة حكومة وكيلة يسهل إسقاط سورية ويتمّ عندئذ «أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل» حيث تبدأ سيطرة المالك الجديد عبر حكومات وكيلة أشدّ طاعة من وكلاء اليوم، ويكون سيدهم أكثر سلطة ونفوذاً وبطشاً، وسيبدأ العهد الجديد أو «الشرق الاوسط الجديد» في ظلّ سلطة «إسرائيلية» من الفرات الى النيل…

هذه هي الصورة التي ارتسمت في سماء وأرض بلادنا، وهذا هو المشروع الذي أرادوا تنفيذه وتطبيقه..

كلّ الحسابات ضبطت بدقة حتى أنّ أدوار كلّ حكومة وكيلة من حكومات العمالة العربية أنيط بها دور، ولكن ما لم يضبط هو أنّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر وكانت المقاومة اللبنانية هي الرقم الصعب الذي لم يتماش في عملية الطرح والضرب والقسمة، ولكنه كان الرقم الأساس في عملية الجمع فأجهض كلّ المخططات والمخاضات.

وبدأت مرحلة جديدة من تاريخنا، تاريخ أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مقراً لها ونهاية لوجودها.. آمنوا انّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ.. فتحرّكوا وفعلوا.. تحرك المؤمنون وجابهوا الاحتلال الإسرائيلي بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة وسقط الشهداء.

هذه الحالة الإيمانية جابهت العدوان ودحرته ودمّرته وطردته من أرضنا على امتداد حدودنا القومية لا الاستعمارية، حتى انّ اسحق شامير قال: «لم يخطر ببالي أن احيا اليوم الذي ترغم به إسرائيل وجيشها الذي وصفه أعداؤنا بالجيش الذي لا يقهر. فيجبر على الفرار لأنّ بضع مئات من مقاتلي حزب الله يرغمون جيش إسرائيل على الانسحاب…»

هذه هي قصة المقاومة وإرهابها، مقاومة ينطبق عليها ما قاله الزعيم سعاده: «اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة اذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.

يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. واذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».

لقد أُزيلت من تاريخنا الجماهيري كلّ الرموز التي تذكرنا بما لحق هذه الأمّة فلم نعد نذكر كيليكيا وأنطاكيا والاسكندرون ولم نعد نذكر وعد بلفور ولا سايكس بيكو ولا فلسطين إلا إذا كانت للذكرى سبب، مُحيت الأيام والتواريخ التي تجعل أجيالنا تذكر ما لحق بأمتنا من قهرٍ وإذلال وأُفسح المجال للخونة والعملاء فأخذو ينادون بالوطنية والعروبة والتحرير وهم نيامٌ على وسائد الخيانة المصنوعة من حرير الذلّ ويقرأوا علينا دروساً في الوطنية. «يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم».

وبعد إعلان وقف القتال بين اليهود وبين سكان المنطقة قامت عصابة ارغون بقيادة مناحيم بيغن الذي صار في ما بعد رئيسا لوزراء إسرائيل وصافحه السادات بعد زيارته الشهيرة الى إسرائيل… قاموا بذبح 254 شخصاً في دير ياسين معظمهم نساء وأطفال وشيوخ وبقروا بطون النساء الحوامل بعد الاغتصاب وقطعوا الأيدي وسلبوا الأموال، وأشار الصليب الاحمر في تقرير وضعه الطبيب جاك دي رينير الممثل الرئيسي للجنة الصليب الاحمر الدولية في القدس وصف فيه المذبحة قال: «وصل جاك دي رينير» الى القرية في اليوم الثاني وشاهد عملية التطهير حسب تعبير أحد الارهابيين اليهود، التي تمّت بالبنادق الرشاشة وبعد ذلك بالقنابل اليدوية، وانجزت بالسكاكين. لقد قطعوا رؤوس بعض الضحايا وشوّهوا 52 طفلاً أمام أعين أمهاتهم، وبقر الإرهابيون اليهود بطون 25 امرأة حاملاً وشقوا أرحامهم وذبحوا الأطفال أمام أعين امهاتهم. هؤلاء لم تصفهم أميركا والأمم المتحدة بالإرهاب.

كما ذكر ضابط في الهاغانا وهو الكولونيل مائير باحيل بعد انسحابه من الجيش عام 1972 عن مذبحة دير ياسين في حديث له نشرته جريدة «يديعوت احرونوت الاسرائيلية»:

«خرج رجال عصابة الارغون، ليهي LEHI من مخابئهم وشرعوا بتنظيف البيوت وقتلوا كلّ من رأوه من الرجال والنساء والأطفال، ولم يحاول القادة اإيقاف المذبحة، كان السكان يؤخذون الى مقلع الحجارة الواقع بين دير ياسين وجينعات شاؤل ويقتلونهم هناك بدم بارد». هؤلاء أيضاً ليسوا إرهابيين في نظر الأميركيين.

ويتباهى مناحيم بيغن بأهمية هذه المذبحة في كتابه الثورة حكاية الارغون وكتب يقول: «ما كانت اسرائيل لتقوم لولا الانتصار في دير ياسين». هذا المحرض على القتل الجماعي، اصبح في ما بعد رئيسا لوزراء إسرائيل ومنح جائزة نوبل للسلام.

هذا هو العالم الذي تسيطر عليه «إسرائيل» عبر إعلام قوي منظم يحوّل مجرماً سفاحاً يتلقى جائزة شرف عالمية بدلا من محاكمته كمجرم حرب وعدو للإنسانية.

انّ الدفاع عن الوطن حق مشروع دينياً ودنيوياً فإذا نظرنا لجرائم «إسرائيل» التي ملأت صفحات الكتب لبطل وصف ايّ مجرم او مرتكب بالإرهاب سواها..

فهل نقبل ان يكون للبطولة المؤيدة بصفحة العقيدة المدافعة عن الدين والدنيا ان تعاقب بتهمة الإرهاب وهي جماعة ما سجل في تاريخها مثل ما سجل بتواريخ العدو الحقيقي للعالم وليس لأمتنا فقط؟

والغريب العجيب انه ما من دولة في العالم او منظمات دولية إنسانية او سياسية أدانت اليهود وإسرائيل بالإرهاب! فيما الإرهاب صفة ملاصقة مرادفة للعرب ووصمة يصمون بها كلّ عمل دفاعي يقوم به العرب عن أوطانهم وممتلكاتهم… حتى المقاومة اللبنانية نُعتت بالإرهاب. وتحضّر العقوبات بحق لبنان عقاباً لوجود مقاومة حرة فيه ويُهدّد اقتصاده.

هذه عدالة الأمم وهذه هي مواقف الذلّ التي يقفها العرب.. وحق عليهم القول: «وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله…»

وسيبقى لبنان والمقاومة السيف والترس وراية الحرية الخفاقة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى