الله ـ الدين ـ الإسلام ـ الإنسان ـ الدولة 1
الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون
مفتي الجمهورية العربية السورية
الله
الله هو الطاقة المؤثّرة في كلّ شيء، في أصل كلّ شيء، والتي جاءت الشرائع السماوية لتشير إليها، والإنسان في أصل وجوده يبحث عن هذه الطاقة، والرسائل السماوية أعطت لهذه الطاقة اسم الإله الخلاّق، وأضفت عليه ما تحبّه من الصفات، هذه الطاقة التي لا تتأثر بالآخرين إنّما تؤثّر فيهم.
هذه الطاقة التي تؤثّر فينا جاءت الرسالات السماوية لتعطيها هذه الصفات، من ابراهيم عليه السلام، ومن قبله نوح وأدم ومن بعدهم موسى وعيسى عليهم السلام، كلّ أعطانا صفات لهذه الطاقة الفاعلة في الكون.
هناك شعوب وأمم لا تنظر الى هذه الطاقة من منظور الرسالات السماوية، إنما من منظور العقل الأول، فتعطيها صفات أخرى كالأخوة البوذيين والهندوس، أوجدوا أصناماً يعبدونها لا لذاتها إنما لتقرّبهم من تلك الطاقة، كما قال كفار قريش «إننا نعبدهم ليقربونا من الله زلفى»، فالمحور في كلّ هذه الطاقات هو الله.
نحن نسمّيه الله والآخرون يسمّونه بأسماء أخرى، أسميناه الله لأنّ لدينا كتاباً مقدّساً من السماء هو القرآن الكريم، أعطانا صفات الله، كما قال النصارى عن الإنجيل إنه كلام الله، واليهود بأنّ التوراة كتاب الله، وكتاب الله بيد داود هو المزامير. كلّها كلام الله، وإذا نظرنا إلى الكتب الأربعة نجد أنها تصف الله بصفات واحدة، أنه موجد الوجود وموجد الموجود، مؤثّر ولا يتأثّر، جاءت بعدها كلّ التفسيرات الطائفية والمذهبية في كلّ أمة من الأمم، لتضفي من عاداتها وتقاليدها على هذا الإله صوراً أخرى، فمنهم من يراه في الشمس ومنهم من يراه في القمر، ومنهم من يراه في الكواكب والمحور في هذا الإله أنه خلق الإنسان وأوجده.
لكنّ السؤال هل أوجد الله الإنسان ليفنيه ويشقيه أم ليسعده؟
هنا الرسالات السماوية تعطينا مساحات في التفكير.
نجد أنّ كلمة الله في العربية وغيرها من الأسماء باللغات الأخرى، تحمل الكثير من الصفات، وقد أعطي عند المسلمين 99 صفة، من أحصاها دخل الجنة، وعند غيرهم لا توجد هذه الصفات، وصفات الله غير معدودة، الذي عدّه المسلمون هو 99 اسما، والله هو الأزليّ الأبديّ، الذي لا يستطيع المصنوع مهما تألق، وهو الإنسان، أن يعطي الصانع حقه في صفاته، فالمصنوع له بداية ونهاية.
عندما سئل أحد العارفين أين هو الله؟ قال: «كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، أي كلّ ما في الوجود نهايته الفناء إلاّ موجد الوجود الله».
قال الشيخ الأكبر رحمه الله: «عقد الخلائق في الله عقائداً وأنا شهدت بكلّ اعتقدوه» ولم يقل أنا اعتقدت، فمعنى شهدت أيّ رأيت بكلّ ما اعتقدوه صور تدلّ على الله، وعندما رأى عباد الشمس قال: إلهي ما جبوا بنورها عن نورك، فرأوا نورها منها ورأيت نورها منك، فعبدوها على أنّ نورها يضيء من ذاتها، فنظرت اليها كنعمة منك فشكرتك على الشمس على أنها نعمة منك، وما عبدتها بل عبدتك».
لكلّ شخص نظرة نحو الله، وهذه النظرة هي صورة التصوّر الذي أراد الله عزّ وجلّ أن يرى فيه، لذلك قال: وأنا شهدت بكلّ ما اعتقدوه، وهو مسلم يعتقد بكلّ ما جاء بالقرآن.
مهمّة المؤمنين من العارفين أن يوحّدوا الناس على قداسة هذا الله، فالآخرون يسمّونه الطبيعة الخلاقة، ونقول أنتم تسمّونها الطبيعة ونحن نسمّيها الإله، والطبيعة الخلاقة والشيء الجامد في ذاته لا يستطيع أن يعبد في ذاته، ولذلك إنْ كان يوم القيامة موجوداً، وهو من صنع الله، فقد كسبنا كلّ شيء، وإنْ لم يكن فلم نخسر شيئاً، ولكن إنْ كان هناك الله فمن لا يؤمنون بوجوده، خسروا كلّ شيء في الدنيا والآخرة.
ما من إنسان إلاّ ويجب أن يبحث عن هذا الإله ليحبّه، ويكفي أن ينظر في المرآة ليرى إبداع صنع الله فيه.
قال الإمام أبو حنيفة لأولئك الذين قالوا له لماذا تأخرت في المجيء إلينا؟ «لم تصدقوا أنني جئت بزورق من غير صانع، هل تريدون أن أصدّق أنكم صنعتم وأنا منكم من دون صانع، أفلا نرى كلّ منا مبدع من المبدعات التي أبدعها الله»، لذلك آمن الدهريّون بكلام أبي حنيفة.
علينا أن ندلّ على الإله بالحبّ والمعرفة لا القهر والإذلال. قال الله لداود حين سمعه يخوّف الناس من الله: «يا داود حبّبْني إلى عبادي وعرّفهم عليّ فإني ربّ أحِبّ أن أحَبّ».
رسالتي لكل رجال الدين أعطوا صفات محبوبة عن الله، حتى يُعبد حباً وعشقاً، كما قالت تلك العاشقة «ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك ولكنّك إله تستحقّ العبودية».