– عون: القانون أول الثقة – بري: تفاهمنا – الحريري: 15 دائرة – جنبلاط : ليلة مباركة
كتب المحرّر السياسي
في مشهد إقليمي مجاور للبنان يعكس سقوط الخطوط الأميركية الحمراء، يتقدّم مشروع قيامة الدولة السورية باتجاه الجنوب والشمال والشرق، بعدما حسم غرب سورية وهو خاصرته اللبنانية، توافق القادة اللبنانيون على مائدة إفطار رئيس الجمهورية بمقاربة مسؤولة لما تبقى من تفاصيل قانون انتخاب جديد يجنبهم مخاطر كارثة سقوط الهيبة والثقة بالعودة لقانون الستين، أو كارثة المجهول بالوقوع في الفراغ، أو كارثة المهانة بتمديد ثالث.
إقليمياً، ترجمت موسكو رؤيتها لدعم قيامة الدولة السورية وحماية وحدتها بعدم انتظار نضج أميركي للجلوس إلى مائدة التسويات، يبدو أنه لن يتمّ قبل سقوط الأوهام بمقايضة انسحاب داعش من الرقة إلى البادية السورية مع قيام دويلة غير معلنة بعنوان كردي وسيطرة أميركية، ومن جهة مقابلة اختبار القدرة على منع تواصل الحشد الشعبي مع الجيش السوري عبر الحدود السورية العراقية بواسطة الميليشيات التي درّبها الأميركيون في الأردن ويراهنون على إمساكها بالحدود بين سورية والعراق، انطلاقاً من معبر التنف والتوغل في البادية السورية لمنع الجيش السوري من بلوغ معبر البوكمال.
دارت المعارك على المحاور الثلاثة وكانت روسيا حاضرة بقوتها كلها، فتلقى مشروع مقايضة داعش بالانسحاب من الرقة بضمان انسحاب آمن إلى البادية، بقصف يومي روسي يدمّر عشرات الآليات للمنسحبين من الرقة ويقتل منهم العشرات قادة وعناصر. ومساء أمس كان موعداً لمذبحة الدواعش الفارين من الرقة نحو تدمر. وعلى صعيد ثانٍ توسّع الجيش السوري في البادية بشقيها الجنوبي والشرقي، وأصيبت الجماعات المسلحة المدعومة من واشنطن بنكسات كبرى ترتّب عليها قرب التنف تبدُّد مئات المسلحين في الصحراء تحت نيران القصف الجوي الروسي، وتقدّم الجيش السوري. وفي درعا كانت نداءات الاستغاثة منعاً لسيطرة الجيش على درعا البلد تسمع في أجهزة اللاسلكي، كما قالت مصادر عسكرية متابعة. أما المستوى الثالث فكان مواصلة الحشد الشعبي تقدّمه نحو نقاط حدودية جديدة مع سورية على حساب داعش، غرب قضاء البعاج المحاذي لمحافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين، حيث تنتشر قوات سورية الديمقراطية. وقالت قيادة الحشد إنها ستستمرّ في التقدم جنوباً حتى بلوغ معبر القائم، حيث تنتظرها معركة كبرى مع داعش، ويكون الجيش السوري قد اقترب من بلوغ المعبر السوري المقابل في البوكمال، حيث يسيطر تنظيم داعش أيضاً، ويكون تلاقي الحشد والجيش السوري قد صار متاحاً. وقد وصفت مصادر عسكرية متابعة ما يجري بأنه معركة الفصل للشهرين المقبلين، وسيقرّر مصير الخطة الأميركية ومصير الدويلة التي وعد بها الأميركيون قيادات كردية في سورية.
لبنانياً، كان الإفطار الرئاسي فرصة مصارحة وصفها النائب وليد جنبلاط بالليلة المباركة. وقال رئيس الحكومة سعد الحريري إن الاتفاق قد تم على إنجاح التوصل للتوافق على القانون الجديد القائم على الدوائر الخمس عشرة ونظام النسبية، بينما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لقد تفاهمنا وسيتمّ تشكيل لجنة وزارية لمواصلة التفاهم على التفاصيل، وكان رئيس الجمهورية قد ألقى في الإفطار الذي أقامه في بعبدا كلمة قال فيها إن استعادة الثقة تبدأ من قانون الانتخاب.
مصادر مطلعة قالت إن العودة إلى الوراء صارت أشدّ تعقيداً بعد ما جرى في بعبدا، وأن الجميع متفقون على مقاربة قضايا الخلاف المتبقية بعين المقارنة مع البدائل الكارثية للفشل، والتساؤل عمّا إذا كان العناد على المقاربات الخاصة بكل فريق يستحق التفريط بما تمّ بلوغه من تقدّم من جهة، والذهاب إلى الأسوأ من جهة مقابلة؟
عون وقّع مرسوم العقد وأنقذ العهد والبلد
وفي اليوم الأول بعد نهاية العقد العادي للمجلس النيابي، وبينما كانت البلاد تقف على شفير الفراغ في المؤسسة الدستورية الثانية والغموض يلفّ التوافق على قانون انتخاب جديد وقبيل تحرّك مواكب الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، باتجاه بعبدا لحضور حفل الإفطار الرمضاني، أنقذ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عهده الرئاسي والبلد من الدخول في نفق مظلم يؤدي الى فوضى سياسية عارمة تطال المؤسسات كافة قد تجرّ معها أحداثاً أمنية، وحسم الجدال القانوني والدستوري الذي أثير حول جلسة 5 حزيران ووقع مرسوم فتح عقد استثنائي من 7 حزيران الى 20 ضمناً وحدّد جدول الأعمال حصراً بإقرار قانون جديد لانتخاب أعضاء النواب.
وحمل المرسوم الرقم 786 تاريخ 1 حزيران 2017 القاضي بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي، وذلك بعدما وقّعه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.
واعتبر الرئيس عون أن الهدف «الأساسي لهذا العهد هو بناء دولة قوية، واستعادة الثقة، كما يقول شعار الحكومة الحالية»، قائلاً: «إنجاز قانون للانتخاب في الأيام المقبلة سيكون بداية استعادة الثقة».
واعتبر عون في كلمة ألقاها خلال الإفطار الذي أقامه في قصر بعبدا، أن «الدولة القوية التي نتطلّع اليها هي الدولة الصادقة التي إن وعدت وفت». ولفت الى أنه «من غير المقبول أن نسمع عند كل استحقاق سياسي أصواتاً تهدّد بالعودة الى الحرب».
وكان قصر بعبدا شهد على هامش حفل الإفطار خلوات عدة، أبرزها جمعت رئيسي الجمهورية والرئيسين بري والحريري وأخرى بين عون ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وثالثة بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، والاجتماع الرابع بين النائب جورج عدوان ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل والنائبين إبراهيم كنعان وألان عون.
واعتبر الرئيس بري لدى مغادرته قصر بعبدا، أن «الأمور كلها إيجابية». ولفت الرئيس الحريري الى أنه تمّ الاتفاق على «قانون على أساس النسبية و15 دائرة والأجواء إيجابية ويبقى بعض التفاصيل ننتهي منها خلال اليومين المقبلين».
وأوضح جنبلاط بعد لقائه عون أن «الأجواء إيجابية ونحن مقبلون على قانون انتخاب جديد لا للتمديد ولا عودة لقانون الستين، اذاً الاجواء جيدة، وهذه سهرة مباركة والحمد لله».
من جهته قال جعجع لدى مغادرته أن «الأجواء إيجابية، ويعمل على بعض التفاصيل المتبقية والاستعدادات جيدة. أتوقّع أن نصل في الأيام المقبلة إلى قانون انتخاب جديد».
وسبق لقاء بعبدا الجامع، اجتماع بين نادر الحريري والوزير باسيل في وزارة الخارجية وبحثا في آخر التطورات في قانون الانتخاب.
وبينما توقعت مصادر لـ«البناء» أن يُبصر قانون الـ 15 دائرة النور في وقت قريب جداً، أشارت قناة «أو تي في» الى أن «العقد الأساسية تمّ تذليلها ولكن يبقى البحث في 3 عناوين هي الضوابط والإصلاحات والضمانات المتعلقة بالنسبية»، وأكّد كنعان للصحافيين لدى وصوله إلى بعبدا أنّ إقرار قانون انتخابي بات قريباً وأننا أصبحنا قاب قوسين من إنجازه».
غير أن مصادر أخرى أكدت لـ«البناء» أنه «رغم أن لقاء الرؤساء كان بروتوكولياً، لكنه حمل الكثير من الايجابية السياسية وأزال الضباب الذي خيم على علاقة بعبدا وعين التينة لا سيما فتح العقد الاستثنائي كجزءٍ من تسوية قانون الانتخاب الذي وصل اليها الأطراف بعد أن رفعوا السقوف ووضعوا الشروط والشروط المضادة طيلة الفترة الماضية». ولفتت الى أن «المجلس النيابي ممثل بالرؤساء والقوى السياسية الأساسية. الأمر الذي يُسرّع إحالته القانون الى المجلس ودراسته في اللجان النيابية تمهيداً لإقراره في الهيئة العامة».
وقالت أوساط نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» إن «خطوة الرئيس عون بفتح العقد الاستثنائي بادرة إيجابية تجاه عين التينة التي تنظر اليها بارتياح شديد، وسحبت التشنّج الذي كان قائماً والسجالات من التداول بين الرئيسين والتطلّع اليوم بعد لقاء بعبدا الى الإسراع في إنجاز تفاصيل القانون الجديد وإحالته إلى المجلس النيابي لدرسه في اللجان والتصويت عليه في الهيئة العامة»، مشيرة الى أن النقاط الخلافية بدأت تتقلص، مرجحة أن «يُنجز المجلس الإجراءات القانونية للقانون الجديد قبل 19 حزيران المقبل»، وأوضحت أن «مدة التمديد التقني للمجلس الحالي ستكون ضمن القانون الجديد ومرتبطة باستعداد وزارة الداخلية لقيادة العملية الانتخابية على كافة الأراضي اللبنانية في يوم واحد».
ورجّحت مصادر مستقبلية لـ«البناء» أن «يُصار الى إعلان الاتفاق على العناوين الرئيسية في القانون وبعض الجوانب القانونية وترك التفاصيل التقنية الى اللجان النيابية». ولفتت الى أن «الرئيس الحريري منذ بداية التفاوض حول قانون الانتخاب أعلن أنه مع أي قانون يتوافق عليه الأطراف، رغم رفضه النسبية الذي عاد ووافق عليها تسهيلاً للخروج من الأزمة»، وأوضحت أن «المستقبل وافق على هذا القانون الذي يرى فيه أنه يؤمّن أكبر عدد من المقاعد النيابية على الأراضي اللبنانية كافة ويحسم معارك انتخابية في مناطق عدة يخشى من الخسارة فيها على القانون الأكثري كطرابلس والبقاع الغربي». وعدّدت المصادر النقاط الخلافية التي يدور النقاش حولها: «أولاً العتبة الوطنية التي نتمسك بها كي لا يحصل في لبنان كما حصل في أكثر من دولة، حيث إن عدم تحديد نسبة موحّدة لاحتساب الاصوات تأتي بنواب متفرقين الى المجلس قد يشكلون تكتلاً يمكن أن يعرقل تشكيل حكومة أو اتخاذ قرارات معينة في البرلمان».
ثانياً: «احتساب الصوت التفضيلي الذي سيتفاوت بين الدوائر التي تمثل القضاء أو الدوائر التي تجمع أقضية عدة، فكيف سيتم احتساب رقم موحد بين الدوائر المتفاوتة في عدد الأقضية وكيف سيُحتسب الصوت التفضيلي في طرابلس مثلاً، حيث يمكن أن يأخذ نائب في طرابلس الأصوات التفضيلية وتخسر اللائحة التي ينتمي اليها، أي لم تصل الى نسبة الاصوات المطلوبة للفوز».
وتابعت المصادر: «شرح التفاصيل القانون الجديد للمواطن لا يقل أهمية عن الأمور الاخرى في وقت الكثير من النواب والوزراء غير مطلعين بعد على تفاصيل القانون»، فضلاً عن الإشكالية التي ستبرز في التحالفات الانتخابية حيث ستخلق مشاكل بين الأحزاب لا سيما بين القوات والتيار الحر، حيث ستشكل لوائح حزبية متنافسة للحصول على أعلى نسب من الأصوات كي تفوز بجميع أعضائها كما ستتنافس على الصوت التفضيلي الذي يحاول كل طرف أن يكون من لائحته».
ورجّحت المصادر أن «يصار الى التمديد للمجلس النيابي لمدة ستة أشهر لإتاحة المجال لوزارة الداخلية لتعدّ للعملية الانتخابية أو أن تؤجل الى الربيع المقبل لتجنب إجراء الانتخابات في فصل الشتاء».
وكانت كتلة «الوفاء للمقاومة» قد توجّهت الى رئيس الجمهورية برسالة حثّ على فتح العقد الاستثنائي، وأشار رئيس الكتلة النائب محمد رعد عقب اجتماعها الدوري الى أن «إصدار مرسوم فتح العقد الاستثنائي للمجلس هو رسالة تطمين للبنانيين وتعبير عن إصرار العهد على العبور من خلال هذا الممر لحفظ مصلحة البلد». ولفتت الى أن «انجاز قانون انتخاب جديد يشكّل الممر الإنقاذي للبلاد الذي يحول دون الوقوع في الفراغ المخرِّب أو العودة الى العمل بالقانون النافذ الذي لن يكون الاّ عنواناً عريضاً للفشل الذريع».
حمادة على خط الوساطة
ولم تبرد سخونة السجالات وتبادل الاتهامات بالفساد على خط كليمنصو – بيت الوسط، حيث أوردت مصادر إعلامية أن «الوزير مروان حمادة سيتحرك خلال الساعات المقبلة على خط المقرّين للحؤول دون تفاقم الخلاف بين الحريري وجنبلاط».
وقالت مصادر مطلعة في المستقبل لـ«البناء» إن «الحريري دائماً كان يمتص غضب المستقبل على جنبلاط ويمنع نواب وأعضاء التيار من الردّ على تصريحاته وتغريداته التويترية التي تستهدف الحريري والمستقبل، كي لا يُستدرج الى رد فعل ويمتد الاحتقان الى جمهور الفريقين، لكن بعد أن تمادى جنبلاط في مستوى كلامه وأطلق اتهامات للحريري بالفساد، قرّر الحريري الرد بنفسه وأن يعلن المواجهة حتى النهاية». وكشفت المصادر أن «واجهة الغضب والحرد الجنبلاطي على الحريري قضية ما يسمّيه الفساد في الكهرباء، لكن خفاياه ما يعتبره جنبلاط تهميشه من قبل الحريري بمسألة قانون الانتخاب والمطالبة بحصته في الصفقات»، مذكرة باعترافه بأنه «يملك دفترين الأول فاسد والثاني غير فاسد».