حنين الوطن ممزوجاً بضياع الهوية في «أوراق محرّمة»
رنا صادق
«كتسبيح الحيارى من خلف الجدار يطلّ
تسكنه بقايا امرأة
في السراب تبحث عن جنون يخلع صمتها المزيف
تركت حقيبة الذكريات، مزّقت ثوبها المرقّط عشقاً
ابتلعت السكاكين ودفنت أوجاعها عند باب الزمن
تقاسمت العمر والضجر
وهبت قلبها للريح ومضت
زرعت وردةً عند باب الزمن
حين تزهر ستضيء بالحبّ وجوهاً تصنّعت يوماً وجه القمر
وحتماً ستقف عند باب الزمن وتشفق على قلوب ما عرفت الحبّ إلا فتن».
سرّها في الكلام كبير، ممتلئة بالأمل والشغف، اجتمعت بها خصال التميز والفرادة، في الكتابة في زمن أضحت الكتابة تئنّ بأوجاعها على هامش الأيام. وللعاطفة، للألم، للحنين، للأمومة، للرحيل، وللذات ملقى في نفس الكاتبة رولا فارس.
هي كاتبة، شاعرة، دكتورة، ومحامية، مُزجت في صفات النجاح على دروب أوراقها وفي شعرها. تصف أفكارها بالمزيج من النسج العاطفي الخيالي ومحاكاة الواقع وتمرّد الأنا عند المرأة.
فارس في كتابها «أوراق محرّمة» تعمّدت السير عبر أربعة خطوط سردية، وهي الغربة بأوجاعها والاغترب وضياع الهوية، معرفة الذات والغوص في دهاليزها ودروبها الشائكة.
هذا الكمّ من الشغف وحبّ الوطن برز في كتب فارس بشدّة، وجعل منها كاتبة لبنانية أصيلة ووفية لبلدها، يخالجها الشعور حسرةً عليه تارةً وحنيناً إليه تارة أخرى. مزيج من العاطفة والمشاعر يسطو على قلمها، فلا يسعك عند قراءة أسطرها إلا أن تتخيل وتعيش حالتها لقربها منك.
رولا فارس مولودةٌ عام 1978 في بيروت، تحمل الجنسيتين اللبنانية والباراغوانية. حائزة على شهادتين الأولى في الحقوق وأخرى في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. إضافة إلى شهاداتٍ في مهارات عِلم القيادة والذكاء العاطفي، بعد دوراتٍ تدريبية أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت.
الكتابة باختصار بالنسبة إلى رولا فارس هي المدفأة التي تُدخل الدفء إلى قلبها عند الشعور بالبرد، تستوطنها الكلمات حين تكتب وتتسرّب في خلايا الروح، تعبر بها عبر الممكن والمستحيل من دون قيود. تكتب المشاعر والأحاسيس والتجارب الانسانية بألفاظٍ ومعانٍ تسمح للقارئ بالتفاعل، لذلك تندرج كتاباتها تحت لواء الكتابة الفنّية أو الإبداعية.
أفكارٌ مندثرة هنا وهناك، مزيج الكتابة لديها نسجٌ عاطفيٌ خيالي ومحاكاة الواقع معاً إلى جانب تمرّد الأنا عند المرأة، ففي «أوراق محرّمة» احتلت الهوية والذات والمجتمع بشدّة على صفحاته، تمازجت وشكّلت بنية كتابة إبداعية من رحم الواقع من منظورها الخاص، فالكتابة بالنسبة إليها لا تعترف بجغرافيا الحروف، تأتي من حيث تشاء ومتى تشاء، وأفكارها مستوحاة من الألم والقهر والظلم، وترفض الجهل المستشري في مجتمعاتنا.
لبنان منذ فجر التاريخ يعتبر مركزاً ثقافياً مهماً على رغم كلّ الظروف التي ألمّت به، إلا أنّ نشاطه الثقافي ظلّ منارة يحتذى بها في المحيط العربي. من المؤسسات الثقافية الرسمية إلى المراكز الثقافية التابعة للسفارات الأجنبية إلى الفنون الجميلة والتشكيلية، المسرح الموسيقى المتاحف وغيرها، لكنه يحتاج إلى وضع سياسات ثقافية، وهذا من واجب الوزارة المعنية بهذا الشأن، رغم أنها تقوم ببعض المحاولات الخجولة، إذ يعود ذلك دعم الصناعة الثقافية والمثقفين والفنانين ورعاية البحوث والإدارات المعنية بالشأن الثقافي يحتاج إلى ميزانية ضخمة تليق بالإبداع اللبناني على حدّ قول رولا فارس في حديثها إلى «البناء». إضافة إلى الحاجة الماسّة للاستقرار الأمني ـ السياسي.
ترسم رولا حدود التحليق بأفكارها، وتطيح عاطفتها من كلّ جنبٍ وميل، تغلبها المواقف معظم الأحيان، فتحاول لجم مشاعرها وتعطي مساحة أكبر للعقل والمنطق، فهي تقف أمام مسؤولية إزاء نفسها أولاً وإزاء الآخرين ثانياً، رغم تمرّدها تعمل على إخماد لهيب العواطف لأنّ في داخلها أنثى ثورية على حدّ قولها. ففي مجال الكتابة الأدبية لا بدّ من مراعاة الشروط الجمالية للنصّ، وهذا ما تضيفه العاطفة.
تجربة فارس الأولى اعتمدت فيها الواقعية إلى حدٍّ بعيد، مع إضافة بعض من الرموز التي ترمي إلى الأمل والتحدّي والصراع النفسي.
تتقاسم الآراء لدينا حول دور المرأة في المجتمعات العربية، إذ تراهها فارس بعين فريدة تتلخّص بلا مبالاة، وبحسب قولها تعتبر أنها تتقاسم الصباحات مع التهميش والجهل، تدّخر الألم في القلب، وتتقوقع داخل رحم التقاليد والعادات البالية. لذلك يعاني المجتمع من شلل نصفيّ، والثروة الحقيقية اليوم في أيّ مجتمع لتحقيق التقدّم والتنمية، هي الثروة البشرية المتمثلة بالرجل والمرأة على حدّ سواء.