«سلطان المسلمين» يقبل بالحدّ الأدنى! ويعيد تجميع الثالوث الأميركي: السعودية و«إسرائيل» ومصر

د. وفيق ابراهيم

تعمل السياسة التركية في الآونة الحالية ببراعة على إعادة جذب تحالفات أميركا في المشرق العربي. وتطرح نقاطاً تعيد وصل ما انقطع في ما بينها. ومطلعها إبعاد «الإخوان المسلمين» ليس عن دائرة الضوء فقط، وإنما كمشروع سياسي لكونفيديرالية إسلامية برعاية تركية، وفي المقابل تقنع أنقرة بإزالة الخطر المتأتي عليها من احتمال تأسيس كردستان الكبرى، قد تلتهم 20 في المئة من أراضيها إذا ما تحققت.

تجذب هذه النقطة السعودية أولاً، لأنها مُصابة برهاب «الإخوان»، وهؤلاء يعتقدون أن السعودية بلد فيه انفصام كامل بين الرأس أي ال سعود وبين الجسد أي الشعب. فالحكام قبيلة ديكتاتورية متخلفة تحكم مجتمعاً مبنياً على ثقافة «الإخوان المسلمين» ولا ينقصه ليتعافى إلا حكم الإخوان!.

ومصر من المستفيدين الأساسيين من إلغاء «الإخوان» الذين يتسبّبون حالياً بعدم الاستقرار فيها، مع نشر الفوضى الأمنية المتفجرة في البلاد. لذلك لن يتوانى السيسي عن مصافحة أوغلو ورئيسه أردوغان في مسألة إبعاد جماعة سيّد قطب وقطع الهواء عنهم سياسياً وتمويلياً وإعلامياً.

أما النقطة الثانية، فتتعلق بإسقاط النظام السوري… وتضع في السلة نفسها السعودية و«إسرائيل» لأنهما مهتمّتان بتقليص النفوذ الإيراني، وتعتقدان أنّ إبعاد الرئيس الأسد وتأسيس نظام جديد، يقطع مع طهران ويربط مع «إسرائيل» بتمويل سعودي، هو نهاية للنفوذ الإيراني في المنطقة.

وبذلك تُزال الخلافات بين رباعي واشنطن في المنطقة تركيا ـ السعودية ـ «إسرائيل» ومصر ويتحالفون في إطار قوي «بري» مع التحالف الجوي الأميركي. ويخفي هذا الكلام مشروعاً تركياً كبيراً للاستحواذ على مشروعية عربية مصر والسعودية وأحلافهما لغزو بري تركي يشارك فيه بضع مئات من مصر والسعودية، ويعتبر المديين العراقي والسوري ميادينه المفترضة.

هذا سيناريو خطير، لكنه يفترض المنطقة بساطاً ممدوداً لا قوى فيه تستطيع الدفاع عن نفسها، ومقطوعة الأوصال عن العالم. وخطورته في وسائل تنفيذه… إنشاء مناطق محظورة جوياً، ومحمية برياً، قد تصل إلى أكثر من نصف مساحات العراق وسورية، يجري فيها إعداد وتدريب «خلفاء داعش» بعد «حلق ذقونهم وتغيير لبوسهم» في معارك مستمرة تستنزف قدرات سورية والعراق وتعجل برحيل إيران إلى داخل حدودها.

هل هذا السيناريو قابل للتحقيق؟ يشبه العرض التركي فيلماً هوليودياً يستولي «اليانكي» فيه على أدوار البطل والقرصان، المدافع والمغتصب، وهو الذي يفوز في النهاية. وهذا غير قابل للتحقيق في منطقة موازين القوى فيها شبه متعادلة تركيا ـ السعودية و«إسرائيل» مقابل إيران ـ سورية – حزب الله وموازين القوى الدولية شبه متعادلة أيضاً أميركا والاتحاد الأوروبي مقابل روسيا ـ الصين وتحالفاتهما في البريكس والأوراسي وشنغهاي.

فإلى أين يريد السلطان العثماني دفع العالم؟ إنه يهرب من احتمال تفشي التكفيريين في بلاده، ويضحك على السعودية ومصر بإيهامهما أنّ حدود مطامحه منع قيام دولة كردية، في حين أنه يحتفظ بورقة «الإخوان المسلمين» في خزانته العثمانية، مراهناً على إسقاط النظام السوري، لأنّ هذا النظام هو «بوابة المشرق» وحارس «الكنز المرصود»، وعندما يتجاوزه العثمانيون تصبح أعلام «الإخوان المسلمين» في الرياض ونجد والدمام والقطيف من طريق الأردن الذي يختزن أكبر كتلة تكفيرية في المنطقة. ويجب على غرور أردوغان أن يعترف بقدرة النظام السوري على الدفاع عن سورية في أربع سنوات عجاف، لم يسبق لدولة في التاريخ أن أصيبت بما مُنيت به بوابة التاريخ والعز سورية . ولولا شعبية الأسد وقوة جيشه لما صمد في وجه تكفيريات عالمية طيلة هذه المدة. ولا بدّ من القول، إنّ المشروع الأميركي ـ التركي ـ «الإسرائيلي» ـ السعودي قد انكشف.

فما معنى الالتزام بخطوط حمر روسية وإيرانية، مع الاستمرار بتدريب «المعارضة التكفيرية المتمدّنة»، ومدّها بالسلاح والتمويل وإقامة مناطق حاجزة ـ إنه مراهنة على إسقاط النظام بالاستنزاف ـ وهذا يتطلب دوراً روسياً وإيرانياً سريعاً ومتصاعداً بمدى تيرة تصاعد المشروع الأميركي ـ «الإسرائيلي»، وأيّ كلام آخر يدخل في إطار إما سوء التحليل أو استثارة الريبة والشك. وفي كلا الاحتمالين، نعتقد أنّ النظام السوري ليس جزءاً من نفوذ أي قوة، إنه حليف لقوى يصادف أنّ هناك تقاطعات في المصالح معها.

ومن الطبيعي أن تكون دمشق حليفة لروسيا وإيران، لأنّ أميركا هي التي دمّرت العراق وأفغانستان وباكستان والصومال و… ولأن واشنطن هي التي تمسك بالاقتصاد النفطي العربي، فكفى بهلوانيات، والمطلوب وقفة كبيرة للدفاع عن دمشق في وجه التتار الجدد وأعاريب بني سعود.

أستاذ جامعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى