ترامب يوسّع الهوة مع أوروبا: أميركا أولاً وليذهب الجميع إلى الجحيم

يستمرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمفاجأة مؤيديه وخصومه باعتماده على وسائط الاتصال الاجتماعي، لا سيما تغريداته على «تويتر»، والتي تسبّب إحراجاً متزايداً لأعوانه وأركان إدارته. بيد أنه حافظ على ابتعاده عن التغريدات خلال جولته الخارجية الأولى.

ما ان حطت طائرته الرئاسية في أوروبا حتى برز حجم الهوة التي تفصل الموقف الأميركي عن مواقف ومتطلبات الدول الأوروبية المنضوية في كتلتي حلف الناتو والدول الصناعية السبع.

سيستعرض قسم التحليل تصدّع علاقات الطرفين خاصة بعد إعلان ترامب انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ، والاصطفاف شبه الشامل ضدّه من الدول الموقعة.

تداعيات جولة ترامب

زعمت مؤسسة هاريتاج انّ جولة الرئيس ترامب الخارجية تكللت بالنجاح، لا سيما في أوروبا التي شهدت «مؤشراً من ترامب أعرب فيه عن جديته بضمّ بعض أشدّ منتقديه لطرفه، من البابا فرنسيس إلى رئيس فرنسا الجديد إيمانويل ماكرون، إلى قادة حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول السبع». اما الدول الأوروبية فقد مالت لاتخاذ «ردود فعل سريعة وغاضبة منذ انتخاب ترامب.. وهو الذي يحثهم على الوفاء بالتزاماتهم في ميزانية حلف الناتو». وأضاف انّ الرئيس ترامب استطاع إنجاز «استعادة الدور القيادي لأميركا وجهوزيتها لتأكيد دورها في القتال ضدّ آفة الإرهاب الدولي.. في كافة محطاته». وشدّد على أنّ ترامب بتوقيت زيارته الخارجية «أخذ استراحة قصيرة من هموم واشنطن ووفرت له فرصة لترويج رسالته».

لقاء قادة الدول الصناعية السبع اتسم بالتشنّج نظراً «للفائض التجاري لصالح ألمانيا»، حسبما أفاد صندوق مارشال الألماني. وأضاف انّ تلك المسألة كانت حاضرة ايضاً في جدول اعمال الرئيس السابق باراك أوباما «ليس لخلل الميزان التجاري بين واشنطن وبرلين لصالح الأولى، التي لا ينبغي ان تشكل نقطة خلاف بينهما، بل للفائض الإجمالي لصالح المانيا في كافة النشاطات الاقتصادية العالمية». واوضح انّ التبادلات التجارية «لا تستند الى نوعية عالية للبضائع بأسعار متدنية، كما يريد الألمان القول، بل تحكمها ايضاً التدفقات المالية التي تعكس بدورها التغيّرات في المداخيل الفردية الناجمة عن تطبيق سياسات محدّدة».

اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جولة ترامب بأنها تنمّ عن «نسيانه انّ الولايات المتحدة هي عضو كامل العضوية في حلف الناتو»، مستدركاً انّ «معضلة أميركا مع الناتو سبقت حملة الانتخابات الرئاسية، بل جذورها أعمق من تصريحاته بأنّ الحلفاء مدينون لنا». وشدّد على انّ رؤساء الولايات المتحدة «من كلا الحزبين أخفقوا في العقود الماضية في تبيان المنافع الاستراتيجية للولايات المتحدة من حلف الناتو.. وينبغي العودة الى هدف الولايات المتحدة في إقامتها الحلف بالدرجة الأولى». وذكّر الساسة الأميركيين بأنّ الحلف «أُنشئ لحماية الولايات المتحدة، وليس لأوروبا فحسب.. وبعد عام 1955 تمّ تدشين عضوية ألمانيا في المنظومة الغربية».

ترامب في ضيافة العرب

أاعرب معهد ابحاث السياسة الخارجية عن اعتقاده بأنّ زيارة ترامب للرياض «قد تسفر عن إنشاء حلف أمني اقليمي في الشرق الاوسط»، معتبرا أنّ من أبرز النتائج الفورية الملموسة «صدور بيان من أجل الاتحاد وانضمام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لجهود محاربة الدولة الاسلامية في العراق والشام، وتعزيزها بإنشاء قوات عسكرية احتياطية قوامها 34،000 عنصر بقيادة سعودية للتحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب». اما موقف الولايات المتحدة، وفق المعهد، فإنّ «ادارة ترامب لم تعلن للحظة عن استراتيجيتها لمحاربة» داعش، بيد انّ «قمة الرياض تشير الى إمكانية قيام الولايات المتحدة التخطيط للمشاركة مع الحلف العسكري» بقيادة السعودية «من أجل بسط الاستقرار في المناطق التي يقطنها السنّة في شرقي سورية وغربي العراق بعد إلحاق الهزيمة بداعش». وخلص بالقول انّ زيارة الرياض «استعادت الثقة بين البلدين بكلّ تأكيد.».

تفاخر مجلس السياسة الخارجية الأميركية بترتيبات الزيارة «غير المسبوقة» بالقول انّ «فرصة بزغت لإحلال السلام في الشرق الاوسط.. ونلمس تبلور الظروف الاستراتيجية بطريقة تعزز احتمال التوصل لصفقة». واوضح ان من بين المتغيّرات الاستراتيجية «الهامة في السنوات الأخيرة استعداد عدد من الدول العربية السنّية اعتبار إسرائيل كحليف استراتيجي بدلاً من كيان منبوذ». وخلص بالقول انّ التوصل «لصفقة معقولة، ليس بالضرورة تسوية شاملة، من شأنه تيسير مسار الدول الاقليمية نحو علاقة وثيقة مع اسرائيل للوقوف بوجه إيران».

سورية

حذر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى من «مخاطر مواجهة دولية في سورية.. إذ أضحت الحدود الجنوبية لسورية نقطة ساخنة كبيرة من التنف السورية لسنجار العراق متنازع عليها بين مجموعات مقاتلة مختلفة نيابة عن داعميها الإقليميين الممثلة في التنافس بين المحور الشيعي، شرقاً وغرباً، والمحور السني، شمالاً وجنوباً». وزعم المعهد انّ «اتفاقاً دولياً ينمو بإلحاح يومي حول احتلال الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش سابقاً اذ بغيابه تغامر الأطراف المنخرطة وقوع اشتباك مباشر بين القوات الروسية والأميركية».

إيران

استعرض معهد المشروع الأميركي سياسة إيران الأمنية نظرا «لارتباط ارثها الثقافي الاستراتيجي الوثيق بكيفية رؤية الجمهورية الاسلامية لدور القوات العسكرية في الحسابات الاستراتيجية». واوضح انّ تصرفات إيران محيّرة لصنّاع السياسة الغربيين استناداً لإدراكهم انّ «عقيدة القوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري تحيل النظريات التقليدية لسياسة دفاعية بشكل كبير». واضاف انّ تلك المعتقدات هي وراء «لجوء إيران إلى اتخاذ مواقف هجومية وعبر الوكلاء في نهاية المطاف».

ترامب: استمرار الوفاء لأميركا

تحاصر المؤسسة التقليدية الحاكمة، بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية والإعلامية، الرئيس ترامب بعدد من الملفات المؤذية لشخصه وإدارته معاً، بذريعة التنسيق مع روسيا وتلقي بعض أعوانه اموالاً مباشرة منها لقاء «خدمات» معينة قاموا بها.

في السياق العام يبدو انّ ذلك المسار الثابت في ضغوطه يرمي لمراكمة سجل الأخطاء والخطايا التي تستدعي تنحيته او محاكمته او دفعه للاستقالة، انْ أمكن، وتسليم نائبه مايك بنس زمام الأمور. بيد انّ تلك الفرضية لا تصمد طويلاً أمام التبصّر في توجهات ترامب، داخلياً وخارجياً، للوقوف على مشاعر العداء المتبادلة بين ترامب وأركان المؤسسة، لا سيما الأمنية والاستخباراتية بشكل خاص.

ترامب لا ينافي معايير المؤسسة المرسومة، بل ذهب بعيداً في السعي لتحقيق غاياتها غير آبه بضحاياه من دول وشعوب وقوى سياسية مجتمعة. أما التداعيات الداخلية لبرامجه المنبثقة من صلب معتقدات وتوجهات الحزب الجمهوري فهي ليست محلّ نقاش او نزاع.

ترامب، ببساطة شديدة، أزاح القفاز الحريري الذي كان يغلّف السياسات الأميركية بميله الصريح لترويج السياسات والاستراتيجيات عينها دون مواربة او معسول الكلام، وهو ما يميّزه عن الرؤساء التقليديين ممّن سبقوه.

يحرص الساسة والقادة الأميركيون على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم الحزبية على ديمومة تذكير مواطنيهم بعظمة النظام السياسي مما يخوّل المؤسسة الحاكمة بسط سيطرتها ونفوذها على العالم، بمسمّيات تحرص وسائل الإعلام المختلفة على تداولها وترويجها مثل شعار «استعادة او استمرار قيادتها للعالم» وتحديث الخطاب في عهد ترامب لأميركا أولاً.

بهذه الخلفية شدّ الرئيس ترامب رحاله قاصداً جولة خارجية هي الأولى لتشمل محطات عديدة، حظي بإفراط الاستقبال والإعداد له في الرياض، محطته الأولى، وأسفرت عن عقد صفقات تسليحية واستثمارات في البنى التحتية الأميركية بمبالغ يصعب على المرء استساغتها. اما في المحطات الأوروبية المتعدّدة، فقد راهن مضيفوه من قادة حلف الناتو على إمكانية «تليين» موقفه من الحلف والابتعاد عن مواقفه المتطرفة إبان حملته الانتخابية: انتقاده لصلاحية الحلف بأنه «عفا عليه الزمن» ورفضه لصيغة الاتحاد الأوروبي.

البيان الختامي الصادر عن مجموعة الدول الصناعية السبع أبرز خيبة أمل القادة الأوروبيين والإخفاق في تلطيف مواقف ترامب، وتسليمه بوجود خلافات بين واشنطن وشركائها في المجموعة الدولية. وزاد الطين بلّة رفض ترامب الانضمام لنظرائه في المجموعة في التأكيد على التزام كافة الأطراف باتفاقية باريس حول تغيّر المناخ تجسيداً للقول المأثور «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى».

خيبة الأمل الأوروبية من ترامب في غير محلها عند النظر الى حقيقة الاستراتيجية الأميركية على مدار عقود طويلة محورها تحقيق المصالح الأميركية الخاصة «وترغيب» الآخرين الانضمام لركبها خشية تلقي ضرباتها.

وليس أدلّ على تلك المقولة من مقال مشترك نشرته يومية «وول ستريت جورنال»، 30 أيار الماضي، لأهمّ أركان البيت الابيض، مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر والمستشار الاقتصادي غاري كون، وسعيهما الترويج لترامب بأنه لم يرضخ لضغوط الآخرين وكانت بوصلته «الحفاظ على المصالح الأميركية».

أوضح الثنائي المذكور بعبارات بالغة الصراحة والقسوة بأنّ ترامب «وجه رسالة واضحة لأصدقائنا وشركائنا في كافة محطاته» أعرب فيها عن جهوزيته للعمل سوياً «عندما تتقاطع مصالحنا» مع الآخرين.

ولم يشأ أركان المحافظين الجدد ترك الأمور على عواهنها، محذرين الأطراف «التي نتشارك وإياها مصالحنا بأنها لن تجد صديقاً أكثر ثباتاً من الولايات المتحدة. اما اولئك الذين يقرّرون تحدّي مصالحنا سيواجَهون بعزيمة قوية».

وختم الثنائي وعظه بالتوضيح لمن يلزمه الأمر انّ شعار «أميركا اولاً.. يشير ليس لاستعادة قيادة أميركا للعالم، بل تسخير مواردها الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتعزيز الأمن القومي الأميركي، والرخاء الأميركي، ونشر النفوذ الأميركي على امتداد العالم».

في السياق السياسي عينه، نستحضر ملخص تصريحات لمديرة الأبحاث في المجلس الالماني للعلاقات الخارجية، دانييلا شوارتزر، بقولها انّ جولة ترامب، خاصة في الشق الأوروبي منها، أكدت «المعادلة الصفرية» التي يستند اليها. اذ حسب رؤية ترامب للعالم يصبح اللاعب فيها إما فائزاً او مهزوماً. اما المستشارة الالمانية، انغيلا ميركل، فقد وصفت اللقاءات العاصفة مع ترامب بأنها «غير مرضية على الاطلاق».

دور الحكومة البريطانية في «الصراع الأوروبي الأميركي» تجسّد بموقف عدائي للمنظومة الأوروبية، واتخذت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مواقف صبّت في صالح الولايات المتحدة بالكامل، مما أغضب زملاءها الآخرين لا سيما المستشارة الالمانية اذ عبّرت عن حنق غير معهود نحو واشنطن ولندن بالقول انه يتعيّن «علينا نحن الأوربيين أخذ زمام أمورنا بأيدينا.. دفاعاً عن مستقبلنا بقوانا الذاتية وتقرير مصيرنا كأوروبيين».

انضمّت تركيا إلى سيل الهجوم على دول حلف الناتو وعلى رأسها ألمانيا، لدوافعها الخاصة طمعاً في ابتزاز دائم لبرلين على خلفية الإنفاق على اللاجئين السوريين في اراضيها. وقال وزير خارجيتها مولود جاويش اوغلو في قمة الحلف انّ «ألمانيا تدعم كلّ ما هو معادٍ لتركيا». لكن تلك المسألة الخاصة بتركيا ومواقفها المتأزمة ايضاً مع واشنطن لها فصل آخر خارج السياق الراهن.

الأزمة الداخلية في صفوف دول المجموعة الصناعية تتمدّد وتتشعّب، وتنذر بالمزيد، مما حدا بصحيفة «فاينانشال تايمز» اللندنية التحذير من انقسامات في طور التشكيل تتشاطر «العداء للولايات المتحدة والمملكة المتحدة.. مجموعة جي- 7 الصناعية تنشطر الى فريقين كمرآة لما حدث ابان الحرب العالمية الثانية: محور الحلفاء فيه بريطانيا والولايات المتحدة، ودول المحور المانيا، ايطاليا، اليابان، وفرنسا المحتلة ».

التيارات الأميركية «الواقعية» في السياسة والاستراتيجية ايضاً أصابها الإعياء من جولة ترامب الأولى لنتائجها في تعزيز الانقسامات، ويجادلون بأنه كان ينبغي على ترامب وفريقه اختصار جولته والعودة إلى واشنطن عقب انتهاء زيارته للرياض.

اتفاقية باريس للمناخ

من نافل القول انّ إعلان الرئيس ترامب انسحاب بلاده من الاتفاقية المبرمة عام 2015 بتوقيع 195 دولة للحدّ من التلوّث المناخي على امتداد العالم، لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان مخيّباً لجهود العديد من القوى والشخصيات النافذة لحمله على الإقلاع عن وعوده الانتخابية بهذا الخصوص. معظم الدول الأوروبية أعربت عن خيبة أملها من تصرّف واشنطن الفردي، وصفته يومية «نيويورك تايمز» بأنه يمثل «تبنّي البيت الأبيض لأصوات الانعزاليين ضمن فريقه.. أبرزهم ستيف بانون».

وشدّدت الصحيفة على آلية إعلان ترامب لقراره باصطفاف حشد من مؤيديه وطاقم إدارته في حديقة البيت الابيض «كجمهور يستعدّ لخطاب النصر»، إذ بدا ترامب في أبهى صوره الانتخابية وهو يعد مؤيديه بمزيد من الانتصارات وتجسيد شعار «أميركا اولاً». واشاع لمؤيديه انّ الاتفاقية «تلحق الضرر بسيادة الولايات المتحدة واقتصادها.. لنمضي معاً في رفع مكانة أميركا العظيمة مرة أخرى».

أبرز زعماء الحزب الجمهوري، ميتش ماكونيل، رحب بشدة بقرار ترامب الذي «سدّد ضربة قوية لسياسات الرئيس السابق أوباما العدائية لإنتاج الطاقة محلياً». الرئيس أوباما بدوره سارع للدفاع عن سياسته المناخية رداً على ترامب والحزب الجمهوري بالقول «الدول المتبقية في اتفاق باريس ستحصد الفوائد من خلال فرص العمل والصناعات التي ستنشأ».

التراشق في المواقف بين البيت الابيض والحزب الجمهوري من جهة قابله اصطفاف كبريات الشركات الأميركية لصالح الاتفاقية، عززته تصريحات الدول الأوروبية المختلفة الالتزام بنصوص الاتفاقية. كما انّ أقلية في إدارة ترامب كانت على تباين واضح من موقفه، أبرزهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون وكريمة ترامب إيفانكا.

كما انّ سيل الاتهامات في الداخل الأميركي يلقي اللوم على ترامب ليس للانسحاب بحدّ ذاته فحسب، بل لتراجع مكانة الولايات المتحدة وتزعّمها للمبادرات الدولية، الأمر الذي أسهم برأيهم في تبوؤ الصين وأوروبا الدور الأكبر على الصعيد العالمي، مما يناقض وعود ترامب بأميركا أولاً.

الساسة الاستراتيجيون في أميركا يأخذون على ترامب تراجعه عن هدف محاصرة روسيا اقتصادياً وحرمانها من تزويد السوق الأوروبية بمصادر الطاقة من الغاز الطبيعي. كما انّ انسحابه من اتفاق باريس يعزز توجه الأوروبيين لروسيا لضمان تدفق الطاقة في سياق البحث عن مصادر بديلة عن روسيا.

يشار في هذا الصدد الى حجم الاستثمارات المالية الكبيرة التي اعدّتها كلّ من الصين والمانيا للإنفاق على تقنيات حديثة لتوليد الطاقة المتجدّدة مما أدّى لانخفاض ملموس في كلفة الألواح الشمسية الواعدة.

السؤال الأبرز المتداول على ألسنة المراقبين في واشنطن محوره ماذا كان باستطاعة ترامب فعله غير ما فعل. الثابت انّ قراره بأيّ اتجاه سيكلفه بعضاً من رصيده السياسي، ولذا سعى للتخفيف من غلواء خصومه الديمقراطيين بإبقاء باب التفاوض مفتوحاً للتوصل الى اتفاقية تلبّي المصالح الأميركية بشكل أفضل، وفق تصوّراته.

اما حقيقة إعادة التفاوض الموعود فقد فنده أستاذ علوم البيئة في جامعة أكسفورد، مايلز آلان، بالقول انّ مزاعم ترامب ما هي إلا «محاولة لحرف الأنظار».

تجدر الإشارة الى سلسلة من القرارات الصادمة التي اتخذها ترامب في الأيام القليلة قبل الإعلان، أهمّها وقف الالتزامات المالية لبرامج الأمم المتحدة المتعلقة باتفاق المناخ، فضلاً عن برامج محلية أخرى طالها مشرح قطع المعونات المالية، وما سيتبعها من تداعيات متسارعة تؤثر في سير الحياة اليومية.

مصير التصدّع

عند الإجابة على سؤال مدى التصدّع في العلاقات الأميركية الأوروبية يرجّح الساسة الأميركيون التغلب على تلك العثرة المرحلية، اذ انّ المصالح الأميركية العليا تستدعي الإبقاء على تماسك وتوسع حلف الناتو في أوروبا وبالقرب من الحدود والشواطئ الروسية.

نظرة للتاريخ القريب لحلف الناتو لعقد الستينيات من القرن الماضي أصدر الرئيس الفرنسي شارل ديغول قراره بانسحاب قوات بلاده العسكرية من القيادة المشتركة للحلف، وأمهل كافة العسكريين الأجانب سنة كاملة لإخلاء الأراضي الفرنسية. وعادت فرنسا إلى خيمة حلف الناتو بعد تلك المرحلة دون ان تتضرّر مصالحها او مصالح شركائها الأوروبيين.

لافت للنظر ايضاً أبعاد التشابه بين شخصية كلّ من ديغول وترامب، فكلاهما لم يتعاط السياسة من قبل واستندا الى دعم قاعدة شعبية مؤثرة. ديغول ايضاً رمى لإعلاء كلمة فرنسا على المسرح الدولي «واستعادة عظمتها»، مما كلفه ضمور في العلاقات مع جيرانه الأوروبيين. كما انّ ديغول آنذاك عارض صيغة اتحاد أوروبي.

تقاطع مصالح الولايات المتحدة مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، وكذلك مع بريطانيا، تشكل الدافع الرئيس لوجهة السياسات المقبلة، والتي سترسم معالم العلاقة المقبلة بعد ذهاب قطبي الرحى، ترامب وميركل.

نشرة دورية تصدر عن وحدة «رصد النخب الفكرية» في مركز الدراسات الأميركية والعربية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى