ترامب يتبنّى حصار قطر… وألمانيا تحمّله التوتر… وبوتين وماكرون للتسوية تصعيد سياسي وإعلامي يسبقان اجتماع الوسط… والتبريد لمواصلة المساعي

كتب المحرّر السياسي

فيما أعلنت قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي بقيادة واشنطن عن بدء معركة تحرير الرقة، كان الجيش السوري يُنهي تقدّمه على ثلاثة محاور لإحكام الحصار على داعش داخل الرقة وإقفال أبواب النزوح العسكري أمام التنظيم، وإجبار مَن يريد قتاله على خوض المعركة حتى النهاية. وهو المنهج ذاته الذي اتبعه الحشد الشعبي في معركة الموصل بتقدّمه غرب الموصل وقطع خط الانسحاب والإمداد لداعش نحو تركيا ثم نحو سورية. وهكذا نجح الجيش السوري ببلوغ الحدود الإدارية لمحافظة الرقة من الجهة الغربية بعد سيطرته على القرى الواقعة جنوب مدينة مسكنة التي دخلها قبل يومين، بينما نجح تقدم الجيش وحلفائه شرقاً بإقفال فرص التواصل أمام داعش مع ريف حماة من جهة والتسلل إلى البادية من جهة مقابلة، بحيث أقفل المسرب الجنوبي للرقة كلياً وصارت الجبهة الجنوبية للرقة تحت سيطرة الجيش السوري، فيما تواصل وحدات الجيش والحلفاء التقدّم نحو الشرق شمالاً وجنوباً باتجاه خط الحدود مع العراق، حيث كان التطور الأبرز أمس، إعلان البنتاغون عن قيام الطيران الأميركي بشن غارة على وحدات رديفة للجيش السوري قرب التنف بسبب ما وصفه تخطّيها مناطق منع الاحتكاك مع قاعدة التنف التي يتخذها الأميركيون غرفة عمليات لهم، ووصفتها مصادر عسكرية متابعة بمحاولة إرباك لتقدم الجيش وحلفائه نحو الحدود لمنح الجماعات التي ترعاها واشنطن فرصة بلوغ نقاط على الحدود، يحول دونها عجزها العسكري وبنيتها الرخوة التي تشتت في البادية مع أول مواجهة مع الجيش السوري، بينما يواصل الحشد الشعبي تقدّمه جنوباً على خط الحدود في موازاة محافظة دير الزور بعد بلوغه جنوب محافظة الحسكة قبل يومين، وإعلان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أن الإمساك بالحدود سيتواصل بالتنسيق مع الحكومة السورية.

في الخليج، لا تزال الأزمة القطرية السعودية عنوان التطورات التي شغلت المسرح الدولي والإقليمي، فبينما بدأت نتائج الحصار المالي والجوي والبحري والبري تظهر على الاقتصاد القطري والحال التموينية في الأسواق والرحلات الجوية والبنوك وسوق الأسهم، أعلنت السعودية بلسان وزير خارجيتها عاجل الجبير مطالبتها بطرد حماس والأخوان المسلمين ووقف دعمهم من جانب قطر كشرط لوقف الحملة، فيما نقلت مصادر كويتية عن مباحثات الوساطة التي يقودها أمير الكويت الذي زار السعودية والتقى ملكها، أن ملف بوكو حرام في نيجيريا جزء من المفاوضات والعلاقات مع إيران في مقدمتها، وبين السطور الإعلان عن عدم الثقة بما يتم التعهد بتنفيذه من قبل الأمير الحاكم في قطر والدعوة للبحث عن ضمانات من دون تسميتها، بالإيحاء بتنحي الأمير كأحد الحلول المطروحة.

دولياً، كان اللافت مجاهرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمسؤوليته عن الأزمة مع قطر وحصارها، وتبنّيه الموقف السعودي باتهام قطر بالمسؤولية عن الإرهاب، واعتبار القرارات السعودية من ثمار زيارته للرياض، بينما أعلن وزير خارجية ألمانيا اتهام ترامب بالتسبّب بالتوتر في الخليج معلناً التضامن مع قطر في محنتها، كما قال، ليقف الرئيسان الرئيسان الروسي والفرنسي على خط تشجيع التسويات.

على الساحة الإقليمية سارت إيران خطوة باتجاه قطر بفتح أسواقها ومياهها أمام القطريين لفك الحصار، بينما في تركيا المعني الأول بالهجوم على قطر، فقد دعا زعيم المعارضة الرئيس التركي رجب أردوغان لتجنّب مصير قطر، بينما واصلت السعودية مساعيها لضم دول جديدة لقرارات المقاطعة، فاكتفى الأردن بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، وأعلن المغرب إجراءات تحويل مسارات طيرانه، وانضمت موريتانيا لقرارات قطع العلاقات الدبلوماسية.

في لبنان، عودة التبريد لمناقشات تفاصيل قانون الإنتخاب بعد نهار عاصف مليء بالاتهامات والتصعيد، بصورة أوحت أن كل ما تمّ إنجازه في إفطار بعبدا آخذ في الانهيار. وقد نجح لقاء بيت الوسط الذي عقد ليلاً برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وحضور وزيري المالية والخارجية علي حسن خليل وجبران باسيل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، ونائب رئيس القوات النائب جورج عدوان ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، في تبريد الأجواء وإعادة المناقشات إلى كيفية إنجاز القانون قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي، واستحالة تحميل نصوص القانون كل شيء لكل طرف باعتباره تسوية الممكن، على أن تتضمّن مقدمة القانون التزام المجلس المنتخب على أساسه بإعداد قانون جديد ينشئ بموجبه مجلساً للشيوخ وتتحقق معه المبادئ الإصلاحية التي تضمّنها اتفاق الطائف، بما يضمن تعزيز ميثاق العيش المشترك.

لقاء خماسي في بيت الوسط

تعيش القوى السياسية سباقاً محموماً مع الأيام القليلة المتبقية من عمر المجلس النيابي الذي تنتهي ولايته في 19 حزيران الحالي، حيث تكثفت الاجتماعات الى الحد الأقصى وأبرزها اللقاء الخماسي الذي عقد مساء أمس في بيت الوسط، ضمّ الى جانب رئيس الحكومة سعد الحريري، رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل والوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين الخليل والنائب جورج عدوان والسيد نادر الحريري.

وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أن «مشاركة الأقطاب كافة لا سيما معاون السيد نصرالله وجمع كلاً من الوزيرين خليل وباسيل على طاولة واحدة يؤشر الى اقتراب الاتفاق على قانون الانتخاب»، ولفتت الى أن «حزب الله بذل جهوداً كبيرة منذ ما قبل لقاء بعبدا لتقريب وجهات النظر بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري للوصول الى قواسم مشتركة بين الطرفين لإنجاز قانون الانتخاب، لأن الحزب يسعى الى تمرير هذه المرحلة الدقيقة في الداخل بأقل الخسائر الممكنة في ظل انشغاله في أزمات المنطقة وفي سورية تحديداً».

وأشارت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» الى أن «جزءاً من النقاط العالقة تم تذليلها في لقاء أمس وتمّ تأجيل الجزء الآخر المتعلق بتعديل الدستور وإنشاء مجلسي الشيوخ والنواب واللامركزية الإدارية الى ما بعد إقرار القانون وإنجاز الاستحقاق النيابي، وبالتالي في حال كان هناك اتجاه ونية حقيقية للحل، فمن المرجّح أن يكون مشروع القانون على طاولة مجلس الوزراء اليوم من خارج جدول الأعمال أو بجلسة خاصة في بعبدا خلال اليومين المقبلين على أن تكون جلسة 12 حزيران المقبل لإقراره في المجلس النيابي».

ولفتت المصادر الى أن «ما نسمعه اليوم من طروحات في هذا الوقت الضيق، يأتي في إطار الشروط التعجيزية»، معتبرة «أننا نحرص كل الحرص على المناصفة ودور المسيحيين وحصولهم على كامل حقوقهم في مجلس النواب والمناصب العليا»، لكنها «حذّرت من المطالبة بتعديل الدستور، الأمر الذي يستدرج مطالب من طوائف أخرى بتعديلات مماثلة ما يدخلنا في صراع طائفي لا ينتهي في ظل الظروف الحالية».

وأوضحت المصادر أن «هناك قلقاً يراود فئة من اللبنانيين، وتحديداً المسيحيين، لجهة الحفاظ على المناصفة في ظل تطورات المنطقة والتهجير الذي يطال المسيحيين»، لكنها أوضحت أن «ما يجري في سورية والعراق وغيرها من الدول التي يطالها الارهاب، لا يستهدف فقط المسيحيين بل جميع الطوائف والقوميات».

وسبق اجتماع بيت الوسط لقاء بين رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط والنائب عدوان في كليمنصو، واجتماع آخر بين رئيس القوات سمير جعجع والنائب كنعان في معراب، بحضور وزير الإعلام ملحم رياشي.

وإذا كان مسار القانون قد وصل الى حد بات من الصعب الرجوع به الى الوراء، في ظل تأكيد الرئيس الحريري في حفل إفطار في بيروت أمس بأن «قانون الانتخاب، سيولد خلال الأيام القليلة المقبلة»، فإن الخلاف على بعض التفاصيل المستجدة خلال المفاوضات قد تؤخر ولادة القانون الى الأسبوع المقبل مع رفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري شروط التيار الوطني الحر الجديدة كتعديل الدستور وتثبيت المناصفة في المجلس النيابي بين المسلمين والمسيحيين الأمر الذي يعتبره رئيس المجلس أنه يخلّ باتفاق الطائف إذا لم يقترن بالاصلاحات الشاملة والوقت لا يتسع للدخول في هذه القضايا راهناً، وقال بري أمس: «رفضتم السلة قبل بدء القطاف، فلماذا تطالبون بها الآن، وقد انتهى أوان القطاف»؟.

وفي المقابل يصر التيار الحر على أن يتضمن القانون الجديد بند المناصفة، وأكّد أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان بعد اجتماع التكتل أمس أنّ «النسبية وإن كانت تمثل الأكثرية والأقلية، فهناك ما يجب أخذه في الاعتبار لعدم ضرب المناصفة التي نص عليها الدستور». وأضاف: «الضوابط بدأت من مجلس الشيوخ مروراً بتثبيت المناصفة في الدستور والارثوذكسي وسواها من أشكال الحفاظ على الشراكة مع النسبية»، مشدداً على أن «الضوابط المطلوبة هي ضمانة للمسيحيين والمسلمين ليبقوا في عيش مشترك احتراماً لعقد الشراكة».

ولفت إلى أنّ «هناك عملاً جدياً لإنتاج قانون انتخاب، الهدف منه تصحيح خلل لا يؤثر على الوضع المسيحي فقط بل الوطني ككل واستقرار المؤسسات»، وأشار إلى أنّ «التعطيل هو لدى مَن يخرج عن منطق التفاهمات، خصوصاً أن تثبيت المناصفة بالدستور ومجلس الشيوخ طُرحا وجرى التراجع عنهما».

وأكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن «إدارات الوزارة وأجهزتها ماضية في التحضيرات والاستعدادات لإجراء الانتخابات النيابية، في انتظار الصيغة النهائية للقانون الجديد وتحديد موعد إجرائها الذي يعود إلى مجلس النواب».

ودعت كتلة المستقبل النيابية خلال اجتماعها أمس، الى استكمال الجهود لإنجاز الصيغة القانونية الكاملة لمشروع القانون الجديد وإقرارها في مجلس الوزراء ومن ثم إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب لدراسته وإقراره، وبالتالي الانطلاق للتحضير والإعداد للعملية الانتخابية. واعتبرت أنّ «المسألة الأساس في عملية إقرار النظام الجديد للانتخابات وتطبيقه تبقى وتكمن في أهمية الاستمرار في الاستناد إلى اتفاق الطائف وفي الاحترام الكامل للدستور ببنودهما كافة والمستندين إلى ركيزة العيش المشترك والواحد وذلك بعيداً عن التقوقع الطائفي والمذهبي».

شبكات إرهابية في قبضة الأمن

ووسط التجاذب السياسي في الملف الانتخابي، والتحذير من مخاطر الفراغ النيابي على المستوى الأمني، تهاوت مجموعة من شبكات وخلايا تنظيم داعش الإرهابي في قبضة الأجهزة الأمنية، إذ أُعلن أمس عن توقيف عدد من كبار الإرهابيين الذين كانوا ينوون القيام بعمليات ارهابية في لبنان لا سيما تلك التي كانت ستستهدف مطعماً في الضاحية الجنوبية وقت الإفطار بعملية انتحارية. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن انتحاري الضاحية الذي تمّ إحباط عمليته كان يتردّد على المطعم المستهدف منذ 3 أشهر وكان الهدف ضربه خلال إفطار مساء الجمعة الماضي.

وقالت مصادر أمنية لـ«البناء» إن «تفعيل عمل الأجهزة الأمنية والتنسيق المتبادل بينها والتعاون مع أمن المقاومة والوعي الشعبي، عوامل أدت الى إجهاض عمليات داعش التي تحاول استغلال شهر رمضان لاستهداف تجمّعات مدنية حاشدة لا سيما المطاعم والمقاهي»، وأشارت المصادر الى «التنسيق بين خلايا داعش في الداخل وقيادة التنظيم في الرقة»، متوقعة نزوح قيادات داعشية الى لبنان مع بدء العملية العسكرية الأميركية لتحرير الرقة، لكنها لفتت الى أن «داعش وبعد أن تعرّض لنكسات عدة في الجرود وفي سورية، يحاول رفع معنويات مقاتليه بتوجيه ضربة أمنية معنوية لحزب الله في معقله في الضاحية الجنوبية»، وأوضحت أن «ورقة داعش قد انتهت في المنطقة بعد أن اجتمع العالم للقضاء عليه وتحوله خطراً يهدد الأمن الدولي».

وطمأنت المصادر الى الوضع في الجرود الحدودية مع سورية بعد أن عزز الجيش اللبناني مواقعه واتخذ مع الاجهزة الامنية الاخرى أقصى درجات الحذر والجهوزية. وكشفت أن المفاوضات مع المسلحين في الجرود قد نشطت في الآونة الأخيرة بعد كلام السيد نصرالله عن استعداده للتواصل مع الدولة السورية لتأمين ممرات آمنة للمسلحين الى سورية، لكنها توقفت بعد الأزمة الخليجية المستجدّة وانشغال قطر وتركيا بالحرب السعودية على الدوحة، حيث كانت المفاوضات برعاية هاتين الدولتين، واستبعدت المصادر أن يشنّ الجيش اللبناني عملية عسكرية على المسلحين في الوقت الحالي، لكنها شدّدت على أنه «في حال سُدّت أبواب التفاوض فقد يكون العمل العسكري هو الحل الوحيد».

وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان، أنه «تمّ رصد شبكة لتنسيق انتقال المقاتلين من لبنان الى سورية للالتحاق بتنظيم داعش الارهابي، حيث يوجد أعضاؤها في منطقة وادي خالد وينسقون مع كوادر التنظيم في محافظة الرقة السورية».

كما أعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان عن توقيف اللبناني أ.م. لانتمائه الى تنظيم إرهابي واعترف بما نسب إليه، وبأنه تعرف على الارهابي أسامة منصور عند تلقيه دروساً دينية في مسجد عبد الله بن مسعود، حيث خضع لدورة عسكرية تحت اشرافه التحق على أثرها بمجموعته وكلف برصد تحركات عناصر الجيش اللبناني وآلياته.

وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن لبنان مصمّم على الاستمرار في مواجهة التنظيمات الارهابية وملاحقة خلاياها النائمة، مشيراً إلى أن الجيش يواصل ضرباته الجوية والبرية على مواقع هذه التنظيمات ويلحق بأفرادها أفدح الخسائر.

وأبلغ الرئيس عون، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل الذي استقبله أمس في بعبدا، بحضور السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد والوفد العسكري المرافق، أن «العمليات العسكرية الاستباقية التي يقوم بها الجيش والتي تستهدف مواقع التنظيمات الإرهابية تنفذ بدقة متناهية وبكفاءة عالية»، كاشفاً عن أن «ملاحقة الخلايا النائمة ورصد تحركاتها، أسفرا قبل يومين عن اعتقال مجموعة إرهابية كانت تخطط لتنفيذ اعتداءات في أماكن سكنية آهلة، وتبين أن من بين أفرادها عنصراً يمنياً».

وأشار وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى «نجاح عملية استباقية منعت تفجيراً كان يحضر إرهابيون لتنفيذه في ضاحية بيروت الجنوبية، بالتعاون بين الأمن العام وشعبة المعلومات»، معتبراً أن هذا «دليل وبرهان على حرفية الأجهزة الأمنية اللبنانية ومهنيتها العالية وعلى أهمية التعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى