نقاط على الحروف

ناصر قنديل

ما جرى في مصير سلسلة الرتب والرواتب والتسبّب بنتيجتين خطيرتين، هما إطاحة فرص إقرار السلسلة بصيغة متوازنة ومقبولة نسبياً من جميع الأطراف الاقتصادية والاجتماعية المعنية بها، وإثارة القلق والخوف في نفوس العسكريين برتبهم المختلفة، حول وجود مناخ متواطئ ضدّهم في المؤسسة السياسية، يشكل جريمة موصوفة في الظرف الدقيق والحسّاس الذي تعيشه البلاد.

هناك من تعمّد وضع الملح في الجرح وتحريك السكين فيه، لإثارة الشارع عبر إحباط الآمال التي كانت مرسومة على إقرار السلسلة، لدى شرائح لبنانية واسعة تشكل صمام أمان الاستقرار الاجتماعي، وتوفر مادة دسمة لإثارة القلاقل والفتن، بعدما أوصلتها الإدارة السياسية لملف الرواتب والملف الاجتماعي عموماً إلى اليأس من جهة، وخلق التشكيك والقلق والتردّد لدى العسكريين بمختلف أسلاكهم ورتبهم، في وقت يتوقف نبض القلب اللبناني على ثباتهم وتضحياتهم. فهؤلاء العسكريون معرّضون لمخاطرة مصيرية في قلب حرب نفسية وإعلامية تستهدف معنوياتهم وتماسك مؤسّساتهم، وبالنهاية استعدادهم للتضحية بما يجعل العبث بهذه المعنويات مخاطرة بالبلد كله من جهة مقابلة.

قد يكون لأيّ من المعنيّين بالملفّ ذريعة الجهل سبباً للوقوع في المحظور إلا فؤاد السنيورة، فهو أخبر الخبراء بكلّ مفاتيح الممكن والمستحيل والمسموح والممنوع في هذا الشأن، ولا يمكن أن يصدر عنه ما صدر وما ترتب على موقفه وهندسته للسلسلة وتعديلاتها، إلا وهو يعلم علم اليقين إلى أين يأخذ البلاد.

ما فعله فؤاد السنيورة من إضعاف للمناعة الوطنية في لحظة مصيرية مقلقة، جريمة كاملة، لكن هذا ليس هو سبب فعلته، فقد أراد السنيورة أن يقول بالمباشر، ما لم تمرّ سلة تفاهمات فسأجعل السلسلة خراباً على لبنان واللبنانيين، وقضية السنيورة مزدوجة، سياسية تتمثل في قبول الخصوم السياسيين بالتمديد لمجلس النواب من زاوية، ومن زاوية ثانية إنهاء ملفه العالق حول المبالغ المنفقة في عهود رئاسته للحكومة خارج الأصول القانونية، بما يفوق أحد عشر مليار دولار أميركي، والتي سيأتي من يبلغنا غداً أنها أنفقت على الخير العام، وأنّ السهو كان وراء عدم قوننتها.

السنيورة يقول للبنانيين لن تعرفوا سلسلة رتب ورواتب، وللموظفين لن تنعموا بالحدّ الأدنى من الإنصاف، وللعسكريين لن تنالوا الحدّ اللائق من التقديمات لأبنائكم وبناتكم وأنتم أحياء، فيكف إنْ ارتقيتم شهداء.

السنيورة يقول للنواب والقوى السياسية ومعهم يقول للبنانيين، ما لم تتمّ تسوية الأموال الضائعة من تاريخ رئاستي للحكومة، فالعودة إلى التشريع مظهر فقط، وما لم يتمّ تمرير التمديد للمجلس النيابي، فالتوافقات ستكون مفخخة وما يمرّ منها ينفجر بكم وبالبلد.

ليس من ميزات رجل الرأي العام أن يضع شخصه فوق الوطن… رحم الله الرئيس رفيق الحريري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى