الرسائل والقيم التي يفترض ويمكن للدراما السورية أن تروّج لها

نجدة إسماعيل أنزور

تمر بلادنا منذ حوالى أربع سنوات بأزمة مؤلمة ومركبة الغاية منها تدميرها دولةً ومجتمعاً ومؤسسات ولم يعد ممكناً تغطية الحقيقة الواضحة كالشمس وهي:

إن الأزمة – خطة أميركية صهيونية رجعية- استندت إلى قوى داخلية ودفع وحشي من دول عربية وإقليمية في «تركيا ولبنان والأردن ودول الخليج» وقد استُخدم لتنفيذها قوى معلنة- الإخوان المسلمون- ما يسمى القوى السلفية المقاتلة- كـ»القاعدة» و»النصرة» و»داعش» وسواها وقوى غير معلنة من مرتزقة أجانب مثل «بلاك ووتر» وفرق أجنبية بإدارة أطلسية مباشرة.

لم يعد مقبولاً ألا نرى الحقيقة كما هي… ولم يعد مقبولاً أيضاً أن نلقي بالمسؤولية كلها على فساد ومفسدين وطغيان جهاز أو تفرد مجموعة، لأن إلقاء كل التبعات على الدولة- النظام- السلطة… هو من قبيل تجهيل الفاعل… بالتالي تقديم خدمة مجانية للإرهاب وداعميه وأصدقائه دولاً وأفراد ومنظمات.

هذا لا يعني رفع المسؤولية عن أحد، بل لوضع الأمور في نصابها وتفريق الخيط الأبيض عن الخيط الأسود.

في ظل ما نشهده الآن وهو صعب ومعقد ومحيّر ماذا بإمكاننا أن نفعل؟ بل ماذا بإمكان الدراما التلفزيونية أن تفعل؟ بل ما هو دور الفن والثقافة عموماً في لحظة تاريخية احتدم فيها الصراع إلى درجة تقترب من الكابوس؟ إنني أعرض وجهة نظر مقترحات، آراء، ليست التسمية مهمة، بل الغاية والهدف.

أي: ماذا بإمكاننا أن نفعل؟

باعتقادي أن المنطلق الأول أن يتفق أطراف العملية الدرامية

المنتج- الكاتب- المخرج… على رؤية مشتركة للظروف التي يمر بها البلد. ربما يُحتَم إيلاء السيناريو- النصوص- أهمية خاصة عبر حق الكتّاب على:

طرح فكر جديد ومبتكر… أي بوضوح- لنخرج من خنادقنا ولنقل الحقيقة بشفافية ومن دون انحياز أو مجاملة، نحن بحاجة إلى نص جديد- وفكر جديد- ورؤية مبدعة تحترم السوريين كلهم ولا تتخندق في مواجهتهم، وليكن واضحاً أن الإرهاب الأسود هو عدو للجميع والمراهنة عليه ضرب من الانتحار، هذه قد تبدو خارج السياق، لكنها في الواقع في صلب الموضوع المطروح.

الأمر الثاني، هو أنه آن الأوان لنفكر بدراما محترمة تطرح قيماً رفيعة من دون أن تحسب حساب الدكاكين والبسطات وتجارة الشنطة. من يريد التجارة فليتاجر خارج الدراما، خارج ضمائر الناس وعواطفهم.

لا بد أن يتوافق أطراف العملية الإنتاجية على سقف مشترك وطني اجتماعي يتحرك الجميع تحته.

نجحت الدراما السورية في العقود المنصرمة نتيجةً لتراكم فني إبداعي من ممثلين ومخرجين وكتّاب ومنتجين، هؤلاء الروّاد أرسوا أسساً لنجاح الدراما وهي:

الالتزام بالقضايا الوطنية والتقدم الاجتماعي والعدالة الإنسانية في سياقٍ فنيٍ راقٍ. ثم جاء بعدهم مجدّدون نشروا الدراما في بيوت العرب كلهم وكادت أن تقفز إلى العالمية. ثم وللأسف نشهد منذ سنوات نكوصاً وتراجعاً واستسهالاً وبيعاً وشراءً من دون احترام لمنظومة القيم العامة التي يؤمن بها السوريون وهي شغفهم الوطني والاجتماعي. يجب العودة إلى الأسس وإجراء نقاش مع المسؤولين للخروج برؤية موحّدة حول الدور المستجَد للدراما لتقديم الشخصية السورية بما يليق بها وبدورها على رغم الجراح النازفة، ففي اللحظة الصعبة تُختبر المعادن الأصيلة.

تم التركيز من قبل خصوم سورية- في الجانب الفني- على دراما ملتبَسة تطرح فكراً ملفّقاً ومتعصّباً. وترافَق ذلك مع محاولات تشويه وتشهير وتهديد، تعرفونها كلكم.

تمت مصادرة الدور الوطني للدراما السورية في المحطات العربية عبر الإغواء المادي للفنانين، أي تحويل الفنان إلى «حرفي- دور مقابل مال».

نحن لا نطالب أن يجوع أحد، لكن لا نقبل أيضاً أن نكون عبيداً لهذا المنطلق. يجب إعادة الدراما إلى السيادة الوطنية الثقافية السورية، لأنها قضية وطنية بامتياز، ورسم الحدود الجديدة بناءً على ما استجد من أمورٍ، وفظائعٍ أيضاً. وهنا لا بد من التنويه إلى أن بعض جهات الإنتاج تحولوا إلى «تجّار» حتى لو أدت تجارتهم إلى إهراق الدم السوري. لكن بعض جهات الإنتاج في المقابل، حافظت على سويةٍ فنية ووطنية تستحق عليها الاحترام على رغم خسائرها.

لا بد من أن يكون واضحاً لنا جميعاً أننا لسنا في زمنٍ عادي، بالتالي المطلوب أن تكون حلولنا ومقارباتنا جريئةً ومبدعةً وغيرَ عادية.

«نحن نخوض معركةَ وجودٍ وحربَ مصيرٍ بمعاني الكلمةِ كلَها».

وهذا يتطلب أن يكون هنالك سقف، مهما كان عالياً، من حق الوطن أثناء الحروب المصيرية أن يصطف الجميع خلفه. هذا عنوان، أما الصيغ والأساليب فيجب أن تُترك للمبدعين وحدهم. هذا ليس «إلزاماً رقابياً» بل مشترك وطني يتعلق بوجودنا.

لنكن واضحين. إن معركتَنا سياسيةٌ في شكلٍ سافرٍ. أعداؤنا يَستهدفون نسفَ البنى الوطنية عبر تمزيق النسيج الوطني والديني والثقافي. لذلك لا يمكننا الهرب من المآل السياسي في الدراما، لكن هذا لا يعني إلزامَنا بالسقوط في الفجاجة والمباشرة والشعاراتية، ولا بالسكوت على الفَساد والمفسدين وتجار الأزمة والأغبياء والحمقى واللاعبين بالمصير العام.

يجب أن يُترك للمبدع أشكالُ التعبير كلَها من خلال السقف العالي للفهم المشترك لطبيعة اللحظة التاريخية التي نمر بها

ولدينا الآن آلاف القصص… مرمية على الطرقات، على المبدع التقاط لآلئ القصص من البيوت والحواري والقرى.

وهنا لا بدّ من التنويه أنه: لا يحق لأي جهة منتجة أن تراعي مصالح الآخرين الأيديولوجية والسياسية على حساب وطنِنا وشعبِنا.

وطنُنا وشعبُنا أولاً، لأنه مظلومٌ ولأنه بطلٌ يخوض حرباً عادلة، وهو على حق.

لقد انتهت مرحلة، ونحن في زمنٍ مختلفٍ، لذا يجب إعادة النظر بأساليب القراءة والرقابة، ومنطق «الرقابة ذاته» يجب ألا تترك لجهة واحدة مهما بلغت جدارتها الرقابية. يجب أن تكون مشتركة بين عناصر الصناعة الدرامية كلها.

من غير المقبول أن يأتي قارئ ليقدم ورقة بوجه كاتب وكأنه يضع له علامة فحص. وفي أغلب الحالات يكون الكاتب أجدر من الرقيب بجميع المعايير. لا بد من تغيير قواعد الرقابة. والبحث عن شكل جديد لا يحابي أحداً ولا يظلم أحداً ولا يترك فرصة للمزاج والمحسوبية والانفعالات الشخصية في تقييم النصوص والأعمال المنجزة بحيث يطاول آليات الرقابة كلها.

وهنا لا بدّ لي أن أؤكد إلى أنّ جيشَنا وشبابَنا الوطني يخوضون حرباً ضارية ببسالة منقطعة النظير ولولاهم لما قُيّض لنا الاجتماع هنا البتة. إنهم ينقذون الوطن والمجتمع والتاريخ والمستقبل وقد بذلوا في سبيل ذلك نهراً من الدم. هؤلاء بشر لهم قصص وحكايا وبطولات وآلام وأطفال وأمهات. الأخلاقُ والشرف والوطنية تقتضي أن نتوقف عندهم طويلاً. من حق شعبنا أن يشاهد أمثولاتهم على جميع الشاشات.

وبوضوحٍ كامل:

لا يوجد أي عذرٍ لأحد من أطراف العملية الإنتاجية في تجاهلِ هؤلاء الشرفاء الذين منحونا وجودَنا الشخصي والوطني، ببطولاتهم وشهادتهم؟!

آمل أن يوَفّق فنانونا بالتوافق على رؤيةٍ مشتركة جديدة ومبدعة لنساهم جميعاً في معركة الدفاعِ عن وجودِنا الوطني والثقافي وفتحِ نافذةٍ للضوء لرؤيةِ المستقبل. ومًن أجدرُ من المبدعين بقراءةِ المستقبل وتحديدِ ملامحَ الطريق؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى