الغياب عن إهدن مجدداً…
روزانا رمّال
قداس إلهي في ذكرى مجزرة إهدن في باحة قصر الرئيس الراحل سليمان فرنجية امس، والذي لم يغصّ كما العادة قبل الصراع الرئاسي بين المسيحيين الأقطاب بالوافدين لإحياء الذكرى الأليمة من تاريخ الحرب اللبنانية التي كان من المفترض أن تشكل مساحة «وحدة» و»عبرة» من أجل الوقوف بوجه الذين يصطادون في الماء العكر لمتابعة الخلافات بين القوى المسيحية، خصوصاً في هذه الفترة الدقيقة من عمر المنطقة.
وفي الوقت الذي تعتبر فيها مناسبة إحياء مجزرة إهدن هذه السنة «استثناء» للإعلان سلفاً أنه ستكون هناك كلمة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لم يسجّل حضورٌ لقوى سياسية أساسية لافتة في الذكرى مع غياب قوى حليفة لفرنجية أيضاً للسنة الثانية على التوالي كحزب الله مع ما تردّد أن أوساطاً رفيعة في الحزب تواصلت مع رئيس تيار المردة متضامنة معه في هذا النهار، الأمر نفسه انسحب على تيار المستقبل الذي مثله الوزير محمد كبارة قبل أن يغادر.
يبدو أن فرنجية وتيار المردة خارج زمن التوافقات الذي يعيشه الأفرقاء بثنائيات وثلاثيات جديدة برزت. ويبدو الخلاف هذه المرة أبعد من مسألة رئاسة الجمهورية. ففي وقت كان يتوقع أن يكون الحضور السياسي هذه السنة أقوى من التي مضت بسبب انتهاء الخلاف، وما يسببه من إحراج للحلفاء والحلفاء المتقابلين يتبين اليوم أن الخلاف أبعد ويتعلق بمفاهيم قد تغيّرت وموازين قوى وتحالفات انتخابية وخلافات تصل لحدود قانون الانتخاب. فقد بدا فرنجية في كلمته مصراً على تقديم مواقف حادّة من الاتفاق الذي جرى على القانون الجديد وروحية سلسلة القوانين المطروحة مع رسائل واضحة للتيار الوطني الحرّ والحلف المسيحي الثنائي مع القوات اللبنانية. فرنجية المطمئن للفريق المسلم في البلاد يقول إن المشكلة لم تكن يوماً مع الشريك الشيعي او السني في إشارة الى الخلاف مع الفريق المسيحي الذي لا يريدنا كشريك معرجاً على انقلابهم على بكركي، حسب تعبيره.
وتتوقع مصادر متابعة عبر «البناء» أن تكون «مسألة غياب تمثيل حزب الله وغياب الحشد السياسي من قوى الثامن من آذار هو للأسباب «المعروفة» سابقاً التي لم تنتفِ ظروفها حتى الساعة إضافة الى توقع القوى سلفاً أن تتضمن كلمة فرنجية تصعيداً بوجه التكتل المسيحي المقابل. وهذا ما يصبح محرجاً حال التحشيد، حيث سيفسر كدعم وموافقة على مضمون الكلمة. وهو ما يصبح محرجاً في فترة وضع اللمسات الأخيرة على قانون الانتخاب الذي يعتبر حزب الله شريكاً فيه او موافقاً عليه بالحد الأدنى. على هذا الاساس لا يمكن تحمّل تغطية كلمة تصعيدية من هذا النوع. وهو الأمر نفسه الذي ربما ينسحب على حضور تيار المستقبل وهذا بالأحوال كلها يؤكد ان «الخلاف» لا يزال موجوداً وأن هناك حسابات محلية لا تزال محط خلاف كبير بين فرنجية وحلفائه. مع العلم ان هذا لا يندرج ضمن أي خلاف حول الثوابت الوطنية او الاستراتيجية بين الطرفين بما يتعلق بالمقاومة. وهي مسألة لا تدخل فيها الحسابات المحلية على الإطلاق».
وعلى أن المواقف لا تزال على حالها تتكشف الخلافات بعناوين مختلفة، ففيما كان من المفترض أن يكون الخلاف على رئاسة الجمهورية، هو الأكثر حدّة وسبب الانقسام المسيحي يتبين أن المسألة تتعلّق بما يعتبره فرنجية قرارات ومواقف إلغائية. والأمر يتعلّق بلعبة سياسة تبتغي التخلص من قوى مسيحية ورسم صورة جديدة لميزان القوى السياسي الجديد ولمعنى الشراكة ككل.
وبغضّ النظر عن الحضور والغياب فإن قانون الانتخاب الذي تجزم المصادر أنه بات على نار حامية موضوع ضمن مرحلة إعلاء سقف الشروط فقط التي لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وهذا يعني أنه وبحال الاتفاق على قانون الانتخاب سيكون على فرنجية خوض غمار انتخابات بشكل مختلف وتحالفات محلية جديدة. فالثنائي المسيحي ماضٍ في خياراته وحساباته التي يجدها مصلحة كي يعيش التحالف أكثر ويؤسس لإمكانية شراكة جديدة حكومية على غرار تلك التي شكلت اليوم في حكومة الرئيس سعد الحريري، بحيث يمكن تكرارها. وهذا يعني ان الحلف يتوخى المحافظة على أسلوب حراكه السياسي نفسه بعد الانتخابات النيابية المفترضة.
حزب الله الذي يحرص على حليف كفرنجية ويحرص على الاتصال والتضامن. وفي هذه المجزرة التي شكلت مفصلاً وطنياً يظهر في الوقت نفسه حرصه على حماية التوافقات الحالية. وهو ما يبدو غير مستعد للتفريط فيها، بعدما أصبحت الأمور في خواتيمها. فمسألة اعتماد قانون انتخابي جديد أصبح حاجة وطنية بغض النظر عن مضمون تفاصيله التي وضعت الأفرقاء بدون استثناء أمام مأزق العودة إلى قانون الستين أو التمديد. وهي الهاوية التي جهد حزب الله لإقناع حلفائه قبل خصومه بضرورة التحسّب من مخاطر الوقوع فيها.
تبدو المعركة الانتخابية شمالاً حاسمة وحامية في الوقت نفسه، لكنها بالتأكيد ستؤسس لشكل المرحلة المقبلة والتحالفات الجديدة التي قد لا تبقي الأمور على حالها أو «ركودها» وتُعيد خلط الأوراق من جديد.