«رسالة إلى حافظ الأسد من كاره للنظام»
د. هيثم مناع
وصلنا هذا المقال المنسوب للمعارض السوري الدكتور هيثم مناع، في ذكرى رحيل الرئيس حافظ الأسد، ولم يُتَحْ لنا التأكد من مصدره وصحته سوى تكرار نشره ليومين متتاليين وعدم صدور نفي له، لكنّه يستحق القراءة الافتراضية، ولو ثبت لاحقاً أنّ المنسوب إليه كتابته ينفي هذه النسبة …
بعد كلّ ما جرى.. وبعد التعرّف على شعبي السوري.. وعلى مثقفيه وفئاته وحدود تفكيرها..
أقرّ أنا الكاره السابق للنظام.. والهارب من الخوف والذلّ.. والعائد إليه لاحقاً بإرادتي.. أنّ حافظ الأسد أعظم رجل في التاريخ السوري..
فهو أفهم من الأدباء والمثقفين بأنفسهم.. أدرى من المتديّنين بربّهم، وأعلم من الخونة… والقتلة بما في صدورهم.
حافظ الأسد عرف السوريين جيداً.. وعرف أفضل طريقة ممكنة لسياستهم.. فحاسب كلاً كما يستحق، تماماً بحسب أثره في المجتمع من دون أدنى ظلم..
عرف كيف يُرضي المتديّنين ويضحك على عقولهم ويكسبهم.. وأجبر الدين أن يبقى حيث يجب أن يبقى.. في البيت والجامع.. فلا يخرج إلى الحياة السياسية.. وأشرك في المقابل كلّ الطوائف في الحكم.
طهّر الأرض من المجرمين والقتلة.. وجفّف منابعهم الطائفية بالقوة.. وكسب البيئات الدينية المعتدلة التي تسمح لغيرها بالحياة.. واندمج فيها فأحبّته من قلبها وأغلبها لا تزال مخلصة له حتى الآن.
لم أكن أعرف ما هي الطائفية على أيامه وقضيت أغلب سنيّ عمري لا أجرؤ على التلفظ بأسماء الطوائف حتى بيني وبين نفسي..
كم كان ذلك جميلاً.. أن يقمع رجل عظيم الشرّ الكامن فينا حتى قبل أن ينبت..
عرف نوعية المثقفين لديه.. فعامل كلاً منهم كما يستحق..
احترم بعضهم وقال له أفكارك لا تنفع هنا. فاصمت أو ارحل وعد متى شئت.. مثل نزار قباني والماغوط وممدوح عدوان وأدونيس..
ومَن لم يفهم أو كان حالماً وربما كان سيتسبّب بالبلبلة
فقد جنى على نفسه وسُجن حتى لو كان من طائفته
فلا فرق عند هذا الرجل العادل.. مثل عارف دليلة وعبد العزيز الخير ومئات آخرين..
ميّز المثقفين الطائفيين والحاقدين المخرّبين للمجتمع كما أثبت الزمن اللاحق فسجنهم.. وإن لم يكونوا قد استحقوا سجنهم وقتها – ولا أعتقد – فقد استحقوه بجدارة لاحقاً.. مثل ياسين الحج صالح وميشيل كيلو وحازم نهار وفايز سارة ولؤي حسين وأمثالهم..
طوّع المثقفين الدنيئين الذين يبحثون عن مستأجر.. ووجد لهم عملاً يتعيّشون منه طالما هم تحت الحذاء.. حيث مكانهم المستحقّ.. مثل حكم البابا وعلي فرزات وأمثالهم..
اهتمّ بالفنانين والشعراء السوريين والعرب الذين يستحقون الاهتمام.. مثل مصطفى نصري والجواهري والرحباني، وغيرهم.
حصر الدعارة في أماكن مخصّصة لها بدلاً من أن تنتشر في الشوارع والمقاهي وأماكن العمل والصحف.
عرف كيف يستقرّ الحكم ويتوازن من دون مشاكل.. استعمل الوطني كالشرع.. والوطنيين المؤلفة قلوبهم.. أيّ مَن يحتاج للمال حتى يبقوا وطنيين كخدام والزعبي وأمثالهم..
أطعم الفاسدين بميزان دقيق.. وصرامة.. فكانوا لا يجرؤون على القضم أكثر مما يُسمح لهم..
أرضى التجار والعائلات الكبيرة..
كان رجلاً ترتعد له فرائص أعدائه وأصدقائه في الداخل والخارج.. فحكم أطول مدة في التاريخ السوري الحديث..
كان حافظ الأسد الحلّ الأمثل لسورية مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الشعب وثقافته وظروف البلد والأخطار المحيطة به..
فبنى سورية الأمن والأمان.. سورية المنيعة في مواجهة أعدائها.. سورية المدارس والمستشفيات المجانية.. سورية السلع المدعومة.. سورية الفقر الموزّع بالتساوي بين الجميع.. ولو كان الغنى ممكناً لوزّعه بالتساوي..
عاش بسيطاً فقيراً.. ومات فقيراً لا يملك شيئاً..
كان رجال دولته يتمتّعون بالنساء والمال والاستجمام في أجمل مناطق العالم، وهو يعيش في شقته المتواضعة.. لا يفكر إلا بمصلحة الشعب.
عرف كيف يضع حذاءه في فم «إسرائيل» والغرب وأعوانهم ملك الأردن وعرب البعير والميليشيات اللبنانية..
عادى عرفات والسادات وكلّ من فرّط بشبر من أرض فلسطين..
ضبط الميليشيات الفلسطينية بالقوة وبنى مقاومة لبنانية ودعم الفلسطينية ووجّههما تجاه العدو، وبنى توازن رعب يعمل الأعداء وعملاؤهم في الداخل والخارج منذ سنوات على تفكيكهما..
بنى لسورية قيمة أكبر من مساحتها وقدراتها قبل أن ينقضّ عليها أعداؤه بعد مماته لاعنين روحه.
فعل كلّ ذلك باللين والحب عندما كان ينفع.. وبالشدّة والبطش تارة أخرى.. لا يزال كارهوه يخشونه حتى الآن..
لن يستطيعوا هزيمته في رؤوسهم.. ومهما حدث سيبقى ذلاً أبدياً لهم.. لن يستطيعوا تجاوزه..
كثير كثير.. لا مجال يتسع لتعداد مناقب هذا العظيم العظيم.. كان رجل دولة من أرفع طراز.. لا يتكرّر إلا كلّ بضعة قرون.
أقول هذا.. أنا مناصر الإنسانية والحريات وحقوق الإنسان..
بعد تجربتي مع شعبي السوري ومثقفيه وموالاته ومعارضته..
لاقتناعي بأنّ سياسة حافظ الأسد هي السياسة الأمثل التي تخفّف الألم السوري الكلي إلى حدّه الأدنى..
والدليل ما يحدث الآن..
وأعلن أني مستعدّ للعيش في سورية تحت حكم رجل مثله، بغضّ النظر عن طائفته، طالما أنه على عهده لا يجوع فقير ولا يجرؤ أحد على استباحة دم أحد.. ولا تستطيع الكلاب أن تفلت في الشوارع.
«تعلم أنك ولدت في المكان الخطأ والزمن الخطأ بين الناس الخطأ.. عِش بسلام كما يليق بك بين الأنبياء»…
رئيس هيئة الإنقاذ المعارضة