مؤسسة القدس الدولية: الاتجاه التاريخي لوضع الأقصى في الذكرى الـ50 لاحتلال القدس كلها

في الذكرى الخمسين لاحتلال كامل مدينة القدس، أصدرت مؤسسة القدس الدولية قراءةً تاريخية لتطوّر العناصر المهدّدة لهوية المسجد الأقصى، في مقابل أطواق حمايته، أو عناصر القوة التي تحيط به، تحت عنوان «أخطارٌ تتصاعد وأطواق حمايةٍ تتهاوى».

وشخّصت الدراسة ضمن الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى أربعة عناصر أساسية. هي: تحوّل طبيعة النخبة السياسية نحو اليمين، وصعود جماعات المعبد – المنادية ببناء المعبد في مكان المسجد الأقصى وعلى كامل مساحته – لتستحوذ على نفوذٍ نيابي وحكومي حتى وصلت لربع مقاعد حكومة نتنياهو الرابعة، والثاني تبدّل الفتوى الدينية اليهودية التي كانت تحظر دخول اليهود للمسجد إلى فتاوى تسمح بل وتوجب ذلك، وتبدّل الموقف الأميركي من موقفٍ مطابق للقانون الدولي يرى في المسجد أرضاً محتلة ولا ينازع في هويته الإسلامية، إلى تبنّي مصطلح «جبل المعبد» الصهيوني وتقديمه على المسجد الأقصى في الوثائق الرسمية الصادرة عن الخارجية وآخرها تفاهمات كيري، في حين يتمثّل العنصر الرابع والأخير بتقدّم الحفريات من نقاط بحثٍ وتنقيب آثارية إلى مدينة سياحية متكاملة تحت المسجد تسرق فضاءه التحتي وتروي رواية مزوّرةً عن تاريخه لثلاثة ملايين زائرٍ سنوياً. وتوسّع التغييرات في محيط المسجد من هدم وإزالة المعالم العربية والإسلامية عام 1967، إلى تأسيس منشآتٍ ومعالم تهويدية تغيّر هوية محيط المسجد بات عددها ثمانية.

وتخلص القراءة في هذا الاتجاه إلى أن عوامل الكبح الذاتية والدولية للصهاينة تجاه المسجد الأقصى المبارك باتت تتآكل إلى حد الذوبان، وهذا ما يفسّر الهجمة المستجدّة لتغيير هويته.

ورصدت الدراسة في الاتجاه الثاني أطواق الحماية التي يعتمد عليها المسجد الأقصى المبارك والتي تتمثل في 4 عناصر أساسية:

الأول كان المقاومة، إذ شهد تاريخ فلسطين منذ الاحتلال البريطاني 5 مواجهاتٍ جماهيرية شكل الأقصى عنوانها المركزي، اثنتان تحت الانتداب -انتفاضة موسم النبي موسى 1920 وثورة البراق 1929 – أسستا لمعادلة الردع والرهبة الصهيونية من الاعتداء على المسجد، وثلاثة منها في العقود الثلاثة الماضية: هبة النفق 1996، وانتفاضة الأقصى 2000، وانتفاضة القدس 2015.

وتخلص الدراسة هنا إلى أن المسجد الأقصى شكل المركز الرمزي للصراع الذي انطلقت لأجله آخر ثلاث جولات مواجهة شعبية على مدى العقود الثلاثة الماضية، وأن هذا الاتجاه يتجه للاستمرار، ومع تقييم انعكاس هذه الجولات على المسجد كان وضع المسجد يتراجع بشكلٍ مطردٍ رغم أن هذه الهبّات قامت لحمايته، وقد حاولت الدراسة تفسير ذلك.

2 – العنصر الثاني كان التواجد الشعبي الكثيف، والذي بدأ يتآكل بعزل فلسطينيي غزة عام 2000، ثم عزل الضفة الغربية عن القدس عام 2003، ثم ضرب مؤسسات الرباط وحركة المرابطين والحركة الإسلامية بأسرها لتثبيط قدرة فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 على الوصول إلى المسجد، وفرض الحواجز والأطواق الأمنية، حتى بات المسجد في أقصى درجات انكشافه عن المدّ البشري منذ احتلاله.

3 – العنصر الثالث: إدارة الأوقاف الأردنية للمسجد، التي تشكل مكتسباً للحفاظ على هويته الإسلامية، وعلى انتظام تواجد إداراتٍ تمثل ذلك فيه، إلا أنها تتجه إلى تخفيض سقوفها بشكلٍ متتالٍ بعد كل جولة ضغوطٍ جديدةٍ عليها.

4 – العنصر الرابع: الإدانة الدولية المتكرّرة لكل اعتداءٍ على هوية المسجد واعتباره باطلاً ولاغياً، سواء عام 1968 أو عام 1969 بعد إحراقه أو بعد قرار ضم القدس عام 1980 أو بعد مجزرة الأقصى 1990 أو بعد هبّة النفق عام 1996 أو بعد اقتحام شارون للأقصى عام 2000. ورغم أن موجة الاعتداءات الأشد والأخطر على هوية المسجد جاءت بعد ذلك، إلا أن الدول العربية لم تأخذ قضية الأقصى إلى هيئات القرار في الأمم المتحدة – الجمعية العامة ومجلس الأمن – ولا مرة واحدة، واكتفت بإبقاء النقاش داخل اليونيسكو التي هي جسم تنفيذي متخصص تابع للأمم المتحدة، فعطّلت بنفسها الطوق الرابع من أطواق حماية المسجد.

وتشير الدراسة إلى أن الاتجاهين اللذين تمّ رصدهما يسيران في المحصلة ذاتها نحو مزيدٍ من تهويد المسجد الأقصى ومن تهديد هويته الإسلامية، وأن قلب هذه العملية التاريخية لا يمكن أن يتمّ بين يومٍ وليلة وليس له حلول مباشرة، واقترحت انطلاقاً من ذلك منهجين في التعامل مع الصراع على هوية المسجد:

الأول هو وقف الحدّ من الخسائر وإطالة عمر الصراع بمحاولة رصد معاركه المقبلة وخوض كل واحدةٍ منها حتى نهايتها، رغم إدراك إمكانية خسارتها.

الثاني هو محاولة تغيير البيئة المحيطة للحد من الأخطار واستعادة الأطواق وعناصر القوة المضادة لها، ثم قدّمت مقترحاتٍ تفصيلية انطلاقاً من المنهجين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى