عرب التاريخ: أنا وأخي وابن عمّي عالغريب أعراب اليوم: أنا والغريب ولو كان «إسرائيلياً» على أخي وابن عمّي
اياد موصللي
نعيش اليوم سوق عكاظ جديد يتبارى فيه قادة عرب الخليج ويتبادلون الاتهامات ويندّدون بالخيانات التي ترتكب بحق هذه الشعوب والحكومات والأوطان.. عبر دعم وتشجيع الإرهاب التكفيري وتهديم البلاد وقتل مواطنيها في سورية والعراق ولبنان وليبيا واليمن.. قرارات وعقوبات اتخذت بحق إمارة قطر.. عزل ومقاطعة قرار صدر عن المملكة العربية السعودية وتبعها فيه آخرون.
نحن قبل هذا الاتهام والردّ عليه كنا نعرف والعالم كله يعرف انّ الإرهاب الذي غزا بلادنا وأحدث فيها دماراً وقتلاً وتنكيلاً جاءنا هذا الإرهاب مدعوماً بالمال والسلاح والرجال من حكام السعودية وقطر تحديداً وشارك فيه الكثيرون من الأعراب.. بدءاً من الجامعة العربية الى حكومات قطعت علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع سورية. الاتهام يوجه اليوم الى قطر على انها راعية هذا الإرهاب، وهو اتهام غير مبالغ فيه، ولكن شهاب الدين مثل أخيه، فقطر لم تكن وحدها راعية الإرهاب بل معها شركاء وموجهون ومرشدون تتقدّمهم السعودية وبعض دول الخليج…
هذه الاتهامات وهذه الأموال التي أنفقت لتدمير بلادنا، وهذه الضحايا التي سقطت من رجال ونساء واطفال، وآثارنا ومتاحفنا ومساجدنا وكنائسنا ليست جديدة وليست مستغربة وليست ترتكب للمرة الأولى في التاريخ.
نقف مشاهدين متأمّلين الأبواق التي تنفخ وتبثّ أنغام المذهبية والطائفية في مصر بين المسلمين والأقباط.. وفي لبنان بين السنة والشيعة والمسلمين والمسيحيين.. وفي الشام بين الأكراد والتركمان والعرب وبين السنة والشيعة والعلويين..
نرى السيوف على الرقاب ونرى الأبنية في الوهاد وكلها تحت شعارات دينية تكفيرية لم ترفع مثلها في الحروب والفتوحات الأولى..
وبدأت الناس تتساءل من أين جاءت هذه الثقافة وما هو مصدرها.. والجواب هو الفكر من نتاج سعودي والأدوات من جهد قطري.. وكلّ هذا يؤدّي في النتيجة الى تدمير في إيمانها ومعتقدها وسياستها.. ويحرفون الآية الكريمة التي تقول: «اعملوا وسيرى الله أعمالكم والمؤمنون»، وجعلوها.. اعملوا وسيرى أعمالكم الاسرائيليون وهم بكم مسرورون فرحون…
عندما نفتش عن الدور اليعربي في إنشاء وتكوّن الفكر التكفيري الذي جاء دعماً للمخطط الصهيوني تتوقف عند مفاصل بارزة في التاريخ.. فمن تسهيل سكن اليهود في فلسطين من قبل أشراف مكة في السعودية وسلالاتهم.. لم نر أيّ موقف إيجابي لهؤلاء الأعراب في حروبنا مع «إسرائيل» لا في عام 1948 ولا في اية موقعة أخرى.. هذه هي صفحات التاريخ أمامنا، دلوني على موقعة خاضها الجيش السعودي او القطري او قوات خليجية في فلسطين قبل سقوطها واحتلالها أو بعد سقوطها او احتلالها لم يسجل التاريخ ايّ موقف ميداني سوى المواقف السياسية والمقترحات للتسوية والحلول.. وجيوشهم اليوم تملأ اليمن وليبيا وإرهابيوهم في سورية والعراق.
ما جرى في الشام والعراق هو مخطط «إسرائيلي» نفذ بأيد عربية تمهيداً لإزالة كلّ العقبات التي تعيق السيطرة الكاملة لإسرائيل.. وأبرز دلائل هذا التنسيق تصريح وزير الأمن الاسرائيلي بأنّ علاقات دبلوماسية تنشأ بين «الدول العربية المعتدلة» و»إسرائيل».. والعنوان الأبرز هو مطالبة نتنياهو بإلغاء منظمة الإغاثة الفلسطينية اونروا .. لأنه يعلم انّ التسوية حصلت سراً وستعلن قريباً.
نحضّر للتسوية مع «إسرائيل» والحرب مع إيران.. «إسرائيل» تقول في البروتوكول الاول:
عقيدة هذا الشعب المختار انه يستطيع أن يفسد العالم ويخرّبه ويقيم على أنقاضه ملكاً يهودياً داودياً ينفرد بحكم العالم بأسره وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن، وإيران تقول: تعالوا نبحث الخلافات ونزيلها فنحن واياكم لا يوجد عداء يفرّقنا، نحن اخوة…
لم يشاركوا بالحرب من اجل فلسطين ولم يقيموا مخيماً واحداً للاجئين الفلسطينيين في بلادهم. لم يصرفوا الأموال ولو بالقطارة على إخوانهم المشرّدين من بلادهم فيما هذه الأموال تصرف بالقنطار وتقدّم هدايا..
منذ نشأت المسألة الفلسطينية وعلى مختلف الأدوار والمراحل، ورغم وضوح الموقف الأميركي والغربي من قضية فلسطين، والأعراب يجرون خلفهم كذيل رخيص ولا زالوا كذلك يتلقون الأوامر ويطيعون..
في الحرب لإنقاذ فلسطين لم يشاركوا لا أفراداً ولا جيوشاً.. لم يكن لهم ايّ دور إنقاذي، بل التغاضي عن كلّ ما تؤدّي لمصلحة «إسرائيل» وكلّ ما يجري على الساحة اليوم هو في النهاية يصبّ في مصلحة «إسرائيل»..
سؤال نكرّره ونطرحه..
هل الحرب ضدّ ايران والشيعة مشروعة أكثر من الحرب ضدّ «إسرائيل»… لماذا؟ أوليس في العرف الديني انّ المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً وعشائرياً «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب»…
فالتاريخ يخبرنا انّ الوهابيين شنّوا منذ عام 1790 الحروب على العراق وتحديداً النجف وكربلاء وتعدّدت حروبهم، وفي العام 1801 هاجموا بلدة عانة العراقية وقتلوا ونهبوا ودمّروا، وعام 1802 هاجموا كربلاء وهدموا قبر الحسين ونهبوا محتوياته وقتلوا السكان.
وفي يوم 22 من شهر نيسان من سنة 1802 من شهر ذي الحجة من سنة 1216 هجرية هاجمت هذه المجموعات المسلحة الوهابية مدينة كربلاء دخلوا المدينة على حين غرة لكون هذا اليوم يصادف عيد الغدير وكان معظم السكان في مدينة النجف لإحياء هذه المناسبة، وعند دخول المهاجمين الوهابيين المدينة تعالت أصواتهم اقتلوا المشركين ناسين تعاليم الدين بأنّ من كفّر مسلماً فقد كفر.
وكانت الفاجعة الكبرى والتي دلت على منتهى القسوة والهمجية والطمع واستخدمت اسم الدين فيها، حيث داهمت كربلاء أعداد كبيرة قدّرتها بعض المصادر بـ 14 الى 16 ألف فارس وراجل، وذكرت مصادر أخرى أنهم بحدود 25 ألفاً من الفرسان وقد امتطوا الجياد العربية الأصيلة.
وبدأوا يقتلون كلّ من يلقونه في طريقهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وشقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدّسة وأخذوا يخرّبونها فهدموا القبة التي تقع فوق ضريح الإمام الحسين، وهدموا أجزاء من القبر ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشاوات والأمراء وملوك الفرس، ونهبوا المجوهرات الثمينة وحرقوا الكتب والمصاحف، وكذلك سلبت الزخارف بعد ان قُلعت من الجدران وقلع الذهب من السقوف، كما أخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر وقلعت الأبواب المرصّعة وقد سحبت جميعها ونقلت للخارج، وزيادة على هذا فقد قتل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من ضريح الحسين وخمسمائة أيضاً خارج الضريح في الصحن، ودقوا القهوة في الرواق الحسيني، وبدأوا شربها. اما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة فيها فساداً وتخريباً، وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه في طريقهم كما سرقوا كلّ دار ولم يرحموا شيخاً ولا طفلاً ولم يحترموا النساء ولا الرجال، واختلف المؤرّخون بتقدير الضحايا التي فاق عددها الخمسة آلاف نسمة، وقدّرها بعضهم بثمانية آلاف. تذكروا مذبحة دير ياسين وما فعله الاسرائيليون بأهلها. ونقول مع المثل وتشبّهوا ان لم تكونوا مثلهم مسرورين..
لا شك أنّ أضرحة ومقامات الأولياء أصبحت معلماً أثرياً وتاريخياً، وملكاً للعالم وللشعوب كلها، ولم يكن المسلمون يوماً ينظرون إلى أصحاب المقامات والمراقد على أساس أنهم آلهة أو شركاء للإله، بل أضحت هذه الأماكن مكاناً للعبادة والتوحيد طالما يعتقد أتباعها انّ الأولياء الصالحين أصحاب تلك المراقد كانوا عنواناً ورمزاً للعبادة والتوحيد وكانوا أناساً صالحين مؤمنين داعين إلى عبادة الله وتوحيده، ليس هذا وحسب، ففي مصر لا تزال الأصنام والمسلات والأهرامات قائمة، ومع هذا لم يعد المصريون يقدّسونها ولا يعبدون الملوك الفراعنة، ولم يقم أحد بهدمها، وفي شرق المتوسط وأوروبا لا تزال توجد الكثير من الأصنام التي كانت تمثل آلهه عبدتها الشعوب السابقة مثل بعل، ومينرفا وديانا وزيوس وغيرهم الكثير، لكن تطوّرت هذه الشعوب وصارت تعتبرها جزءاً من الممتلكات الأثرية التاريخية ولم تعد تنظر اليها كآلهة. وفي دمشق قبر ومقام لصلاح الدين الأيوبي وتمثال ليوسف العظمة وأهل دمشق من المسلمين الاتقياء..
لذلك وجدنا انّ الارهابيين في الشام والعراق قتلوا وذبحوا ودمّروا المساجد والكنائس والآثار وقبور القدماء.
لجأ الوهابيون إلى تكفير من لا يقرّهم على تعاليمهم من المسلمين من المذاهب الأخرى، وذلك لتوفير غطاء ديني لغزواتهم ونهبهم. لذلك لجأت الوهابية إلى اعتبار العقيدة الوهابية هي وحدها العقيدة الإسلامية النقية الصحيحة وأنهم أيّ الوهابيون يسعون لإحياء التعاليم الإسلامية النقية وإعادة الإسلام إلى عهده الأول في زمن الرسول والصحابة. ولم نقرأ في ذلك التاريخ ما يشابه هذا الذي جرى ويجري. لذلك قامت بتكفير الشيعة والإباضية وغيرهما من المذاهب الإسلامية وحللوا قتلهم..
والمعروف أنّ الشعب المصري كان من أكثر الشعوب العربية ليبرالية وتسامحاً بين مكوناته، وخاصة التآخي بين المسيحيين والمسلمين. ولكن بدأت المشكلة بتأسيس حزب الإخوان المسلمين بتأييد ودعم سعودي والذي راح ينشر بذور العداء والبغضاء بين المسلمين وتحريضهم ضدّ الأقباط المسيحيين الذين يواجهون اليوم خطر الاختفاء من بلادهم مصر عن طريق القتل وإرغامهم على الهجرة.
ويورد الصحافي الأميركي وينزر على لسان أليكسي أليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 تموز/ يونيو 2003 بأنّ «السعودية أنفقت 87 مليار دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم»، وأنه يعتقد أنّ مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظراً لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفياتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991 حيث لم يتجاوز الـ 7 مليار دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إنّ خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في حزيران/ يوليو 2005 واغتيال الفنان تيودور فان غوغ الهولندي عام 2004». نفس المصدر .
ولم ننس بعد تحريض اميركا ضدّ عبد الناصر في اليمن..
دعم السعودية للإرهاب
واتخذ دور المملكة السعودية في دعم الإرهاب في الوقت الراهن، طوراً جديداً وزخماً كبيراً مع تأسيس منظمة القاعدة إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان وبدعم الاستخبارات السعودية. فقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» دراسة عن دور السعودية في الإرهاب في العراق، واقتبس الباحث قولاً عن صحيفة «الوطن» السعودية بأنّ «عدد القتلى من الجهاديين السعوديين بلغ 2000 شخصاً منذ عام 2003»، وتخلص الدراسة إلى أنّ السعودية «تميل نحو تشجيع ودعم المتمرّدين والمجاهدين السنة لخلق حالة اللا استقرار في العراق».
كما نشرت صحيفة لوس انجلس تايمز الأميركية دراسة عن دور السعودية في الإرهاب جاء فيها: وكانت السعودية مصدراً للتمويل والمقاتلين في القاعدة حيث أنّ 15 من أصل 19 من منفذي هجمات أيلول 2001 كانوا سعوديين. ويضيف: بعد هذا كله لم نعد بحاجة لمعرفة مصدر هذه الكوارث والمصائب، ولكننا نسأل بصراحة هل بذل جهد وصرف مال او قدّم عمل من أجل فلسطين يعادل ولو واحداً بالمئة من كلّ ما مرّ وذكر وكتب.
«إسرائيل» تهلل وتغتبط بهذه الشهادة الجديدة التي حازت عليها، شهادة الميلاد والقربى.. حيث بطل شعار «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب»، وصار: «أنا والغريب ولو كان إسرائيلياً على أخي وابن عمي»…