مخططات تصفية القضية… وتجريم المقاومة

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

واضح أنّ ما يحدث في منطقة الخليج العربي من تطورات متسارعة على خلفية الصراع بين قطر وما يسمّى بالتحالف الرباعي العربي السعودية، الإمارات، البحرين ومصر ، هو صراع على النفوذ والمصالح، صراع على القيادة الخليجية والعربية، وإنْ غلف وحمل عناوين مكافحة الإرهاب والموقف من إيران وجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وهذا الصراع يمكن توصيفه بأنه صراع قبلي بين جماعات قبلية تتنافس على الزعامة، ولكن في العمق يحمل مشاريع سياسية ذات أبعاد ودلالات خطيرة جداً، فمن بعد عقد القمم الثلاث في الرياض في العشرين من الشهر الماضي، وحشد أكبر اصطفاف عربي- إسلامي خلف «إمامة» ترامب، كان واضحاً بأنّ المقاومة الفلسطينية والعربية مستهدفة، حيث أكد ترامب في خطابه أمام القمة العربية – الإسلامية على أنّ حركات المقاومة حماس وحزب الله، هي حركات إرهابية، يجب العمل على محاربتها، وكان واضحاً بأنّ هناك موافقة عربية إسلامية ضمنية على ذلك، فلم يغادر ترامب الى واشنطن، حتى ظهرت فجأة قضية وأزمة قطر مع المحور والتحالف العربي السعودي الإماراتي – المصري – البحراني، بأنّ قطر من أكثر الدول دعماً وتغذية للإرهاب، وانّ أحد اشتراطات وقف الحصار ورفع العقوبات عن قطر وعدم تصعيدها نحو إسقاط وتغيير النظام فيها، طرد قيادات حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار انّ حركة حماس منظمة «إرهابية»، ولم يكن هذا فقط مطلب سعودي – إماراتي، بل مطلب أميركي- إسرائيلي بصمت وتواطؤ عربي – إسلامي مريبيْن… والأمور لم تقف عند هذا الحدّ، بل تصاعدت حدة الهجمة الإسرائيلية على المقاومة والنضال الفلسطيني، من أجل تجريمه وإلصاق تهمة الإرهاب به، بما يطلق يدها في تصفية القضية والمشروع الوطني الفلسطيني، تحضيراً لمشاريع سياسية خطيرة يجري طبخها أميركياً وبموافقة عربية وإسلامية، تمسّ بشكل مباشر طليعة النضال الوطني الفلسطيني الشهداء والأسرى، حيث اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع صادقت الأحد على حسم ما مقداره مليار ومئة مليون شيكل من مستحقات الضرائب التي تحوّل للسلطة الفلسطينية، والتي تشكل قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة لعائلات الأسرى والشهداء، وترافق ذلك مع فبركة إعلامية وتحريض مباشر من قبل رئيس وزراء الإحتلال نتنياهو ضدّ وكالة الغوث واللاجئين «الأونروا»، مطالباً بتفكيكها، ودمج أنشطتها وخدماتها مع أنشطة وخدمات المفوضية السامية العليا للاجئين، بادّعاء انه لا يوجد ما يبرّر استمرار الوكالة بتقديم خدمات خاصة للاجئين الفلسطينيين، وكذلك استمرار قيام موظفي تلك الوكالة بالتحريض المستمرّ ضدّ دولة الاحتلال، وهجمة نتنياهو على وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، جاءت بعد جولة مع مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة العنصرية المتطرفة نيكي هالي في احد أنفاق غزة المكتشفة منذ ما سمّي وعُرف بعملية «الجرف الصامد»، حيث جالا في النفق، ومن بعد ذلك أعلن أنه يجب تفكيك وكالة الغوث «الأونروا» لكون حماس حفرت نفقاً يمرّ بين مدرستين تابعتين للوكالة، وهي تستخدم السكان المدنيين كدروع بشرية.

من الواضح أنّ استهداف طليعة النضال الوطني الفلسطيني الشهداء والأسرى، كان أحد البنود الرئيسية في لقاء نتنياهو ترامب في 15 شباط الماضي، وأحد البنود التي ناقشها المستشار الخاص لترامب جيسون غرينبلات مع الرئيس عباس أثناء لقائهما في رام الله، حيث كان واحداً من الشروط التسعة المنقولة من الإدارة الأميركية الى قيادة السلطة في رام الله من أجل العودة الى المفاوضات.

وكانت بداية الاستجابة لهذا المطلب بوقف رواتب محرّري صفقة الوفاء للأحرار، تشرين الأول 2010، والآن اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع، تقرّ حسم مليار ومئة مليون شيكل من الضرائب على البضائع الفلسطينية التي تحوّلها «إسرائيل» للسلطة الفلسطينية، وهذا المبلغ يعادل قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات وأسر الشهداء والأسرى.

تجريم النضال الوطني الفلسطيني واعتباره شكلاً من أشكال الإرهاب، هذا النضال الذي كفلته الشرعية الدولية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال من اجل نيل حريتها واستقلالها، يستهدف تكريس وشرعنة الاحتلال، واعتبار مقاومته إرهاباً، وهذا يتفق مع قالته المتطرفة نيكي هالي المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، بأنّ زمن تقريع «إسرائيل» في الأمم المتحدة قد ولى، وانها «ستضرب بالحذاء كلّ من يتطاول على إسرائيل».

استهداف وكالة الغوث واللاجئين «الأونروا» والمطالبة الإسرائيلية بتفكيك أنشطتها وخدماتها يحمل نفس الأهداف والمضامين، تصفية للقضية الفلسطينية، والمرتكز الأساسي للمشروع الوطني الفلسطيني، ألا وهو حق العودة، الذي كفلته الشرعية الدولية أيضاً لشعبنا الذي طرد وهجر من أرضه وعنها قسراً من قبل العصابات الصهيونية التي ارتكبت الجرائم والفظائع بحقه، وفق القرار الأممي رقم 194 ، «إسرائيل» لا تريد لقضية اللاجئين أن تبقى شاهداً حياً على جرائمها بحق شعبنا، ولا تريد أن تتحمّل وتعترف بالمسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه الجريمة، ولا تريد لشعبنا ان يعود لوطنه وأرضه من المنافي ومخيمات اللجوء التي يعيش فيها في ظروف مأساوية تفتقر الى أدنى مقومات الحياة الإنسانية، تريد لهذا الشعب ان يختفي ويوطن خارج أرضه.

وكالة الغوث واللاجئين «الأونروا» يجب أن لا تفكك وتتوقف أنشطتها وخدماتها للاجئي شعبنا الفلسطيني، او ان تدمج ضمن المفوضية السامة العليا للاجئين، فوضع شعبنا اللاجئ يختلف عن باقي لاجئي العالم، الذي غادروا بلدانهم قسراً بسبب الحروب او المشاكل العرقية والمذهبية فيها، فهم يعودون إليها مجرد توقف تلك الحروب والمشاكل، ولكن نحن أمام عدو استيطاني، اقتلاعي، إحلالي، لا يعترف بحقنا بالوجود.

مخططات تصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني تتواصل وتتسارع، والمسرح السياسي الذي يجهّز لتصفية قضيتنا، قد يحمل في المستقبل القريب، عدواناً وحرباً شاملة على المقاومة الفلسطينية وشعبنا في قطاع غزة، بغرض تصفية أيّ اعتراض على هذا المشروع التصفوي، ولربما تجري اتفاقيات تحمل نفس المضامين، تكرّس انفصال الضفة الغربية عن القطاع، عبر إقامة دويلة فلسطينية هناك، على أن يجري تقاسم فائض الأرض الفلسطينية الزائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية، بين الأردن والسلطة الفلسطينية ضمن فيدرالية، أو أن يقوم إطار اقتصادي إسرائيلي فلسطيني – أردني، يكرّس ويشرعن الاحتلال، ضمن ما يسمّى بمشروع نتنياهو للسلام الاقتصادي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى