إعادة مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية خطوة تمهيدية تسبق إعادتهما لسلطة «إسرائيل»

اياد موصللي

قرار مصر إعادة جزيرتي تيران وصنافير الى السعودية.. رغم حكم قضائي قضى بإبطال هذا القرار، تأكيد على التقيّد بتنفيذ عدد من الدول العربية لما أوكل إليها أداءه من الأدوار الموزعة في المشروع الإسرائيلي… حتى لو كانت الجزيرتان سعوديتان فإنّ وجودهما تحت السيطرة المصرية أكثر أمناً وضماناً..

احتلت «إسرائيل» الجزيرتين عندما احتلت سيناء واضطرت بحكم الظروف والتوقيت المحدّد للمراحل أن تنسحب من الجزيرتين وان تعيدهما لمصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد 1979. لكن الانسحاب لا يعني الاستغناء.. فالجزيرتان مهمّتان بالنسبة لـ»دولة إسرائيل المرسومة حدودها التي تبدأ من الغرب شمالاً الى النيل جنوباً».. تأخذ السعودية الآن الجزيرتين ثم بعد إجراء المفاوضات للتسوية.. ومن دقة الترتيب والتنظيم انّ قرار مصر بإعادة الجزيرتين صدر عن مجلس الشعب في اليومين الأخيرين وأعقبه مباشرة شروط أميركية لإجراء المفاوضات النهائية بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية والتطبيع النهائي مع الدول العربية. هذه الشروط تفرض مشاركة الأردن ودول الخليج ليصبح موضوع الجزيرتين جزءاً من المفاوضات النهائية والتسوية والاعتراف بدولة «إسرائيل» ورسم حدودها.. حيث يكون تنازل السعودية أسهل من تنازل مصر مباشرة لـ»إسرائيل» لأنّ السعودية تدّعي ملكية تاريخية للجزيرتين… هذه هي القضية.

ونظرة إلى تاريخ وموقع الجزيرتين يكشف لنا سبب الطلب السعودي اليوم استعادتهما، ومتى عرف السبب بطل العجب.

تبعد جزيرتا تيران وصنافير عن بعضهما بمسافة نحو أربعة كيلومترات في مياه البحر الأحمر، وتتحكم الجزيرتان في مدخل خليج العقبة، وميناءي العقبة في الأردن، وإيلات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتقع جزيرة تيران عند مدخل خليج العقبة، على امتدادٍ يتسم بأهمية استراتيجية يطلق عليه «مضيق تيران»، وهو طريق «إسرائيل» لدخول البحر الأحمر.

وتتمركز القوات المصرية في الجزيرتين منذ عام 1950. وكانتا من بين القواعد العسكرية الاستراتيجية لمصر في فترة العدوان الثلاثي عام 1956، واستولت «إسرائيل» عليهما في ذلك الوقت.

كما سيطرت «إسرائيل» على الجزيرتين مرة أخرى في حرب 1967 لكنها أعادتهما إلى مصر بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد في عام 1979.

وتنص بنود المعاهدة المصرية الإسرائيلية على أنه لا يمكن لمصر وضع قوات عسكرية على الجزيرتين، وأن تلتزم بضمان حرية الملاحة في الممرّ البحري الضيّق الذي يفصل بين جزيرة تيران والساحل المصري في سيناء.

والجزيرتان غير مأهولتين بالسكان، باستثناء وجود قواتٍ تابعةٍ للجيش المصري، وقوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات منذ عام 1982.

وأعلنت السلطات المصرية الجزيرتين محمية طبيعية بعد أن أعادتها «إسرائيل» إلى مصر. وباتت الجزيرتان مقصدا للسياح الذين يمارسون رياضة الغوص في البحر الأحمر.

وجاء قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبريل/ نيسان 2016 بتبعية الجزيرتين للسعودية ليفجّر حالة من الغضب الشعبي، وأزمة داخلية بين مؤيد للقرار ومعارض له.

وواجه السيسي انتقاداتٍ حادة، لما اعتبره معارضون «بيعاً» للأراضي المصرية، لا سيما بعد أن جاء القرار أثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر في ذلك الوقت. وأعلن الملك سلمان أثناء الزيارة عن مساعدات لمصر واستثمارات فيها.

وأكد السيسي أكثر من مرة اقتناعه بأنّ الجزيرتين سعوديتان، واعتبر أنّ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية تردّ الحق لأصحابه.

وفي كانون الثاني من العام الحالي، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكماً نهائياً باتاً واجب النفاذ ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر السعودية، والتي نصّت على أنّ الجزيرتين سعوديتان. وأشارت المحكمة إلى أنّ الجزيرتين هما ضمن الإقليم المصري، وخاضعتان للسيادة المصرية الكاملة.

إذا نظرنا الى حكومات مصر في عهد محمد حسني مبارك وقبله السادات فإنها ابتعدت كنصير وبقيت كعميل، وهي تتبع المثل القائل «إذا لم تستح فافعل ما تشاء»، كنا نأمل بصفحة جديدة مشرقة في عهد السيسي، ولكن ما نراه لا يبشرنا بأنّ الأمور سوف تتغيّر نحو الأحسن. كلّ حاكم تولى السلطة في مصر كان له قرص في العرس «الاسرائيلي»..

السادات فتح الباب بزيارة «إسرائيل» وتوقيع الاتفاقيات معها، ومبارك أوغل في الاتفاقيات السياسية والاقتصادية وأصبحت مصر في عهده المصدر الرئيسي للغاز الذي يباع لـ»إسرائيل» بسعر متدنّ يتجاوز بتدنيه السعر العالمي.. والسيسي أعاد جزيرتي تيران وصنافير. فاستعادة جزيرة تيران وصنافير جزء استراتيجي في المشروع الإسرائيلي كما كلّ سيناء، وانسحاب «إسرائيل» من سيناء لقي معارضة قوية عبر عنها الصحافي الاسرائيلي اودين بينون، وكان من كبار المسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية في مقالة عنوانها «استراتيجية اسرائيل في الثمانينات»، وقد نشرت المقالة بعد اغتيال السادات وقبل أسابيع من إعادة سيناء إلى مصر، وتركز هذه المقالة في قسم كبير منها على معارضة الانسحاب من سيناء واعتباره خطأ كبيراً، نظراً الى ما تحويه شبه الجزيرة من احتياطات نفط وغاز.. وقال كاتب المقال: «على إسرائيل بدلاً من الانسحاب من سيناء ان تفضح مصر وتبيّن أنها نمر من ورق، وتحرمها من الموارد الاقتصادية، وبذر بذور الشقاق بين المسلمين والاقباط من مواطنيها وبتهميش مصر يصبح بإمكان اسرائيل ان تفتت بقية الشرق الاوسط بسهولة…»

فإعطاء الجزيرتين الى السعودية خطوة أولى في طريق اعطائهما لـ»إسرائيل» عبر القادم من المفاوضات التي اشترطت أميركا إجراءها مع السلطة الفلسطينية بمشاركة حكومات الخليج.. مشاركة ذكرنا قبلاً في مقالات سابقة انّ فلسطين لم تعرف اي نوع من المشاركة بقضيتها من قبل السعودية ودول وشعوب الخليج لا عسكرياً ولا سياسياً بشكل موقف مميّز وبارز.. والآن تفرض مشاركتها وهذا يعطينا تصوّراً واضحاً للترتيبات التي تجري بتوحيد القرار والسلطة في الخليج وإعطاء إمارة الخليجيين للسعودية التي هي مفتاح الحلّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وفق ما رسمت «إسرائيل» في البروتوكول الثاني حيث جاء فيه ما يلي:

«إنّ غرضنا الذي نسعى إليه يحتم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن، فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي، وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما نقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب فريق على آخر، ومن التفوّق وفوز اليد العليا الخفية.

وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التي لا تنام. ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة في نطاق المعنى المألوف لكلمة حق. فيتسنّى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق تماماً كما تحكم الدول رعاياها بالقانون المدني داخل حدودها».

تحاول «إسرائيل» اليوم ان تعيد رسم حدودها كما هي في وعد ربها لها «أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل».

فهذه التحركات الخليجية الناشطة في المنطقة عسكرياً وتآمرياً في الأجزاء التي تشكل ممانعة حكومية وشعبية وفكرية لهذه المشاريع هي جزء من المهمة الموكلة الى السعودية وقطر لتنفيذها..

فهدف «إسرائيل» تركيز حدودها الجغرافية والسياسية ولا يتمّ ذلك إلا بعد إزالة كلّ العقبات.. فاليمن مواقفه الوطنية والقومية معروفة وتأييده للقضايا العربية وفلسطين تحديداً غير موضع شكّ. والشام والعراق هما السيف والترس في الموضوع الفلسطيني والتعدّي الإسرائيلي.. لذلك تحاول «إسرائيل» في شتى الوسائل قطع الصلة بين فلسطين وامتدادها المجاور يشاركها الخليجيون ذلك بالمناورات والمؤامرات..

هدف السيطرة على سورية في الشام والعراق أفشلته وقفة العز التي وقفها الشعبان في البلدين.. مشروع تفتيت المنطقة انخرطت فيه أميركا بكلّ ثقلها السياسي والعسكري والتآمري.. حيث تعيد تكرار استغلال الأكراد كما سبق ان فعل البريطانيون في الحرب العالمية الأولى ومعاهدة سيفر فتشارك بتسليح الأكراد واستخدام القوة العسكرية بزعم محاربة الإرهاب فتدمّر المدن وتغير على أهداف عسكرية حكومية وتدّعي الخطأ.. تستعمل أسلحة فوسفورية مما أدّى الى مقتل ما يزيد عن 300 شخص في الرقة حسب البيانات الرسمية الأخيرة. الخطط الأميركية والمشاركة فشلت في تحقيق مرادها بسبب الثبات والشجاعة والبطولة المؤيدة بصحة العقيدة التي أظهرها الشعب السوري في الشام والعراق والقوات المسلحة في الجيشين والمساندة من المقاومة الوطنية ادّت لإفشال اللعبة الاميركية.. ثبات وشجاعة السوريين في العراق والشام والتقاء قوات الطرفين على الحدود وتوحيد الجبهة وسدّ المنافذ والمعابر أحدث إرباكاً لدى جميع المخططين والمتآمرين.. اللعبة تمتدّ لتصل الى إيران، والآن أصبحت القوة المانعة في الشام والعراق مدعومة من روسيا وإيران.. حيث كانت إيران الهدف الرئيس بعد سورية كلها.. فالسعودية وبعض دول الخليج وبتنسيق خفي مع «إسرائيل» تريدها حرباً شنعاء ضدّ إيران وحزب الله في لبنان.. «إسرائيل» اهتمت بإيران منذ حقبة طويلة، فالسياسة الاسرائيلية كانت أهمّ أهدافها السيطرة على إيران وإقامة علاقات مميّزة معها. فمنذ الخمسينات من القرن الماضي أقامت «إسرائيل» علاقات مع الشاه ونشط جهاز الموساد بالتعاون مع المخابرات البريطانية والأميركية على محاربة رئيس الحكومة الإيرانية محمد مصدق عام 1953. وبقيت الأمور على هذا الحال حتى نشوء النظام الجديد بعد ثورة الخميني والموساد هي التي درّبت جهاز السافاك الإيراني الذي اتسم بالوحشية والإرهاب أيام الشاه. لذلك وبعد الانقلاب السياسي في إيران والتوجه نحو محاربة «إسرائيل» وإقامة علاقات طيبة مع العالم العربي أصبحت إيران عدواً رئيساً لإسرائيل»، وأعلن قادة «إسرائيل» رابين وبيريز منذ العام 1994 ودايان في مؤتمر هرتزليا سنة 2001 الحاجة الى حرب ضدّ التطرف الاسلامي الذي صنعوه. بعد ذلك طرحت «إسرائيل» نفسها مركزاً متقدّماً لـ»الحضارة اليهودية المسيحية محاطاً بجدار من البرابرة المسلمين»، وبعد أحداث أيلول 2001 في أميركا اصبح هذا التصوّر أحد الأركان التي تعتمد عليها أميركا في حربها ضدّ الإرهاب.. وطبق المثل القائل وداوها بالتي كانت هي الداء…

كلّ ما يجري اليوم في منطقتنا وكلّ المساعي لترتيب ما تبقى من فلسطين والسعي للتفتيت والتقسيم العرقي والطائفي عبر التنظيمات الإرهابية الغاية النهائية هي تدمير إيران هدف «إسرائيل» الأول والذي يشكل خطراً مدمّراً.. لذلك كثر النشاط السعودي والتقارب مع «إسرائيل»..

وتبقى الحقيقة الأساسية التي نتمسّك بها في بلادنا هي في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة وانتصارها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى