باكستان: لا لأقلمة الأزمة القطرية… والحوار هو الحلّ

هادي حسين

من جديد تضع المملكة العربية السعودية بعد أزمة اليمن قبل عامين تقريباً جمهورية باكستان الإسلامية في موقف محرج على خلفية خلافها مع قطر ومحاولات إخضاع الأخيرة من خلال إحكام الحصار عليها، ما يترك الدبلوماسية الباكستانية أمام خيارات صعبة، كانت قد استشعرته بصيرة المؤسسة العسكرية الباكستانية المعروفة بانضباطها وتقديمها المصلحة الباكستانية فوق كلّ مصلحة، قبل بضعة أسابيع في قمة الرياض التي صدمت الوفد الباكستاني كما غيره من الوفود، ما دفع رحيل شريف قائد الجيش الباكستاني إلى ترك الرياض والعودة إلى إسلام آباد، بعد أن كان قد ذهب إلى الرياض لقيادة ما يُسمّى بالتحالف الإسلامي بقيادة السعودية، لكن مجريات القمة المفبركة ومضمون البيان الختامي دفع باكستان إلى التراجع خطوة إلى الوراء، فمن الصعب أن نتصوّر أنّ إسلام آباد لا تدرك أنّ التحالف السعودي هو في الحقيقة «ناتو سني» يهدف إلى مواجهة ما يسمّى «بالهلال الشيعي».

استعار الخلاف في الشرق الأوسط قد يضطر باكستان لمواجهة خيارات مخيفة عاجلاً وليس آجلاً، وسيكون لذلك تداعيات لا يُحمد عقباها. فباكستان في وضع حرج لا تحسد عليه مقارنة مع ايّ دولة إسلامية أخرى بسبب طبيعة علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع قطر والسعودية من جهة، وتركيا وإيران اللتين دخلتا على خط الأزمة من جهة أخرى، ما أخرج الأزمة من مجالها الخليجي أو العربي، ورمى بها في سعير صراع إقليمي يُعقد الموقف على باكستان التي سيكون من الصعب للغاية عليها الحفاظ على حيادها.

أضف إلى ذلك، وإنْ كان دور التوسط وحلّ الأزمة الحالية ليس بالشيء السهل والممكن بحسب الظاهر بالنسبة إلى باكستان، لكن يتوجب عليها إرسال إشارة واضحة وصريحة على كلّ حال وإلى جميع الأطراف مفادها: «باكستان تقدّر علاقاتها مع جميع البلدان، والمصلحة الوطنية الباكستانية تقتضي أن تبقى محايدة في الأزمة الحالية». وهذا لا ينبغي أن يكون مستحيلاً، إلا أنه يتطلب من باكستان تعليق مشاركتها العسكرية في ما يسمّى التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.

فالأحداث الآخيرة في الشرق الأوسط لا سيما الأعمال الإرهابية في طهران والأزمة القطرية – السعودية عرّت التحالف الإسلامي والسياسات السعودية في المنطقة التي تهدف وفي الدرجة الأولى إلى احتواء إيران وبسط هيمنتها ونفوذها على العالم السني.

بيد أنّ المملكة العربية السعودية ستبقى حليفاً هاماً لباكستان، وهذا ما أكده المسؤولون الباكستانيون غير مرة لقيادة المملكة، وعاد وأكده الوفد الرفيع المستوى الذي زار الرياض بداية هذا الأسبوع، كما أكد الوفد التزام باكستان أمن العائلة الحاكمة وأمن المملكة.

ولكن بنفس الوقت انسحاب باكستان من التحالف الإسلامي بات نتيجة لا مفرّ منها وعلى الحكومة الباكستانية الالتزام بقرار البرلمان الذي دعا إلى التزام الحياد وحث جميع أطراف الأزمة إلى حلّ الخلافات بالحوار خلال الجلسة التي عقدت الخميس الفائت.

أخيراً، في ظلّ الظروف الراهنة، الحياد مع البقاء على اتصال مع كلّ أطراف الأزمة خير ما تفعله الحكومة الباكستانية، كما أعلن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف خلال محادثات إعلامية على هامش قمة منظمة شانغهاي للتعاون فى كازاخستان انّ باكستان تتمتع بعلاقات طيبة مع السعودية وإيران وقطر وستبذل قصارى جهدها لحلّ الخلافات بين الدول العربية. وإنْ كانت هناك محاولات لإقحامها وسط هذه المعمعة، إنْ من الجانب السعودي الذي يعوّل كثيراً على الصداقة الاستراتيجية مع باكستان، أو من الجانب القطري التركي، وهذا ما ظهر باكراً وبوضوح الأسبوع الماضي عندما أعلنت وسائل إعلام تركية إرسال باكستان عشرين ألف عسكري إلى الدوحة، ما كذبه نفيس زكريا المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، إلى جانب تكذيبه خبر زيارة وفد قطري من ستة أشخاص يدعو باكستان للعب دور فاعل وايجابي في حلّ الأزمة.

باحث وكاتب سياسي باكستاني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى