قالت له
قالت له الطريق صعب وموحش ووجودك يؤنسني ولا أرغب بالافتراق عنك، فأنت الأقرب لقلبي وأنت قوتي على الصعاب، لكن القدر سيفرّقنا يوماً، فلا تحسبها أنانية مني أو رغبة بالابتعاد، فأقدارنا أقوى من مشيئتنا.
قال لها قناعاتنا بالأقدار هي طريقتنا للتخلّص من عقدة الذنب أو عقدة النقص، لكنها سبب للكآبة بدلاً من الفرح، فلو امتلكنا جرأة القول والتفكير بأننا نصنع أقدارنا لكن كل فشل نتيجة خطأ نتعلّم عدم الوقوع فيه ونسعى لتصحيحه لما عشنا كآبة معاكسة الأقدار لنا، وامتلكنا شعور الفرح الكامل مع النجاح باعتباره ثمرة جهد وجهد مَن ساندنا وأن نفترق، لأن فرص مواصلة السير بيننا لا تستوعب حاجاتنا من الحياة أمر نقتنع به ونقرّره بوعينا وإرادتنا ونقبل عليه بفرح أننا نتفهّم حاجات بعضنا وندعم مسيرة بعضنا لتكتمل معاني الحياة عندنا فهذا حب يسمو على التسليم الحزين بقدر نملك ردّه، ونقول لكنه القدر ونحن نؤمن أننا نريده وبقوة وإرادتنا ليست خطيئة، بل استبدال المهم بالأهم فالحياة فيها أولويات.
قالت لكن هذا يجعلنا نصغر بأعين أنفسنا عندما نكتشف الخطأ بينما الإيمان بأنه قدر يعزّينا، وعندما نفترق بقدر نشعر بأننا غلبنا وليس بأن مصلحة تفوّقت على سمو المشاعر والتمسّك بمن نحب.
فقال لها أن نتحدّث كبشر طبيعيين خير لنا من أن نعيش تحت وطأة التسليم ونحن نعلم أنّه في كل تسليم خيار حر، وفي كل خيار حر ظروف حاكمة فهل نخترع الجدل الأصلي بين الأرسطيين وخصومهم حول الكائن المسيّر والمخيّر؟
قالت وإن افترقنا؟
قال بقدر فرحك أفرح لك، وبقدر حزنك أحزن عليك.
فقالت أكون بفرح وحزن معاً.
فقال وأكون بمقدارهما.
قالت وكيف أثق أنك لا تلومني.
قال بأن أثق بأنك تختارين بطريقة صحيحة.
فقالت قدري يختارني.
فقال لها وقدرك وضعني في مسارك.
فقالت خياري ومساري أنت، ولكنه القدر.
فقال لها تعالي لقبلة على جبينك علّك تصحين من الخَدَر.
فضحكت وقالت ما الخبر.
فضحك وقال حمّى طارئة جعلتك تهلوسين… اسمعي صوت المطر.