ممدوح رحمون فارس أبى أن يترجّل قبل الرحيل

د. محمد المجذوب

برحيل هذا المناضل الكبير فقدت الحركة العربية المعاصرة علماً من أعلامها الميامين الذين ظلوا أوفياء لثوابت العروبة والنهضة العربية، فلم يترددوا أو يتخاذلوا أو يساوموا حتى آخر لحظة من حياتهم الحافلة بالقيم والمبادئ السامية التي آمنوا بها وضحوا من أجلها الغالي والنفيس.

لقد عرفناه عن كثب، أثناء اجتماعات المنتدى القومي العربي الذي كان عضواً بارزاً في مجلس أمنائه، واستمعنا أكثر من مرة باعتزاز وإكبار، لمداخلاته الزاخرة بالنفحة القومية التي لم تفقد يوماً البوصلة القومية الأصيلة.

وكان رجلاً شجاعاً لم يتوقف عن البذل والعطاء فكراً وعملاً، من أجل خدمة القضايا العربية، والتحذير من مغبّة مشاريع الاستسلام وأوهام الحلول المذّلة، التي ألحقت أكبر الضرر بقضايانا العربية الغالية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي ما زالت قضية العرب الأولى.

والراحل الكبير كان قومياً صلباً ومستقيماً، وعلى العهد وفياً للأمة، لا يعرف أساليب اللف والدوران في القضايا القومية، كما كان مؤمناً بأن الإيمان الراسخ الذي لا يتزحزح والإرادة الحديدية التي لا تلين، كفيلان ولو طال الزمن بتحقيق الانتصار. وفي المعارك التي خاضها، منذ بداية العمر، كان فارساً أصيلاً. ومع أن جواده شعر أكثر من مرة بالتعب فإنه أبى أن يستكين ويترجل.

كل من خبره واحتك به قرأ في قسمات وجهه ونبرات صوته قصة إنسان عربي بعيد كل البعد من آفات التبخير والتزلف، ومظاهر التصنّع والادعاء.

وكان أيضاً من جيل المناضلين المخضرمين، عاش ويلات النكبة الكبرى وخاض غمارها وشهد فصولها المؤلمة، فتى ويافعاً، ثم شاباً ورجلاً، ورأى بأم العين والضمير، مأساة شعبه المنكوب منذ عام 1948، فاختار من دون تردد طريق العمل القومي والدفاع عن أمة كانت خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الفضائل والمكارم.

ومن يطلّع على سيرته الذاتية يخرج بانطباع واضح يؤكد أنه كان مثالاً يُحتذى للفكر القومي الملتزم قضايا أمته العربية. ولهذا، فإن سيرته الطيبة، ووقفات العزّ المشرقة التي أبداها في المحطات القومية ستبقى نبراساً يهتدي به كل مناضل صادق آمن كالفقيد الغالي، بأن الحياة وقفة عز، وبأن من يهن يسهل الهوان عليه، وبأن عظمة الإنسان تكمن في مدى ما يُقدم لقومه من خدمات جُلّة.

إن الاجيال ستستلهم من هذا القومي المثالي معاني العز والشموخ والإيمان الراسخ بأن قضايا الأمة التي يدافع عنها أمثاله من الرجال الأشاوس ستنتصر في النهاية بالإرادة الصامدة مهما تكن الصعوبات والتضحيات.

فإلى روحه الطاهرة ألف تحية زاخرة بالإكبار والاعتزاز من رفاقه في المنتدى القومي العربي.

رئيس المنتدى القومي العربي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى