التشكيليّ فؤاد أبو ترابة… ريشة واعية ودلالات عميقة
مجدولين الجرماني
لأنّ الفنّ هو انعكاس أرواحنا، كان الوقت طويلاً، والكلمات التي أتركها هنا، ليست إلا حالة أخذتني بعيداً، إلى أبعد من حدود الغرق في التفاصيل التي منّي.
الوقوف أمام عمل ما من أعمال الفنان التشكيليّ السوري فؤاد أبو ترابة، ليس حالة عبثية، بل هي حالة اندغام مع اللوحة ليصير الجزء تشكيلاً كلّياَ.
أولاً، نتلمّس أنّ الفنان استعمل ألواناً ارتدادية، أي أنّ لها رجعاً، مثل اللون الأحمر الفاقع وكذلك الأصفر كنواة أساسية في بنية تشكيل لوحته.
بقي أن نقرأ أنه استعمل اللون الأزرق مثل حبل سرّي بين عمل ما من أعماله وعمل آخر قام بتشكيله من جديد، بعيداً عن الموضوعات التي تطرّق إليها.
لا يمكن لأيّ قارئ مائز أن يتوقف أمام لوحة فؤاد أبو ترابة من دون أن يصير جزءاً منها أو تصير جزءاً منه، وذلك بدلالة اللونين الفاقعين الأحمر والأصفر وتعالقهما مع بعضهما إلى ما بعد التماهي بينهما.
فالدلالة اللونية لكلّ منهما داخل مربّع اللوحة، تشي من دون تلكؤ على حالة الانفعال الطافية علناً. فتعالق الأحمر على أجزاء كثيرة من اللوحة بهذا الوضوح الصارخ، إن وشى بشيء، فهو حتماً يشي بالغضب العارم نتيجة تفشّي اللون الأصفر تدريجياً بحالة لا تطيقها العين القارئة فوق مدّ القماش الغارق بالغضب بالأحمر.
إنها الغيرة، بدلالة الأصفر، والتي تكوّنت كبداية أولى لفتيل قابل للاشتعال في أيّ لحظة ليغمر حدود اللوحة من أقصاها إلى أقصاها.
وبالتأكيد، إن أياً منّا لا يمكنه للحظة أن يغفل الحضور داخل أعمال الفنان أبو ترابة، وذلك من خلال تكراره موضوعات تعود بذرتها الأولى على القماش من خلال انعكاس ما يدور في فلك الفنان ومحيطه.
تشير دلالة الوجوه العابرة على مدّ القماش إلى حالة الفوضى والتشظّي حدّ التداخل والضياع، لكنه الرسّام الذي لم يكن ليسمح أن تتقطّع كلّ العُرى لمرّة واحدة. فلوحته «هنا» بالمقاربة المرئية، هي أقرب إلى مرآة متشظّية، ورغم تفتّتها، إلّا أنّ القارئ يستطيع تشكيل صوَر متكاملة من انعكاسات الوجوه ليعيد بذلك دورة الحياة من جديد.
وهذا هو «حبل السرّ» الذي تركته ريشة واعية تعيش العصف والمتناقضات في آن، لكنها لم تنسلخ عن أناها وعن محيطها.
فؤاد أبو ترابة فنّان تشكيلي سوري، عضو نقابة الفنون الجميلة في سورية اتحاد التشكيليين ، ومحاضر في جامعة دمشق. أقام معارض عدّة في دول عربية وأوروبية، شارك في معرض خرّيجي كلّية الفنون مع القسم البلغاري، كما شارك في معرض الفنّ السوري في برلين، وشارك في معارض رومانية وألمانية وروسية. له الكثير من المقتنيات في وزارتَي الثقافة والدفاع، وفي هولندا، فنلندا، ألمانيا، اليونان، وإسبانيا.
كُتب عنه الكثير من قبل الفنانين التشكيليين، وهذه الكتابات بمثابة شهادات من أعلام التشكيل، أمثال، فاتح المدرّس، محمود حماد، أيمن الدقر، وصلاح الدين محمد.
كاتبة سورية