معرض «صنع في سورية» يواصل فعالياته في صالة الجلاء بدمشق… المُنتَج المحلي ركيزة الاقتصاد المقاوم

دمشق ـ إنعام خرّوبي

بين عامي 2001 و2010، صُنِّفت سورية كواحدة من الدول ذات الاقتصاديات الناشئة وكواحدة من الدول الخمس الأكثر أماناً في العالم، إذ وصل النمو الاقتصادي خلال الخطة الخمسية التاسعة بين عامي 2001 و2006 إلى 5.7 في المئة وفي الخطة الخمسية العاشرة 2006 إلى 2011 وصل النمو الاقتصادي إلى 4.8 في المئة، أيّ أنّ المعدل الوسطي خلال العقد الأول كان بحدود 5.2 في المئة، وكانت سورية من الدول القليلة جداً التي حققت مثل هذه المعدلات من النمو.

واليوم، وبعد سبع سنوات من الحرب الكونية عليها التي خلّفت حجماً هائلاً من الدمار طال البنى التحتية الأساسية والمعامل والمصانع وغيرها من المقدّرات الأساسية في البلاد، ها هي سورية تواكب الانتصارات الميدانية اقتصادياً بعد استعادة الدولة مناطق عدة وعودة الناس فيها إلى حياتهم الطبيعية، وتكاد مدينة دمشق.. العاصمة وقلب البلاد النابض لا تخلو من الفعاليات الاقتصادية من معارض ومهرجانات تسوّق ومنتديات ومؤتمرات ستتوّج بعد أسابيع بحدث اقتصادي هامّ هو معرض دمشق الدولي.

وتشهد صالة الجلاء على أوتوستراد المزة مهرجان التسوّق «صنع في سورية» الذي افتتح أوائل حزيران الحالي ويستمرّ حتى أواخر الشهر، وتشارك فيه 120 شركة بمنتجاتها المنتوعة من المواد الغذائية والألبسة والمنظفات ومواد التجميل وغيرها، بالإضافة إلى مُنتجات حرفية وفنية من إبداعات أطفال «مشروع الطفل السوري المستثمر» وهو ثمرة تعاون بين شركة «سافكو» الهندسية ومنظمة «طلائع البعث».

وأشار عضو مكتب غرفة صناعة دمشق وريفها عضو مجلس إدارة ورئيس اللجنة المنظمة للمعرض وصاحب شركة «حسيب» للمواد الغذائية طلال قلعجي، في حديث لـ»البناء» إلى أنّ

انطلاقة المهرجان بدأت في العام 2015 وهذه هي السنة الثالثة على التوالي للمعرض والدورة 40. وقال: «في السابق كان هذا المهرجان يُقام في السابق تحت اسم عيشها غير وأردنا من خلال هذا الإسم أن يعيش السوريون جواً جديداً خارج أجواء الحرب، وفي العام 2016 صار اسمه صنع في سورية لأنّ اتكالنا واعتمادنا في هذه المرحلة هو على المنتج المحلي بهدف تقويته وتسويقه بكلّ الطرق الممكنة».

ولفت إلى «أنّ عدد الشركات العارضة هو 120 شركة من أربعة قطاعات الغذائي والنسيجي والكيميائي والهندسي، وهي قطاعات تضمّها غرفة صناعة دمشق وريفها. هذه الشركات إنتاجها محلي ونحن نهدف من خلال المهرجان إلى تشجيع السوريين على شراء المنتج الوطني ونقدّمه له بجودة عالية وأسعار منافسة». وأضاف: «إنّ البضائع المنتجة محلياً والمعروضة لدينا تنافس بجودتها ونوعيتها البضاعة المستوردة وهي أقلّ سعراً من المستوردة وهذا ما يرفع نسبة الإقبال على شرائها، خاصة في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها سورية. نحن، كغرفة صناعة، نعمل وفقاً للمعايير العالمية والمواصفات السورية والعالمية، وهناك لجنة متخصِّصة تشرف على مدى مطابقة المنتجات المعروضة للمواصفات العالمية، ومهمّتها التحقق من عاملين أساسيين: الأول مدى مطابقة المنتج للمواصفات العالمية والثاني هو عامل السعر وتحاول الشركات المُنتجة أن توائم في منتجاتها بين الجودة والسعر. فالمستهلك عندما يزور المهرجان يشتري بسعر المعمل وهذه سابقة في العالم العربي، فعندما يشتري المواطن مباشرة من المعمل فإنه بذلك يتجاوز ثلاث حلقات وسيطة هي الجملة ونصف الجملة والمفرّق، لأنه يشتري من المنبع فوراً ما يحقق وفراً يتجاوز في أحيان كثيرة الخمسين في المئة».

إقبال كثيف يومياً حتى منتصف الليل

وأكد قلعجي أنّ المهرجان يشهد إقبالاً واسعاً من الشرائح السورية كافة، منذ افتتاحه ظهراً وحتى منتصف الليل. وذكّر بأنّ هذا النوع من المهرجانات يساعد ذوي الدخل المحدود على التزوُّد بالحاجات الضرورية بأسعار مقبولة، لافتاً إلى تراجع القدرة الشرائية خصوصاً لدى الموظفين الحكوميين خلال سنوات الأزمة بعد انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي، حيث بقي راتب الموظف على حاله، أو زاد بشكل طفيف، ولم يرتفع كراتب بعض موظفي القطاع الخاص. وأكد قلعجي أنّ الحكومة تقوم بدورها وضمن الإمكانيات المُتاحة لتقليص هذه الفجوة، رغم المعوقات والصعوبات وأبرزها الحصار الاقتصادي المفروض على سورية. وقال: «رغم ذلك لا نزال مستمرّين ونقاوم الحصار والعقوبات الاقتصادية وقد عملت الدولة السورية، ولا تزال، جاهدة لتأمين كلّ مستلزمات المواطن اليومية التي تمكِّنه من الصمود والحياة، وطوال سنوات الحرب السبع لم تُفقَد أيّ مادة من الأسواق، واليوم بعد كلّ هذه السنوات كوّنا خبرة أكبر في التعاطي مع الأزمات، وكما تعلمون فإنّ عشرات الدول تحارب سورية، وحدودنا مغلقة من جهة الجنوب مع الأردن، ومن الشرق مع العراق، ومن الشمال مع تركيا، والمنفذ الحدودي الوحيد هو مع لبنان وهناك تعاون بين حكومتي سورية ولبنان قدر المستطاع».

وأضاف: «اللبنانيون والسوريون أثبتوا قوة وصموداً في الحروب والأزمات وقد استطعنا التغلب على الصعوبات وعلى الحصار المفروض على سورية. نحن محاصرون مصرفياً أيضاً، لكنّ الحكومة تتعاون معنا وتقدّم كلّ التسهيلات اللازمة كما أنّ مصرف سورية المركزي ينتهج سياسة وطنية حكيمة ليحول دون التضخم والارتفاع الكبير لسعر الدولار، وبالتالي تآكل القوة الشرائية. نحن كأصحاب معامل لدينا أكلاف عمال وصيانة معدات وغير ذلك ونعمل بالتعاون مع الحكومة لتأمين الاستمرارية وتجنُّب الإقفال أو صرف العمال».

زيارة الرئيس الأسد أعطتنا دفعاً كبيراً

وتطرّق قلعجي إلى الزيارة المُفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الأسد للمهرجان، وقال: «لقد عوّدنا سيادته على المبادرات الشجاعة والمميّزة زيارته للمهرجان أعطتنا دفعاً كبيراً وأسعدت الزوار المتسوّقين وأصحاب المعامل المشاركة واحتضنه السوريون بعاطفتهم وحبهم».

وختم قلعجي: «هذا المهرجان هو رسالة إلى الداخل والخارج بأنّ سورية بدأت تستعيد حيويتها وعافيتها كمركز اقتصادي مهمّ. نحن متفائلون جداً بنسبة الإقبال التي فاقت التوقعات حتى أنّ القاعة المخصّصة لعرض المنتجات كانت تضيق أحياناً بالزائرين، كما أننا ننسّق مع الشركات في موضوع تحديد سقف معيّن للأسعار لتكون تشجيعية. نتمنى لو توفرت لنا مساحة أكبر، خاصة أنّ إقامة هذا النوع من المهرجانات يتطلب مساحة تتراوح بين 4000 و5000 متر مربع. وبعد هذا المعرض نحن نحضر لمعرض دمشق الدولي وسعداء جداً بإمكانية إحياء السيدة فيروز حفلة في افتتاح المعرض. ونأمل أن تبقى العلاقات المميّزة بين لبنان وسورية، ونحن كرجال صناعة واقتصاد نسعى دائماً إلى أفضل العلاقات».

جناح مشروع «الطفل السوري المستثمر»

أما في جناح «مشروع الطفل السوري المستثمر»، فمشهد من نوع آخر حيث انهمك الأطفال في صناعة قطع فنية وحرفية حاكتها ورسمتها وشكلتها أيديهم الصغيرة بدقة وعفوية تشبه براءتهم.

وتحدث عضو قيادة منظمة «طلائع البعث» ورئيس مكتب الفنون الجميلة هيثم أبو مغضب لـ»البناء» عن المشروع وهو ثمرة تعاون بين «الطلائع» و شركة «سافكو» للهندسة والصناعة بشخص مديرها العام علي الصفوك. وقال أبو مغضب: «نحن نسعى إلى دعم مواهب الأطفال وتنميتها، ولدينا حوالى 8 اختصاصات كالعجمي، الرسم على الزجاج، حياكة البسط والسجاد، المكارم، الضغط على النحاس، الخط العربي، صناعة وتنسيق الورود، بقايا طبيعية وصناعية، كما أدخلنا مؤخراً اختصاص صناعة الخيزران».

أضاف: «نحن كمنظمة ندعم هذا المشروع بشكل كبير، فالأطفال المشاركون يمارسون هواياتهم المفضلة وينمّون مهاراتهم كما أنّ جزءاً كبيراً منهم يسكن في مناطق الإيواء وهذا المشروع هو بمثابة دعم نفسي لهؤلاء الأطفال».

وختم أبو مغضب: «نحن نأمل بدعم حكومي لهذا المشروع ومواكبته إعلامياً بشكل أوسع وأشمل».

يذكر أنّ المشروع يتضمّن إقامة دورات وورشات عمل في مجالات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية لصقل المواهب وتنمية الذكاء وتعليم الأطفال المبادئ الأساسية للأعمال والنشاطات التجارية وإقامة دورات متخصّصة لتنمية الوعي الصحي والسلوكي وإحداث مكتبة خاصة بالأطفال ومعارض تسوّق وفتح بازار يكون العارضون فيه من الأطفال لبيع منتجاتهم، إضافة إلى إقامة مشاريع استثمارية بسيطة يتمّ من خلالها تطوير ودعم مشاريع مستقبلية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى