القانون الانتخابي الجديد: خطوة إلى الأمام… خطوتان إلى الوراء
د. زهير فياض
يؤسّس قانون الانتخابات الجديد في لبنان لمرحلة جديدة في العلاقات السياسية الداخلية مع تقاطعاتها الداخلية والخارجية كلها، وهذا – بحدّ ذاته – يحتاج إلى قراءة متأنية لمآل ومسارات تطوّر العملية السياسية في لبنان.
لا شك في أنّ الخيارات السياسية المطروحة في لبنان من خلال مضمون القانون العتيد تؤشر إلى المراوحة في حلقة مفرغة من انعدام الوزن وانسداد الأفق السياسي باتجاه مستقبل هذا الكيان المأزوم بنيوياً.
وهذه الأزمة البنيوية – بالطبع – ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج مراحل سابقة منذ نشأة الكيان – الدولة إلى يومنا هذا، أزمة تتداخل فيها جملة من العوامل والأسباب والعناصر التي فاقمت أزمة الكيان، وبدلاً من أن تتطوّر الحياة السياسية خلال عقود باتجاه ترسيخ القواعد الأساسية لبناء الدولة ولا سيما، تعزيز مفهوم المواطنة وتوكيد الهوية الوطنية الجامعة على حساب الهويات الجزئية المشلعة – التفتيتية والتقسيمية التي فاقمت الأزمات وأدّت الى ما أدّت إليه من شلل وتخبّط وخلل في فهم جوهر ومعنى ومفهوم الدولة باعتبارها المظهر السياسي والثقافي والحقوقي للمجتمع الذي تعبّر عنه، بدلاً من كلّ هذا نحا مسارُ هذا الكيان – الدولة وفق قانون الانتخاب «الجديد» باتجاه معاكس للتطوّر المطلوب باتجاهات تُعمّق الشرخ الأفقي والعمودي بين أبناء المجتمع الواحد مما سيؤدّي إلى تصدّعات إضافية في بنيان هذه الدولة المتشققة جدرانها أصلاً في الفكر والثقافة والتربية والاقتصاد والأمن، إضافة الى غيرها من المجالات…
في الواقع، منذ إعلان نشوء دولة لبنان الكبير في بدايات القرن العشرين من القرن الماضي، ومروراً بقيام دولة لبنان – الميثاق عام 1943، وصولاً الى دولة الطائف، واللبنانيون يطربون لسماع «أنشودة جميلة» ما فتئت تتردّد على ألسنة النخب «المسيّسة» و «المثقفة» أيّ أنشودة لبنان – الرسالة، ومقولة لبنان «الدور الحضاري» الذي يتعدّى بأشواط «الدور السياسي».
لذا كان من الأجدى أن نُقرنَ الأقوال بالأفعال، وأن نخطو كلبنانيين خطوات جدية تقرّبنا أكثر الى هذا المثال أيّ لبنان «الرسالة»، ولبنان «الدور الحضاري» وإلى لبنان «الأنموذج» الإنساني الراقي في هذا المشرق بما يشكله من عمق تاريخي وإنساني جامع…
التتمة ص8
خلاصة هذه الرسالة المأمولة تتمثل في كون «التنوّع الديني» مصدر غنى إنساني كبير، وهو لا يتناقض بشكل من الأشكال مع شروط قيام دولة ذات هوية وطنية وقومية وإنسانية..
وخلاصة هذه الرسالة أيضاً تأكيد حقيقة «أنّ الدين لله والوطن للجميع». وهذا المبدأ يعني وبشكل مباشر «فصل الدين عن الدولة» وهو يبقى المخرج الوحيد من إشكالية «المأزق» المتمثل في الربط بين المستوى الديني والمستوى الزمني على مستوى الدولة والسلطة، خاصةً في مجتمعٍ يحتوي هذا الكمّ من التنوّع الطائفي والمذهبي.
نحن اليوم أمام قانون «انتخاب» شكّل خرقاً – من جهة – في منهجية التفكير الانتخابي في لبنان، وكذلك تطوّراً لا بأس به في طريقة وشكل الانتخاب حيث اعتمد «النسبية» كقاعدة، وهذه مسألة مهمة لأنّ فلسفة النسبية – بالمبدأ – تقوم على فكرة التعبير عن الشعب وإشراك القوى الحية في المجتمع في قيادة الحياة السياسية من خلال اختيار ممثليه إلى الندوة النيابية من دون إلغاء أو تهميش وبمستوى أعلى من شراكة وطنية للقوى والأحزاب والجمعيات وحتى الأفراد الذين يحوزون على ثقة الناس.
ولكن، وهذه مفارقة لبنانية «خالصة»، بدلاً من أن تفتح هذه الكوة «النسبية» الأفق أمام تعزيز الوحدة والتفاعل بين أبناء الشعب الواحد والمجتمع الواحد، تمّ تثقيلها بمجموعة من «الضوابط»، أجهضت «الفكرة النسبية» من أساسها، وجوّفتها وأعادت الفكر «الانتخابي اللبناني» إلى مربعه الأول، مربع النظرة إلى المواطنين باعتبارهم رعايا طوائف، وباعتبار التمثيل ليس للمواطن إنما لبنى طائفية ومذهبية تشكل قواعد بنيان الدولة الطائفية البعيدة كل البعد عن احتضان مواطنيها والدفاع عن مصالح حياتهم العليا.
فالتقسيمات التي نصّ عليها القانون الجديد هي تقسيمات غير عادلة وغير منصفة وغير متوازنة، واعتماد الصوت التفضيلي على أساس القضاء يهدف إلى ترسيخ البعد الطائفي والمذهبي في إنتاج السلطة.
وأبعد من ذلك، وفي الأساس، لا قيمة عملية لنسبية إذا لم تتحرّر من القيد الطائفي وعلى قاعدة الدوائر الكبرى.
لا قيمة لنسبية خارج إطار التنافس بين أحزاب وقوى عابرة للطوائف وعلى قاعدة برامج تغييرية حقيقية تنقذ لبنان من الهاوية الطائفية والمذهبية، مما يأسر لبنان ويحدّ من فاعليته التاريخية – الجغرافية الحضارية والإنسانية المأمولة في الداخل وفي المحيط.
باختصار، هذا القانون الجديد بتناقضاته تقدّم بالحياة السياسية خطوة إلى الأمام وتراجع بها خطوتين إلى الوراء…
ويبقى عنوان المرحلة المقبلة في لبنان استمرار النضال الثقافي والسياسي والفكري لردم الفجوة بين فوارق خطوتي التخلف وخطوة التقدّم إلى الأمام…
عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي