الخوري حنّا: الرفيقة الراحلة كانت مثال القوميات الاجتماعيات قيماً ومناقب وأخلاقاً
شيّعت مديرية المتين التابعة لمنفذية المتن الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي الرفيقة المناضلة عفيفة أبو جودة أبو سليمان، في مأتم حزبيّ وشعبيّ حاشد، شارك فيه رئيس الحزب الوزير علي قانصو، عضو المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، الرئيس الأسبق للحزب مسعد حجل، منفذ عام المتن الشمالي سمعان الخراط وأعضاء هيئة المنفذية، أعضاء هيئة المديرية المتين، رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء نهلا رياشي.
كما شارك أمين عام المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني نصري خوري، الوزير السابق فادي عبود، رئيس بلدية المتين زهير أبي نادر ومخاتير المتين وعائلة الفقيدة وحشد من القوميين وأهالي المتين ومخاتير من المتن الشمالي.
أقيم الجنّاز في كنيسة مار يوحنا في المتين. وبعد الجنّاز ألقى طوني نهرا كلمة مديرية المتين فتحدّث عن مزايا الراحلة وقال: كانت قدوة في النضال وكانت لها بصمة مميزة في المتين، وبرحيلها خسر الحزب والمتين مناضلة صادقة وسمت وجودها بمواقف العزّ. وكانت أمينة على الحزب والقضية وكانت مُحبوبة من قبل الجميع، وكان بيتها ملاذاً آمناً للقوميين الاجتماعيين.
وألقت كلمة العائلة أمل أبو جودة شكرت فيها الحضور، وقالت إنّ النهضة تزخر بتاريخ مناضليها الكبار، وإنّ المسيرة من أجل تحقيق النصر لبلادنا.
ثمّ ألقى ناظر الإذاعة في منفذية المتن الشمالي المحامي هشام الخوري حنّا كلمة جاء فيها: أقف اليوم في ذهول أوقعني فيه رحيلك أيتها الحبيبة الراحلة على أمواج الياسمين. الرفيقة العفيفة عفيفة أبو سليمان، وتضاعف في قلبي هول الفاجعة وتراءت أمامي صور الصراع، الصراع بين إرادتك في البقاء وقدر الرحيل.
جئتك زائراً في لحظة الوداع منذ يومين، راحت صورك تتراءى في خاطري، أحببت لو تتعطّل الذاكرة لأتخلّص من لوعة الحنين.
وتابع: هذا اليوم تستقبل المتين وردة من ورودها التي لم تفارقها يوماً وهي تقول: لمن ستضحك وردات الدار بعد اليوم، لمن سينحني الزهر وتشرق الشمس، بضحكات من سيستأنس ذاك المنزل، في لياليه الصيفية الجميلة بعد رحيل مؤنسته التي رحلت بصمتٍ وسكون موجع، تاركة وراءها شذى عطرها الطيّب وابتسامتها المشرقة، ووسامتها الزاهية وروحها النقية وحضورها الجميل المميّز، وبتحيتها المعهودة تحيا سورية، فكانت الرفيقة عفيفة بيننا تشعّ ألقاً بسجاياها ونبل أخلاقها وإنسانيتها ومحبتها، ونصاعة قلبها الطاهر وعفّتها بين أهلها ورفقائها، وسخاء كفّها وسحرها وهدوئها وحديثها، كموسيقى السماء ونظراتها كأشعة الشمس وابتسامتها الحلوة الجميلة كوميض البرق، وكانت الرفيقة عفيفة نقية صافية كالهواء وسمت رأسها بالفضائل وسَمت تناطح السحاب.
وأضاف الخوري حنّا: هذا هو مصير الورود التي تنمو وتحيا بهدوء، تعطّر سكينة المدى وترحل خفافاً من دون علم أو خبر، على غفلة كما قال الرحابنة: تاري الأحبّة عَ غفلة بيروحوا وما بيتركوا خبر، عَ غفلة بيروحوا».
فأيّ زمن هذا الذي يجعل إنساناً بحجم فقيدتنا الغالية عفيفة أبو سليمان ابتسامة وإشراقاً وتفاؤلاً وحباً ونقاوة وتضحية، وطنية ونضالاً ووفاء تغادر الدنيا لا عتاب ولا كلام، تراها كانت حزينة لِما وصلت إليه الاوضاع في هذا الوطن من تشرذم وانقسام، وما بلغه بعض ناسه من كراهية وهوان وتيه وتضعضع وتفتّت؟ تراها توجّعت نفساً وقلباً فأسلمت الروح بدلاً من أن تستسلم لليأس وسواد الزمان؟
الرفيقة عفيفة أبو سليمان لم تجعل لليأس مكاناً عندها، لأنها على يقين أن في هذه الأمة قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ، وستنهض الأمة وتتألّق فترتقي إلى قمم الخلود والمجد، لأنها آمنت بما قاله الزعيم أنطون سعاده: «مهما بلغت نكباتنا وانكساراتنا لن تمسّ ذرّة واحدة من إيماننا بالنصر الأكيد». تلك المبادئ ارتشفتها من عقيدة سعاده التي آمن بها والدها أبو فاروق الرفيق جرجس أبو جودة الشاعر النهضوي، ومن والدتها الرفيقة ميليا زينون التي تحمّلت مشاق السجون إبّان الاستعمار الفرنسي، وشبّت الرفيقة على خطى الوالدين سعياً وراء الحرّية والاستقلال والحياة ونهضة المجتمع، فانتمت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وكانت مثال القوميات الاجتماعيات قيماً ومناقب وأخلاقاً، وتزوّجت من الرفيق يوسف أبو سليمان ابن المتين، هذه البلدة العزيزة، وأنجبا عائلة قومية اجتماعية عملاً بالقَسَم الحزبيّ، أن تكون العقيدة شعاراً للعائلة وللبيت، وهم الرفقاء: غسان وراغدة وأمل وأليسار.
وتابع: ابان الانقلاب في العام 1962 اعتُقلت الرفيقة عفيفة من قبل جلّادي المكتب الثاني، بعد أن نزعوا رضيعها الرفيق غسان عن صدرها ولم يكن عمره قد تجاوز السنة بعد. وبعد خروجها من السجن لم تضعف عزيمتها، وكبُر إيمانها، وأصبحت أكثر صلابة وتمسّكاً بعقيدة سعاده وحزبه، تعمل في سبيل نهضة الأمّة. وتقديراً لنضالاتها وعطاءاتها، نالت وسام «الثبات» الحزبي، الثبات في الإيمان بالعقيدة والحزب، ووسام «الوفاء»، الوفاء للأمة وللقضية التي تساوي وجودنا، وكأنّ أبا فاروق يناجي ابنته الرفيقة عفيفة قائلاً:
«عرفتِ الحياة من قبل ما دخلت الحياة
هيدي صفاتك ما عليها اختلاف
عنك سألنا الصالحات الفاضلات
عَ مذبحك تليو الصلا والاعتراف
إنت رئيسة كل جوقة طاهرات
وإنت بمملكة العفاف كلّك عفاف».
كما أضاف: في الختام، يا رفيقة عفيفة، أيتها الراحلة عنّا وفي كلّ قلب من قلوبنا لك رسم، وفي كلّ فؤاد من أفئدتنا لك رمس، نودّعك الآن الوداع الأخير ونعاهدك من المتين التي أردناها، نحن القوميين، واحة تفاعلية حضارية بكلّ تلاوينها الاجتماعية والثقافية والسياسية، نعاهدك أننا لن نتخلّى عن الصراع، سنقف في وجه الأنواء التي تتعرّض لها الأمة من كلّ حدب وصوب، سنعمل أبداً لوحدة المجتمع، نواجه الطائفية، نتصدّى لمشاريع التفتيت والتقسيم والفدرلة، وسنُبقي فلسطين بوصلتنا ومسألتنا وهدفنا، وسنعمل من أجل الشعب لمصلحة الشعب كلّ الشعب.
وختم الخوري حنّا مقدّماً التعازي بِاسم قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي ومنفذية المتن الشمالي ومديرية المتين.