صمود سورية غيَّر التاريخ!
خليل إسماعيل رمَّال
مشهد الرئيس السوري بشَّار حافظ الأسد وهو يتجوّل في سوق في إحدى ضواحي دمشق من دون حراسة، أو على الأقلّ حراسة غير ظاهرة، رغم المخاطر الأمنية الهائلة حوله واستقبال النَّاس اللافت له بعد تفاجئهم به، لعله أفضل تعبير عن المشهد العربي الجديد المتحوِّل.
فها هي تستعيد عافيتها في ظلّ أخطر حرب ضروس بين السعودية وحليفتها الإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية وكأنها حرب داحس والغبراء من جديد. لقد صمد رئيس سورية بقوة شعبه وجيشه والقوى المقاوِمَة الحليفة ولربما هو أول رئيس في التاريخ يتكالب عليه الأعداء بحربٍ كونية ويخرج منها كطائر الفينيق.
لقد قلنا سابقاً وكرّرنا أنَّ سورية ستُنهي وحدها عصر القطب الدولي الأوحد وهو أميركا، كما أنَّ تداعيات المعركة ضدَّها ستؤدّي إلى إنهاء الربيع العربي المشؤوم وإلى ارتدادات وخيمة على المنطقة وعلى الذين قاموا برعاية واحتضان وتمويل وتسليح الإرهابيين واصطناع مدّ تكفيري دموي همجي قروسطي لن يقف عند حدود دمشق.
لا حاجة هنا للتذكير بما حصل للغرب وتعداد الرؤساء الغربيين الذين رحلوا وبقي الأسد شامخاً. وفي لبنان نحرت ثورة «الزنزلخت» نفسها بنفسها بعد أنّْ تكفل بذلك سعد الحريري وخلط سياساته وقلب تحالفاته 180 درجة بعد دعمه لحليف سورية الأول النائب سليمان فرنجية ثم التخلي عن حليفيه جعجع وجنبلاط، إلى تحالفه اليوم مع التيَّار الوطني الحر والوزير جبران باسيل إلى قبوله بالنسبية بعد معجزة قيامة قانون انتخابي في ربع الساعة الأخير على الطريقة اللبنانية، وكلّ ذلك كرمى لعيون رئاسة الحكومة.
لذلك يفتش فارس سعيد اليوم عن دور لربما تطبيعي مع العدو، حسب المؤتمر الماروني الأخير حول القدس. وهذا هو النمط السائد حالياً على كلّ حال بعد ترسيخ التحالف بين بني سعود و»إسرائيل»، والحديث عن خط طيران مباشر بينهما لنقل حجاج من فلسطين بينما تمّ طرد قطريين، وهم وهابيون، من العمرة ومُنع الباقون من القدوم.
حرب الخليجيين هذه كشَفَتْ هشاشة وكذبة مجلس التعاون الخليجي الذي انهار من أول هزّة، والأزمة الخليجية مرشحة لأن تطول وتكشف عن المثير من الأسرار والمستور في ما يتعلَّق باغتيال المبحوح في دبي، وكأس العالم، ومن وراء محاولة الانقلاب في تركيا. ومهما كانت النتيجة فإنّ الخاسر الأكبر ستكون السعودية الغارقة في وحول اليمن، خصوصاً إذا استمرّ صمود الدوحة بعد جرعة صفقة «طاسة رعبة» السلاح مع واشنطن بقيمة 12 مليار دولار واستمرار الغموض المقصود في موقف واشنطن. وتحاول قطر حالياً استعطاف الشارع العربي الميت، بعد انحياز «إسرائيل» للسعودية وإعلانها إغلاق مكتب «الجزيرة»، رغم تذلُّل مديرها المشين هناك وإعلانه أنَّه لم يحرِّض يوماً على «إسرائيل». إنه فعلاً إنسان شهم! ولا يبدو أنَّ قطر التي هي أول من أقامت علاقات مع العدو ستتعظ من غدره عندما يهجرها عند أول مفرق ولا أنّْ ترد الجميل لإيران التي أنقذتها من الجوع.
ومن نتائج انتصار الأسد أنَّ رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها المخلوع حمد بن جاسم، الذي كان رأس الحربة ضدّ سورية يوم كان يتصرّف كأنَّ بلاده دولة عظمى، بدأ عملية التودّد لسورية والاعتراف بأخطاء جسيمة، ولكن بعد فوات الأوان وحيث لا ينفع الندم، اذا لم يقترن بخطوات عملية لوقف الإرهاب في سورية والعراق وليبيا والبحرين واليمن. ولعلّ هذا ما كان يفكِّر به الرئيس الأسد عندما رفض تمني روسيا عليه بلقاء وزير خارجية قطر الحالي. فسورية لها موقف مبدئي مشرِّف ضدّ من دمّر شعبها وأراق دمه وهي لا تخضع للمساومات، خصوصاً وهي تحقق الانتصارات.
هذه هي بعض الأسباب الكافية التي تحمل الأسد على التجوّل بكلّ حرية والزهو وسط شعبه في سوق المزة بينما يختبئ حكام العرب في قصور عجزهم…!