الدولة الحقيقية بإلغاء الطائفية…
معن حمية
لم تأت تحفظات رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو، على بعض مواد قانون الانتخابات النيابية من باب تسجيل النقاط على طاولة مجلس الوزراء، بل حملت في مضامينها تصويباً جوهرياً كان يجدر الأخذ به للوصول لقانون انتخابات عصري، تتراجع معه المصالح الجهوية وتتقدّم المصلحة الوطنية على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، والتي تقوم على مرتكزات المواطنة الكاملة، وتحصين الوحدة الاجتماعية وحماية السلم الأهلي.
لا شك في أنّ القانون بالصيغة التي أقرّت وتحديداً لجهة اعتماد النسبية، يشكل نقلة مهمة. وهذه النقلة كان يمكن أن تكون مكتملة لو لم تكن هناك موادّ في القانون يتحفظ عليها الحزب السوري القومي الاجتماعي، لأنّ هذا الحزب، يرى كلّ مصالحه في بناء الدولة القوية والقادرة العادلة، الخالية من كلّ إثم طائفي ومذهبي، تنبعث منه رائحة الفساد، والصفقات والسمسرات واللعب بمصير البلاد والعباد.
أيّ قانون انتخابي يعتمد النسبية يشكل بارقة أمل، لكن النسبية على أساس دوائر صغيرة لن توفر فرصاً أكيدة لتحقيق الإصلاح السياسي المنشود، والتحفظات التي وضعها رئيس الحزب، كشفت الثغرات والشوائب التي تعتري هذا القانون الانتخابي.
في مقدّمة التحفظات تأتي مسألة غياب وحدة المعايير، فبعض الدوائر تضمّ قضاءين أو أكثر، بينما هناك دوائر تضمّ قضاء منفرداً مثل أقضية بعبدا والمتن وزحلة. وهذا ما يعكس الخلل في كيفية تقسيم هذه الدوائر. وهو تأكيد على أنّ بعض الدوائر قسّم على قياس بعض الجهات، من أجل ضمان سطوتها على مقاعد هذا القضاء أو ذلك من دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة وحدة المعيار التي تكفل وصول ممثلين حقيقيّين عن الناس الى مجلس النواب. وهذا هو أحد أشكال الاستئثار بشكل واضح ومفضوح.
وفي ما خصّ النسبية بات واضحاً أنّ الطريقة التي تمّ اعتمادها سُلخ عنها الهدف المرجوّ من تضمينها في متن القانون الانتخابي. فالنسبية في ظلّ التقسيم الحاصل للدوائر لا تفتح الطريق أمام تحقيق إصلاحات حقيقية، ولا تحقق صحة التمثيل. فالنسبية تعطي ثمارها حين يكون لبنان دائرة واحدة، أو ربما بالدوائر الكبيرة والموسّعة، ومن هنا جاء تحفظ الرئيس قانصو، ترجمة لرؤية وموقف الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان تقدّم قبل عقدين من الزمن عبر كتلته النيابية بمشروع قانون يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية وخارج القيد الطائفي. وهذا كفيل بتحقيق عدالة التمثيل على أساس وطني، بينما الطريقة التي اعتمدت في القانون الانتخابي الجديد وفق الدوائر الخمس عشرة، تعزّز المنحى الطائفي على حساب المنحى الوطني. وهنا فإنّ الصوت التفضيلي على أساس الدائرة الضيقة أيّ القضاء ، ينطوي على خطورة بالغة، إذ إنه يعزّز الاصطفافات الطائفية والمذهبية. وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه يتنافى ومفهوم الحالة الوطنية الجامعة، والمطلوب أن يتمّ انتخاب النواب الذين يُعتبرون وفقاً للدستور ممثلين عن كلّ لبنان وليس عن الطائفة أو الحيّ أو الزاروب.
التحفظ أيضاً على عدم خفض سنّ الاقتراع إلى سنّ الثامنة عشرة، غاية في الأهمية، لأنّ الشباب جدير بتحمّل المسؤوليات.
وعليه فإنّ تحفظات حزبنا في ما خصّ قانون الانتخابات هدفها قول الكلمة الفصل، بأنه لا بدّ من قيام دولة المواطنة. وبهذه القناعة يحضر رئيس الحزب لقاء قصر بعبدا اليوم بدعوة من رئيس الجمهورية، ليؤكد بالروحية ذاتها ضرورة تطبيق المندرجات الإصلاحية في اتفاق الطائف، وفي مقدّمها تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، لأنّ لبنان يحيا بالإخاء القومي ويفنى بالطائفية.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي