إعطاء الأولوية لمستقبل الاتحاد الأوروبي أكثر من بريكست
شارك قادة دول الاتحاد الأوروبي في قمة في بروكسل أمس، والتي تستمر إلى اليوم في أجواء من الثقة، خصوصاً بعد انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حين تحضر رئيسة الوزراء البريطانية وهي في موقف ضعيف بعد الصفعة الانتخابية التي تلقتها أخيراً.
وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في رسالة الدعوة الموجّهة إلى رؤساء الدول والحكومات الـ28 الأعضاء في الاتحاد «نلتقي اليوم في أجواء سياسية مختلفة عما كانت عليه قبل أشهر قليلة، عندما كانت القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي لا تزال تزداد قوة».
من جهتها، شدّدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمس، على أنه «يجب إعطاء الأولوية لمستقبل الاتحاد الأوروبي أكثر من بريكست»، فيما تلتقي رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي القادة الأوروبيين للمرة الأولى في بروكسل منذ نكستها الانتخابية.
وأعلنت ماي التي تتعرّض لضغوط قوية من الجهات كلها منذ أن خسرت غالبيتها البرلمانية «أنّ مهمتها في بروكسل ستكون تحديد خطتها لحماية حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي».
لكن ميركل، أقوى قادة أوروبا، أوضحت بأنّ «هذه المسألة لا تتصدّر برنامج عملها»، مؤكدة «علاقات برلين القوية مع فرنسا ورئيسها الجديد إيمانويل ماكرون».
وقالت ميركل «بالنسبة لي، الأولوية هي لتحديد مستقبل الاتحاد الأوروبي بـ27 دولة، وليس المفاوضات مع بريطانيا حول خروجها»، مضيفة: «نريد أن نجري هذه المفاوضات بانفتاح، إلا أنّ علينا أن نركز قبل كل شيء على مستقبل الدول الـ27».
وتابعت «أعتقد أنّ الدفع الجديد المقبل من فرنسا، ومن ألمانيا وفرنسا، يمكن أن يكون جيداً للجميع».
وكان ماكرون صرّح قبل ذلك «أنّ الأولوية بالنسبة إليّ هي في مناقشة مشاريع لإنشاء صناديق، ومناقشة طموحاتنا، وتجنب الدخول لأيام عدة في نقاش حول التفكيك»، في إشارة إلى النقاش حول مكاني نقل هيئتين تابعتين للاتحاد الأوروبي من لندن، إلى مدينتين أوروبيتين بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويبقى مصير قرابة ثلاثة ملايين أوروبي يقيمون في بريطانيا وحوالى مليون بريطاني يقيمون في دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي موضع قلق مع قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد.
ورفضت ماي في السابق «ضمان حقوق رعايا الاتحاد الأوروبي في بريطانيا قبل الحصول على ضمانات بخصوص البريطانيين المقيمين في أوروبا».
ومسألة حقوق الرعايا هي إحدى ثلاث أولويات في مفاوضات بريكست التي انطلقت رسمياً الاثنين إلى جانب «كلفة خروج بريطانيا من الاتحاد المقدرة بحوالى مئة مليار يورو ومسألة إيرلندا الشمالية التي ستشكل الحدود الوحيدة لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست».
وكان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أعرب في وقت سابق عن «أمله في أن يعود البريطانيون عن قرارهم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي»، واصفاً الفكرة بـ «الحلم القابل للتحقق».
وقال توسك للصحافيين «بعض أصدقائي البريطانيين سألوني إذا كان من الممكن التراجع عن بريكست وإن كان من الممكن التوصل إلى نتيجة تفضي إلى بقاء المملكة المتحدة جزءاً من الاتحاد الأوروبي».
وبعد أن كانت ماي شدّدت مراراً بأنها تفضل عدم التوصل إلى إتفاق حول الانسحاب على القبول بـ «اتفاق سيئ»، شاركت في القمة مساء أمس وهي في موقع ضعيف بعد خسارتها غالبيتها النيابية في الانتخابات التشريعية الأخيرة المبكرة التي دعت إليها، على أمل كسب مزيد من الدعم في المفاوضات المقبلة.
بحيث كانت مداخلة ماي مقتضبة «إذ لا يتعلّق الأمر بفتح نقاش»، بحسب مصادر دبلوماسية عدة في بروكسل.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية «إنّ ماي كشفت عن المبادئ التي ستوجه المفاوضين البريطانيين حول مصير الرعايا البريطانيين المقيمين في الاتحاد الأوروبي، والأوروبيين في بريطانيا والمعنيين بشكل خاص بالبريكست». ومن المقرر أن يتم نشر وثيقة أكثر تفصيلاً حول الموضوع في 26 حزيران.
بعدها، غادرت ماي الاجتماع وانصرف قادة الدول الـ27 للتشاور حول المقر الجديد لوكالتين أوروبيتين ستنتقلان من لندن هما «السلطة المصرفية الأوروبية» و «الوكالة الأوروبية للدواء».
وقال دبلوماسي أوروبي «إنها المسألة الأولى لمرحلة ما بعد بريكست التي يتعيّن علينا النظر فيها من دون بريطانيا. وإذا لم نتخذ موقفاً موحداً فذلك سيرسل إشارات سلبية».
في إطار هذه الوحدة المعلنة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن «يُخصّص حيّز مهم من جدول أعمال القمة لإجراءات حماية مواطني الاتحاد».
يذكر أنّ قرار البريطانيين المؤيد لبريكست أحدث صدمة في أوساط التكتل السنة الماضية، لكن النكسة التي مُنيت بها ماي في الانتخابات المبكرة في 8 حزيران وأفقدت حزبها الغالبية المطلقة في البرلمان، أثارت تكهنات بأنّ «خططها المتعلقة ببريكست قد تضعف كثيراً أو حتى يتمّ التراجع عنها كلياً».
والأسبوع الماضي، أكد كلٌّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير المالية الألماني وولفغانغ شويبليه أنّ «الباب مفتوح لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي».
من جهة أخرى، تعتبر «مكافحة الإرهاب والتطرف» من الأولويات على جدول أعمال قادة الدول الأوروبية في القمة. وسيركزون خصوصاً على «المنصات المستخدمة على الإنترنت ودورها في الدعوة إلى العنف».
وقال توسك «علينا أن نثبت أننا قادرون على استعادة التحكم بأحداث تكون مؤسفة وأحياناً مروّعة».
فقد شهدت بلجيكا مجدداً مساء الثلاثاء هجوماً لم يوقع ضحايا نفّذه مغربي فجّر عبوة في إحدى محطات القطارات الرئيسية في العاصمة على بعد كيلومترات فقط من الحي الذي يضم المؤسسات الأوروبية قبل أن يُقتل برصاص جندي.
يأتي الاعتداء بينما تشهد أوروبا، خصوصاً بريطانيا وفرنسا، موجة من الهجمات الإرهابية في الأشهر الأخيرة.
وعلى جدول الأعمال اليوم أيضاً «سبل الحماية في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي»، مثل «احتواء الآثار السلبية للعولمة والتصدي لممارسات المنافسة غير النزيهة».
ويمكن أن تشمل هذه الحماية أيضاً «مكافحة التغيرات المناخية» التي سيتباحث بشأنها القادة الـ28 بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس.
على الصعيد الدبلوماسي، استعرض ماكرون الذي يشارك للمرة الأولى في قمة أوروبية منذ انتخابه مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تطبيق اتفاقات مينسك 2015 لإحلال السلام في شرق أوكرانيا والتي لم تحقق نجاحاً حتى الآن. كما عرض المسؤولان «تجديد العقوبات الاقتصادية على موسكو لمدة ستة أشهر»، بحسب مصادر دبلوماسية.
من جهة أخرى، شكلت «السياسة الحمائية التي ينتهجها ترامب وانتقاداته للاتحاد الأوروبي»، مبرراً إضافيا لمؤيدي التزام أكبر حول الأمن في أوروبا.
إزاء بريكست والشكوك حول التزام الشريك الأميركي، من المتوقع أن «يقدّم الأوروبيون دعماً لإجراءات عدة من أجل تعزيز سبل الدفاع الأوروبي».