العيد في قصر بعبدا حلّ باكراً: هل وضع حجر أساس التوافقات المقبلة؟
روزانا رمّال
استبق العيد موعده الى بعبدا في جلسة خرج منها دخان التوافق الابيض أمس، مع أجواء تفاؤلية افتقدها اللبنانيون ربما منذ مرحلة ما بعد اغتيال الحريري او ما يزيد لحظة تبدّل الأجواء الإقليمية وبدء التموضع المحلي وفق اجندات متضاربة.
احتضن قصر الشعب ممثلي الشعب والأحزاب في الحكومة اللبنانية غاب عنهم لظروف استثنائية ولموعد مسبق في «روسيا» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لتبقى ملائكته حاضرة ولا يتغير شيء من هذا المزاج اللطيف. المرحلة الجديدة في لبنان بدأت. كل شيء يوحي من هناك بذلك. لا مكان للخلافات على الطاولة، مشاورات جدية ونيات إيجابية في حماية لبنان من أتون الصراعات الإقليمية الكبرى، ليبقى النائب سليمان فرنجية نجم الجلسة بحضور أعلن عنه مسبقاً، لكنه حمل إشارات السلام مع بعبدا.
لقاء وسلام بعد فراق او طلاق بين وزير الخارجية جبران باسيل والنائب سليمان فرنجية، رغم الخطابات السياسية العالية النبرة بين الرجلين تكفل بقطع الطريق على بعض من تكهن بعدم إيجابية باسيل او اعتبر بافضل الاحوال ان فرنجية ذاهب لتلبية دعوة عون فقط بدون الأخذ بعين الاعتبار الشكليات حتى في ذلك الاجتماع.
كسر النائب فرنجية الجليد مع القصر ما سيرتّب عليه في الأيام المقبلة كسر المحرمات التي تحول دون اللقاء مع الرئيس ميشال عون بشكل دوري أو طبيعي كرئيس للبلاد. وحده الرئيس بري يعرف من اين تؤكل الكتف، ويدرك تماماً ان الوقت سار كما تشتهيها رياحه الدستورية والانتخابية والسياسية. فهو اليوم أكثر ارتياحاً لاكتمال «السلّة» ويعلن أن التوافق بينه وبين الرئيس عون عالٍ، لا كما يروّج او يُراد له. فلا تمديد ولا فراغ في المجلس النيابي ولا قانون انتخابات خارج «مداره» الروحي.
ارتياح برّي الذي بدا لحظة خروجه من الاجتماع رافقتها ابتسامات الرئيس سعد الحريري «شريك العهد» في البيان الذي خرج عن الجلسة «التاريخية» وشريك العهد بالصفقة التي أتت به رئيساً للحكومة وهي نفسها التي يعوّل على «التمديد» لها من جديد. وهو ما من شأنه ضمان الهدوء مع الرئاسة الأولى حتى الانتخابات النيابية ربيع العام المقبل.
بالعودة الى فرنجية، «نجم» جلسة الأمس، معلومات «البناء» تشير إلى أنه وبذهابه إلى قصر بعبدا وتلبيته دعوة الرئيس ميشال عون الرسمية له يكون قد «تقدّم» خطوة باتجاه عون الذي بادر إلى دعوته على اعتباره رئيس تيار المردة وأحد المشاركين في الحكومة التي ستستمرّ لسنة من الآن. وهو بذلك وضع الحجر الأساس تجاه مساعي إنهاء «القطيعة» التي كان قد سعى اليها حليف الطرفين «حزب الله» الذي يرى أن الخلاف بين الطرفين خلاف لا بد أن تُذلل عقباته تدريجياً. وفي هذا الاطار يؤكد مصدر مطلع لـ»البناء» أن الإيجابية التي تحيط ببري في اليومين الماضيين تجاه الرئاسة الاولى قادرة على التأثير إيجاباً في تقدّم فكرة التقارب بين حركة أمل والتيار الوطني الحر من جهة وبين الأخير وتيار المردة من جهة أخرى، فالرئيس بري «عرّاب» فرنجية وخريطة طريقه «الروحية» سياسياً يبدو أكثر المتحمّسين لفتح صفحة جديدة مع العهد بعد أن انتهى كابوس قانون الانتخابات لتبقى المصالح الاقتصادية أحد أبرز ما سيحكم توجّهات المرحلة المقبلة بين كل الأطراف خصوصاً الكتل الكبرى.
التوافق المحلي الذي لا ينفصل عن المشهد العام في المنطقة يؤكد المسؤولية التي تقع على عاتق اللبنانيين، هذه المرة في أهمية الاستفادة من انشغالات الدول الإقليمية بمشاكلها التي تكبر يوماً بعد الآخر، خصوصاً الأزمة الخليجية التي لها دور أساسي بالتأثير على مواقف الدول العربية بين التأييد والحياد وهو ما يضع الحكومة اللبنانية ورئاسة الجمهورية في مقدّمة السلطات المسؤولة عن النجاح في تحييد لبنان عن ذيول هذه الأزمة، خصوصاً في المحافل الرسمية الاقليمية او الدولية، وبالأخص إذا طالت، لأن هذا سيرتب من دون شك إعادة نسف المشهد التوافقي الذي شاهدناه أمس. وهو الامر الذي سيعرّض لبنان للمخاطر ان يدخل في التجاذبات قبل موعد الانتخابات بكثير ما يعني الدخول في مرحلة اشتباك مبكر بين الأفرقاء وربما استغلال الخلافات الخليجية لمآرب انتخابية سياسية ومالية.
أكثر ما يقلق الرئيس عون الدخول في هذه التجاذبات التي دعا إلى تفاديها، وهو لا يريد أن تؤسس فترة «السنة» المخصّصة للتحضير للانتخابات الى فرصة لاستغلال مواطن الخلاف وتكبيرها. وعلى هذا الأساس تبدو جلسة بعبدا في «22 حزيران 2017» أول بيانات العهد التي تؤسس لمرحلة الاصلاحات السياسية والاقتصادية الموضوعة على عاتقه.
في المحصلة تبدو كل الكتل والاطراف السياسية مقتنعة بما هو أهم من الحسابات والمناكفات. وهو ان العين على الخارج لم تعد الفكرة المربحة وأن الانكفاء للداخل والاعتماد على الإنجازات المباشرة والتقديمات في الحكومة كعمل تنفيذي مباشر وحدها القادرة على حماية حضور هذه الكتل وتعزيز نفوذها، لا كما جرت العادة باستجلاب هذا النفوذ من الخارج والاستقواء فيه بعيدا عن أي مخطط جدّي يعود بالفائدة على اللبنانيين.
أجواء عيد الفطر الإيجابية حلّت هدية عيد مبكرة على اللبنانيين في قصر بعبدا عسى أن تطول مفاعيلها وتتعزّز بركاتها أكثر.