افهموها واستقيموا قبل فوات الأوان…!

محمد ح. الحاج

ليست المرة الأولى التي يتنقل فيها الرئيس بشار الأسد وحيداً دون موكب ولا مرافقة، حتى أنه يقود سيارته بنفسه، كثير من السوريين شاهدوه هكذا، وقفوا قربه أو تبادلوا معه الحديث، في دمشق، وحمص وحلب، وفي تدمر شاهده الكثير من أبنائها يقود دراجة هوائية مع الصباح الباكر متوجّهاً نحو القلعة، وكثيراً ما التقى بوفود من السياح الأجانب، تبادل معهم الحديث والتقط معهم الصور، وهذه حادثة شهدتها وسمعت تفاصيلها رواها لي شاب وشابة فرنسيان كانا في زيارة لتدمر.

كنا في مجلس عزاء… – خيمة كبيرة – وصادف عبورهما، وقف الشاب قرب مدخلها وسأل إنْ كان بإمكانه تناول القهوة المرة، كنا من أهل العزاء، وما كان وقت الازدحام، دعوناه فدخل هو وصديقته وقدّمنا لهم الضيافة، قال الشاب أنتم لطفاء جداً مثل رئيسكم…! قلت وهل تعرفه أو صادفته – كنت أعلم أنّ الرئيس في تدمر قال الشاب الأجنبي: نعم كنا مجموعة كبيرة نرقب الشروق من القلعة ونلتقط الصور ورأيناه يصل ومعه دراجته، استغربنا أول الأمر، واحد من المجموعة قال: هذا رئيس سورية… الأسد، نظرنا في كلّ الجهات فلم نلحظ موكباً ولا سيارات ولا رجال حراسة، فعلاً.. كان الوضع غريباً، استطرد: ألقى علينا التحية وسألنا إنْ كنا نستمتع بوقتنا، التقطنا الصور معه، بعضنا كان في حالة ذهول لا يصدّق فنحن في جولاتنا السياحية لم نقابل أحداً من رؤساء الدول كما في حالتنا اليوم، قضى معنا بعض الوقت، وتبادل المزاح مع بعض السيدات من كبار السنّ، ووقف بينهن للتصوير، أنتم محظوظون بهذا الرئيس، الشاب الرائع.

الكثير في جعبتي من القصص عن السلوك الاجتماعي الراقي للرئيس الأسد، قد أجمعها في كراس يوماً ما، لكنني أذكر ما رواه أحد عمال النظافة في بلدية تدمر حيث قال إنّ الرئيس مرّ بهم باكراً وهم يقومون بعملهم وكان معه ابنه على الدراجة، توقف وسألهم عن متاعبهم، فتمنّوا عليه أن يكون لتدمر آليات للنظافة غير الجرار، وبعد فترة وبأمر منه تمّ تخصيص مدينة تدمر بسيارات آلية لجمع القمامة، ومكنسة آلية لتنظيف الشوارع العريضة.

الرئيس الذي يتلمّس حاجات شعبه، لا بدّ له من الالتقاء بالعديد من شرائح هذا الشعب وفي كلّ المناطق، وأعتقد أنّ الرئيس الأسد فعل الكثير في هذا الشأن، ولهذا فهو عندما يتحدث لا يتحدث نقلاً عن فلان أو إيحاء واقتراح مستشار ما، إنما هو يبني توجيهاته وتعليماته من واقع التجربة وملامسة الواقع الحياتي في أغلب المناطق التي يتجوّل فيها، وهكذا فقد نعمت الكثير من المناطق بالرعاية والاهتمام بالطرق والمنشآت الخدمية.

وأصل إلى حديث الرئيس الأسد في مجلس الوزراء قبل أيام، ونقده المرير لسلوك البعض من المسؤولين أو أبنائهم أو حاشيتهم أو بعض الجماعات المتفلتة الخارجة على القانون، الرئيس الأسد وقف مطوّلاً عند أحد الحواجز ليعلم بعدها من العسكري المصاب بالدهشة لوجود الرئيس في هذا الازدحام أنّ عناصر المرافقة لأحد المسؤولين أمروه بقطع الطريق لمروره في المنطقة حتى لا يتأخر على اجتماع يرأسه الرئيس الذي انتظر حتى فتح الطريق.

يعتقد كثيرون، وهذا اعتقاد خاطئ بالمطلق أنّ الرئيس لا يعلم ما يحصل في الكثير من المناطق، ولا يلمّ بتفاصيل سلوك المسؤولين أو المتنفذين من حواشيهم وحتى الطفيليات على الهوامش ممن يطلق عليهم أسماء وصفات عديدة، وبائسة… عفيشة، وشبيحة، وخاطفين ولصوص إلخ… يستظلون وينتحلون صفات وشخصيات ليست لهم، يطال أفعالهم القانون وعقوباته ليست بسيطة، لكن الظروف الحالية يسّرت باعتقادهم وسهّلت لهم أفعالهم ويعتقدون أن العفو سيشملها، وهي فرصة للإثراء غير المشروع على حساب عامة الشعب.

الحقيقة أنه ما من سلوك لفرد أو جماعة يستمرّ خافياً حتى لفترة وجيزة، في أصغر القرى والتجمعات السكانية لا يمكن لأمر أن يظلّ خافياً، وما من سلوك إلا وهو مسجل ومدوّن وتحت الرقابة، صغر شأنه أم كبر، وأؤكد أنّ كلّ شيء معلوم ومكشوف ومسجل بالتوقيت والأسماء والتفاصيل الدقيقة بانتظار ساعة الحساب ولن يفلت هؤلاء، وحده من ينتقل إلى الدار الآخرة غير مأسوف عليه، وقد لا يذكره أحد إلا بما فعل من سوء تجاه محيطه.

الكلمات القليلة التي تحدث بها الرئيس الأسد في بداية جلسة مجلس الوزراء السوري الأخير لها معانيها بعيدة المدى، وهي لمن يفهم شاملة وعميقة، وتلميحاتها بالغة الدقة والدلالة، وهي ليست تنبيهاً فقط بقدر ما تنطوي على تحذير لكلّ فاسد ومخالف من ملاقاة الحساب الآجل الذي يستحق وبما جناه على نفسه من سلوك فاسد، وبعضهم بسبب مساهمته أو صمته وتغطيته على الفساد والفاسدين ولن يكون هناك استثناء لأيّ اعتبار أو موقع.

المواطنون في المناطق الواقعة تحت سيطرة العصابات المسلحة، لا شك يسجلون ويحفظون سلوك هؤلاء في إساءة معاملتهم، وسطوهم على ممتلكاتهم وممتلكات القطاع العام، كما يحفظون أسماء وأشكال من يتعاون معهم، من يزوّدهم بالمعلومات، ومن يشجّعهم على أفعالهم أو يحرّضهم على البعض الذين يختلف معهم لمصالح خاصة، هذا الأمر لا يقتصر على هذه المناطق فقط بل إنّ المناطق الآمنة، التي ما زالت تحت سيطرة الدولة وظلال القانون، أو التي عادت إلى واقعها بعد احتلال موقت، تحصل فيها أمور كثيرة منافية للأخلاق وخارجة على القانون من عمليات سلب وخطف وسرقات موصوفة بقوة السلاح، أو ممارسة قطع الطرق وارتكاب جرائم القتل والنهب، وهنا فإنّ من يمارسون ذلك لا يلبسون قبعات الإخفاء، وليسوا مجهولين في بيئاتهم وبعيداً عن أعين رقابة الجوار من السكان، وتبقى أفعالهم دون محاسبة لبعض الوقت، لكن أغلبهم يقع، وكم من هؤلاء يقبع في السجون، أو ينتظر الاعتقال بعد أن صدر بحقه عشرات مذكرات التوقيف ولم يتمّ تنفيذها لأسباب خارجة عن إرادة رجال الأمن من الشرطة الجنائية وغيرها.

كلمة الرئيس الأسد تضمّنت التوجيه الآمر لكلّ الجهات التنفيذية الأمنية للقيام بواجبها، وهو قد نزع غطاء الحماية وحتى الحصانة عن كلّ المخالفين ولم يستثن من يقاتلون دفاعاً عن الوطن كما يدّعون، وبعضهم يتخذ من هذا العنوان ستاراً ليمارس أعماله الخارجة على القانون، يجمع الثروة على حساب الآخرين وكلّ العيون تراه، وحده يعتقد أنه غير مكشوف، أو يظنّ مخطئاً أنّ الفلتان الأمني أبدي، أو أنّ عفواً شاملاً يتجاوز الجرائم الجنائية سوف يصدر، وقد سمع كثيرون منا بعض المرتكبين وهم يقولون: :… بكرا الرئيس بيصدر عفو عن كلّ الجرائم والمخالفات احتفالاً بالنصر. وهيك منرجع متل الراجع من الحجّ… نظيفاً كما ولدته أمه! كما حصل في لبنان مثلاً.

أيها الفاسدون، المرتكبون، المخالفون، لا تنتظروا العفو ولا المسامحة، فستأتون وكلّ كتابه أمام التحقيق، من أين لكم الثروة، القصور، السيارات وكنتم صعاليك متسوّلين أو أقرب إلى ذلك؟ – أنت قتلت فلاناً وزوجته وأولاده واستوليت على ما معهم وسيارتهم، وألقيت جثثهم في بئر. – وأنت الآخر قتلت فلاناً وزوجته وأحرقت ابنتيه الصغيرتين إخفاء للجريمة. – وأنت الثالث اختطفت ابن التاجر الفلاني وأعلنت عن نفسك ومانك سائل وأجبرت أهله على دفع عشرات الملايين… وأنت… وأنت وهكذا المئات.

من لم يرتكب حتى الآن من المهمّ أن يعرف كلّ هذا فيرتدع، ومن كان على وشك البداية فليتوقف وينضبط. ولمن هم موغلون في أفعالهم نقول: … إن لم تفهموها، فقد أخذ بكم الغباء إلى التهلكة ولا ملجأ لكم في الوطن يحميكم من الحساب، ربما يكون الهرب خارج الوطن مخرجاً، لكنها الغربة تقتلكم، ويطوّق أعناقكم الإذلال فلا تحميكم ثرواتكم… الفاسدون يلقون نهايتهم المحتومة، عاشوا عظاماً وماتوا فما مشى وراء جنازتهم عشرة أنفار، وبعضهم كان في أعلى درجات المسؤولية يتعرّض اليوم للطرد من ملجأ إلى آخر بعد أن داسوا كرامته وأذلوه وقد سقط الحجاب إلى الأبد…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى