مختصر مفيد لعبة خاسر خاسر
يتداول السياسيون والدبلوماسيون معادلة للتسويات يسمّونها لعبة رابح رابح، وتقوم على تحديد الحد الأدنى الممكن من الأرباح لكل فريق مفاوض والسعي لإيجاد معادلة تحققها معاً. ويمثل التفاهم على الملف النووي الإيراني واحداً من أمثلتها، حيث ضمنت إيران أهم ما تريده من ملفها، وضمن الغرب أهم ما يخشاه منه.
حاول الأميركيون صياغة معادلة شبيهة مع روسيا في سورية ولا يزالون من دون جدوى. فتوهموا أن الحديث بداية عن نظام جديد يضمن قواعد عسكرية ومصالح نفطية روسية في سورية، مقابل القبول بإسقاط النظام يلبي معادلة رابح رابح. ثم افترضوا أن بقاء النظام برئيس يختاره الروس بديل ممكن، ثم قبلوا ببقاء الرئيس السوري مقابل خروج إيران وحزب الله من سورية. واصطدموا دائماً بعقبة سوء فهمهم لحقيقة ما تريده موسكو في سورية.
يكتشف الأميركيون أن ما يريده الروس هو أن تبقى الدولة السورية برئيسها وجيشها واستقلالها وثوابتها وتحالفاتها. ويصعب عليهم فهم الأسباب. فهم لم ينتبهوا أن الاستراتيجية الروسية تقوم على حماية خيار الدول المستقلة من جهة، وحماية وحدة الكيانات الوطنية من جهة ثانية، ومحاربة التطرف والإرهاب من جهة ثالثة، لأنها تتشابه وتتلاقى بالتحديات التي تهدّد روسيا جميعها وأن ليس لدى روسيا مصالح آنية مباشرة تعلو على هذه الأهداف، التي تتعارض عضوياً وبنيوياً مع ما يفعله الأميركيون في سورية من سعي لتقاسم القرار المستقل لسورية مع روسيا وآخرين بجعلها مناطق نفوذ لا دولة، وتعريض وحدتها للخطر برعاية ميليشيا كردية تابعة لهم، وباستعمالهم للحرب على الإرهاب شعاراً لبلوغ هذين الهدفين، ما يستدعي بقاء الإرهاب كذريعة.
التصادم بين الروس والأميركيين موضوعي ولا يمكن تفاديه، ولكن واشنطن لا تملك قدرات وفرص الذهاب لمواجهة مفتوحة تحسم الصراع لا في سورية ولا في سواها، فلجأت إلى لعبة خاسر خاسر، ومحورها جعل كل خسارة تُصاب بها السياسة الأميركية في سورية سبباً لتعريض الأهداف الروسية لخسائر موازية. وتحت هذا العنوان تندرج الخطوات الأميركية الأخيرة في سورية من محاولة إعاقة تقدم الجيش السوري في الرقة او عرقلة تقدمه نحو الحدود مع العراق.
التصعيد الأميركي سيفرض جولة حاسمة مع داعش والجماعات المدعومة من واشنطن على خطوط التقدم التي يسلكها الجيش السوري نحو دير الزور شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لا يعود معها للعرقلة الأميركية فرص، ولا يبقى فيها مجال إلا لمعادلة رابح وخاسر..
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.