الصراع على شرق سورية والأكراد يدفعون الثمن
د.هدى رزق
لشرق سورية أهمية جيوسياسية، إذ يختزن ثلثي النفط السوري وهو غني بموارد الغاز. لكنها ليست الأهمية الوحيدة، فالشرق السوري يشكّل بالنسبة لإيران طريق طهران من العراق الى بيروت من خلال محور سنجار تل عفر الحسكة في الشمال، ومن خلال محور تدمر في الجنوب. ربما تكون الناحية الاقتصادية مهمة للنظام السوري، بالإضافة إلى النفط والغاز، وإعادة فتح طرق تجارية مهمة.
كذلك يكتسب الشرق السوري اهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة التي استهدفت طائرة النظام السوري، فيما اشتبكت قوات حماية الشعب للمرة الأولى مع قوات الجيش السوري شمال الرقة. وسجلت تقدماً كبيراً حول مدينة الرقة، واستردّت مناطق عدة. بعد أن كانت القوات الحكومية السورية والقوات الحليفة قد واستولت على نحو 1200 كيلومتر مربع في منطقة الرقة، لاستعادة السيطرة على مطار الثورة. وخاضت وحدات الحماية الكردية هجوماً واسع النطاق في الريف الغربي من الرقة، واستولت على قرى عدة مع مفترق الرصافة. ترى قوات النظام في سورية بأنه يمكنها أن تمارس ضغطاً على الأكراد وأن تعقد اتفاقاً لتقاسم السلطة معهم بعد ما أجبروا على التخلي عن سد الثورة. تتمّ هذه المعارك بدعم من الضربات الجوية الروسية، يقوم الجيش السوري بالضغط في الريف الجنوبي الشرقي لمدينة تدمر، ويستهدف منطقة بئر البادية، تبدو أولوية روسيا حماية الاراضي السورية ما سمح بالاستيلاء على تدمر والتقدّم نحو الشرق في منطقة دير الزور، وهي معقل آخر لتنظيم داعش. تنسّق العملية مع الهجمات التي تقوم بها وحدات الحشد الشعبي عبر الحدود بالقرب من سنجار فضلاً عن البعاج. وهدف طهران الرئيسي في المنطقة هو إنشاء ممر يربط بين طهران وبيروت. في هذا الوقت عبرت القوات التركية الحدود السورية في 21 حزيران وتوجّهت لبلدة اعزاز الحدودية، وهي واحدة من المراكز اللوجستية الرئيسية للعمليات التركية في شمال سورية. وأعلن الناطق باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين أن تركيا وإيران وروسيا تعمل على مناطق خفض التصعيد في سورية التي تضم الولايات المتحدة. أيضاً وقال كالين إن تركيا وروسيا يمكن ان تنشر قوات مشتركة في محافظة إدلب، التي يهيمن عليها تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام. وجود القوات التركية في إدلب سيزيد الضغط على عفرين، الذي تقطنها أغلبية كردية. كثفت تركيا والجيش الحرّ الهجمات ضد وحدات حماية الشعب الكردي السوري في عفرين وحولها في الأشهر الأخيرة، كما يستمرّ القصف عليها انطلاقاً من الجانب التركي من الحدود. قالت قوات سورية الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية إن التحركات التركية ركزت على مدينة تل رفعت، وهم يريدون استخدامها كقاعدة انطلاق في اعزاز، وقالت إن أي هجوم تركي في عفرين سيعطل الحملة المستمرة لتحرير الرقة، وأن المدينة ضرورية لجهود وحدات الحماية لربط المناطق الكردية في شرق نهر الفرات مع عفرين.
أرسلت تركيا مئات الجنود في شمال سورية الى مدينة جرابلس آب الماضي، لتعطيل خطط الأكراد السوريين ووقفت وحدات الحماية ضد محاولات من قبل الجماعات التركية المدعومة لاستعادة تل رفعت، ولكن الديناميات المتغيرة للحرب السورية يمكن أن تعمل الآن ضد مصلحتها في عفرين، حيث كانت تعتمد منذ أمد طويل على روسيا للحماية. أوضحت لها الولايات المتحدة أنها لن تتدخّل في أي صراع خارج منطقة نفوذها أي أنها ترفض مساعدة وحدات الحماية لضم الكانتونات، وذلك احتراماً لتركيا. وترى أنه على قوات التحالف كلها التطلع لقتال داعش، وهي لا زالت تكرر بانها لم تعطِ أي وعد للأكراد على حساب تركيا. تتولى الولايات المتحدة حماية وحدات حماية الشعب الكردية شرق نهر الفرات، حيث تقوم بضرب الإرهابيين وهي بدأت حملة لتحرير الرقة. اما الروس فهم يعملون غرب النهر لمساعدة النظام على محاربة الإرهاب والتقدم. ترصد قوات التحالف هذه التحركات كلها، لكنها تشدّد على ضرورة التركيز على قتال داعش وهي ترفض مساندة أي طرف حليف في صراعه مع الآخر.
تناور كل من روسيا والولايات المتحدة من أجل السيطرة على المنطقة الصحراوية الاستراتيجية في جنوب شرق سورية. أما الأكراد السوريون، فهم عالقون في وسط التوازن بين الدولتين الكبيرتين من جهة وبين تركيا وإيران التي تسعى الى مصالحها وكل يحاول شطبهم من المعادلة ليستمر في مشروعه. صحيح أن تركيا وإيران على طرفي نقيض في الصراع السوري ولكنهما تشتركان في المخاوف من المكاسب الكردية التي تسعى إلى استغلال الانقسامات. يتّهم مسؤولون أكراد روسيا بأنها تسمح للأتراك بالاعتداء على عفرين خدمة لمصالح النظام في سورية من أجل الوصول الى دير الزور. لكن تركيا يمكن أن تتحوّل ضد وحدات الحماية الكردية في عفرين من دون موافقة روسيا.
تخشى القوى الكردية دفع ثمن صراع المصالح بين روسيا والولايات المتحدة التي تتصاعد من اجل الوصول الى دير الزور. العاصمة الإدارية لنفط الصحراء الشرقية الغنية من سورية، والمحاصرة من قبل داعش. يقول المسؤولون الأكراد إنه يمكنهم قلب الأوضاع في عفرين. فقوات الحماية تدير القامشلي، وقوات النظام تحافظ على وجود صغير وهي تدير مطار القامشلي، المركز الحيوي لحلفائها الذين يستخدمون المطار لنقل الجنود وأسلحتهم في دير الزور. يمكن لوحدات الحماية الكردية التوصل إلى اتفاق مع الروس لتولي القاعدة، في مقابل تخفيف الضغط التركي على عفرين.
يرى المحللون السياسيون أنه مازال من غير الواضح ما تسعى الى تحقيقه كل من الولايات المتحدة وروسيا في شرق سورية. روسيا تريد حلاً سياسياً لسورية، وقد لا تستثمر قوتها في الشرق ما لم يظهر النظام استعداداً أكبر لقبول حل دبلوماسي.
أما الولايات المتحدة فليس لديها سياسة بشأن سورية، ولكن القيادة العسكرية الأميركية تسعى إلى توسيع عمليات المعارضة في الشرق. لكنها لن تشارك مباشرة في القتال من أجل مدن في محافظة دير الزور، مثل البو كمال والميادين.
اللعبة التي تمارس في شرق سورية بين القوى المتنافسة المختلفة قد تضفي الطابع الرسمي على الصفقة التي وضعتها روسيا والتي تهدف إلى تنفيذ وقف الأعمال العدائية في بعض المناطق مثل جزء من حمص ودمشق وجنوب سورية وإدلب. يقول بعض الخبراء إن الخطة التي تمّ التوصل إليها في أستانة في 9 أيار بتجميد الصراع وإبقاء فصائل مختلفة تسيطر على أراضٍ تديرها يمكنه إذا طال الوقت أن يساهم في عملية إهمال استرجاع سورية كدولة قومية.