سورية وبدء العدّ العكسي للانتصار
إبراهيم ياسين
لا شك بأنّ تطورات الأزمة السورية الميدانية والسياسية تشير بوضوح إلى بدء اندحار هذه الحرب – المؤامرة لصالح الدولة الوطنية السورية وحلفائها في محور المقاومة وروسيا والصين وإيران وغيرهم من الدول المناهضة لمشروع الهيمنة الأميركية على العالم.
لقد كان هدف الولايات المتحدة الأميركية ومعها سائر الدول الاستعمارية وكيان العدو الصهيوني إضعاف سورية وإنهاكها وصولاً إلى تفتيتها تطبيقاً لسياسة «الفوضى البناءة»، وتنفيذاً لمخطط «الشرق الأوسط الجديد»، وبهدف إنهاء دورها كدولة داعمة لحركات المقاومة في المنطقة والعالم، ورافضة للتسويات الاستسلامية مع العدو الصهيوني، وكذلك لعمليات التطبيع الجارية معه منذ أمد بعيد، إلا أنه لم يكن يعلن عنها، كما هو حاصل اليوم.
هذا التحالف الغربي ومعه الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية، استهدف تسعير نار الحرب في سورية ونقلها إلى لبنان وصَبّ الزيت على نار الفتنة المذهبية وزجّ المقاومة اللبنانية في مستنقعها بهدف محاصرة هذه المقاومة وإلهائها عن مجابهة العدو الصهيوني ومخططاته العدوانية…
وبعد مضيّ أكثر من ست سنوات على بدء هذه الحرب الكونية على سورية التي شنّتها قوى التحالف الغربي – الصهيوني – التركي – الرجعي العربي وخاصة الخليجي، بقيادة أميركا، فإنّ سورية نجحت في مواجهة المجموعات الإرهابية المسلحة بفضل صمود جيشها وشعبها وقيادتها، وهي ما زالت تواجه تحديات متعدّدة ومتنقلة.
إنّ صمود الجيش السوري وانتصاراته الميدانية مع حلفائه في المقاومة اللبنانية ومع الدعم الإيراني ودخول العامل الروسي لصالح الدولة السورية بثقله العسكري والسياسي يمثل أهمّ مؤشر على القدرة على الاستمرار في مواجهة القوى الإرهابية وداعميها الغربيين، على الرغم من النزف الحاصل، والدمار الهائل الذي أصاب سورية وكلّ بقعة من بقاعها.
وتأتي التطورات الميدانية التي تشهدها سورية لتؤكد بشكل واضح لا لُبْس فيه أنّ الجيش السوري والقوى الحليفة له قد نجح في تحقيق إنجازات نوعية في الحرب ضد القوى الإرهابية، وتجلى ذلك بشكل واضح في كلّ المناطق، من محيط دمشق الذي أصبح بمعظمه تحت سيطرة الدولة السورية، إلى مدينة حمص وحماة وريفها الشمالي، وقبل ذلك مدينة حلب وريفها الشرقي واليوم بات الجيش السوري وحلفاؤه يخوضون المعارك على الحدود مع العراق، وقد التقى الجيشان السوري والعراقي على الحدود المشتركة بين الدولتين… ويستمرّ القتال في ريف الرقة بعد أن تمّت استعادة القسم الأكبر من البادية السورية بما تحتويه من ثروات كبيرة، ولم يتبقّ سوى مدينة السخنة المدخل لبدء معركة فكّ الحصار عن مدينة دير الزُّور ومطارها العسكري.
لقد شكل وصول الجيش السوري إلى الحدود مع العراق ضربة قوية للمخطط الأميركي الذي كان يسعى عبر القوات العميلة له لتوسيع سيطرته انطلاقاً من منطقة التنف إلى منطقة البوكمال في ريف دير الزّور لخلق حاجز يعزل سورية عن العراق واستطراداً الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما جعل القوات الأميركية ومعها القوات الملحقة لها في التنف معزولة غير قادرة على القيام بأيّ خطوة عسكرية برية، لأنها ستصطدم بقوات الجيش السوري وحلفائه، الذين باتوا يسيطرون على الجبهة الشمالية في التنف بمحاذاة الحدود مع العراق ويتقدّمون بإتجاه البوكمال لملاقاة قوات الحشد الشعبي التي باتت مسيطرة بالكامل على الجهة المقابلة من الحدود مع سورية.
والمعلومات التي تصل تباعاً بعد لقاء الجيشين السوري والعراقي يؤشر إلى أنّ تعبيد الطرقات نحو دير الزُّور أصبح على قدم وساق، وعلى مختلف المحاور وصولاً لبدء عملية تحريرها، وهذا يعني بالدليل القاطع سقوط منطق كلّ الذين اعتقدوا وروّجوا إلى أنّ تقسيم سورية صار أمراً واقعاً، وأنه لن يكون بمقدور الجيش السوري والحلفاء تجاوز ما سمّي بالخطوط الحمر الأميركية.
وتأتي خطوة إسقاط طائرة سورية يوم الأحد الفائت من قبل قوات التحالف الدولي في سياق خطوة تصعيدية أميركية محدودة لا تشكل خطراً مباشراً لقيام أية مواجهة برية مع الجيش السوري، خاصة بعد قيام القوات الإيرانية بتنفيذ ضربتين صاروخيتين ضدّ معاقل «داعش» في دير الزُّور، وهي رسائل تصعيدية إلى واشنطن في إطار احتدام الكباش في الساحة السورية، وهي أيضاً تأتي كرسالة رداً على التصعيد الأميركي في إسقاطه للطائرة السورية، على الرغم من الإعلان الإيراني بربط إطلاق الصواريخ كردّ على الهجوم الإرهابي الذي حدث في طهران في 7 حزيران الحالي.
وعلى الرغم من الإعلان الإيراني هذا، إنما لهذه الضربة سياق اخر حفّز القيادة الروسية على اتخاذ موقف أكثر تشدّداً بإتجاه الأميركي، الذي يحاول يائساً تعديل موازين القوى لصالح عملائه.
إنّ كل انتصار جديد يحرزه الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان سيشدّ الأنظار له، وسيزيد من عملية الكباش العسكري لتعديل ميزان القوى لمصلحته بانتظار طاولة المفاوضات لتسوية ما… يعتقد البعض أنها ستعقد في آواخر هذه السنة أو في الثلث الأول من العام المقبل بتوافق روسي أميركي…