حمد وفورد وماكرون… في سورية انتهت اللعبة

رامز مصطفى

سنوات سبع من الحرب على سورية بهدف تدميرها وإسقاط الدولة ونظام الحكم فيها بمال البترول العربي الذي كان في يومٍ من الأيام «بترول العرب للعرب»، وذلك كرمى لعيون الأميركي و«الإسرائيلي» ومشروعهما النقيض لمشروعها التحرّري المقاوم. حرب لم تُترك فيها وسيلة من الوسائل، ولا درب من الدروب، ولا خطة من الخطط التكتيكية والاستراتيجية، إلاّ وسلكتها تلك المسمّيات من دول ومحميات وإمارات وممالك ومشيخات ومجموعات إرهابية على تصنيفاتها، بهدف تدمير ذاك البلد العربي المقاوم، ولم يفلحوا في إسقاط دولته ومؤسساته وجيشه العقائدي، وفي المقدمة منهم ذاك الشعب الصامد، صمود دمشق وقاسيونها، وحلب وقلعتها، وتدمر وزنوبيا التي آثرت عدم الخضوع، وحمص خالد بن الوليد، وحماة بنواعيرها وصوتها الهادر.

اليوم وبعد تلك السنوات السبع، تخرج علينا رموز تلك الحرب القذرة من مموّلين ومشغلين ليقرّوا وبتلك الوقاحة المعهودة فيهم، أنهم قد ارتكبوا أخطاءً جسيمة في سورية، وبأنّ الحرب قد انتهت وانتصرت سورية، وانتصر رئيسها بشار الأسد.

شهادتان خرجتا إلى العلن بعد أن ظلت حبيسة الهمس في كواليس دوائر أصحاب تلك الشهادتين وغيرهما، والحبل قد جرّ في طريقه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون إلى الحديث صراحة أنّ استقرار سورية والمنطقة بل وعلى ما يبدو العالم رهنُ ببقاء الرئيس الأسد على رأس الحكم في سورية.

جاءت الشهادة الأولى على لسان حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري السابق، وأما الثانية فجاءت على لسان روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سورية حتى مغادرته في العام 2012. وصحيح أنّ السفير روبرت فورد كان كلامه الأوضح والأكثر دلالة على عمق المأزق الذي وصل إليه أصحاب مشروع إسقاط المنطقة عبر البوابة السورية، وفي المقدّمة منهم الإدارة الأميركية، حيث خاطب فورد الرئيس الأميركي ترامب جازماً القول: «الأسد ربح، إنه منتصر، وسوف يبسط نفوذه على كلّ البلاد عاجلاً أم آجلاً، فالقضية أصبحت مسألة وقت»، مضيفاً «تريد تقليص النفوذ الإيراني، وأنت تعرف أن اللعبة انتهت». ولكن ما جاء على لسان حمد بن جاسم من كلام حول سورية والأخطاء التي ارتكبتها إمارته والسعودية وتركيا والإمارات وحتى الولايات المتحدة في دعمهم لمجموعات اتضح أنّ لديها أجندات أخرى غير إسقاط الدولة والنظام في سورية، كلامه هذا كمن يقصّ شريطاً من الاعترافات التي ستتالى، وها هو روبرت فورد أول المعترفين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الحمد وإمارته لم يسمعا الكلام السوري والإيراني بأنّ الإرهاب الذي صنعوه سيأتي إليهم. وهذا ما «اكتشفه» بن جاسم مؤخراً بقوله: «لو نجح الإرهابيون في سورية لأتوا إلى دول الخليج، التي لم تكن خارج خطر الإرهابيين أبدا».

من اللافت أنّ كلام الحمد وفورد قد أتى بالتزامن مع احتدام الخلاف السعودي وحلفائه من جهة، وقطر من جهة أخرى، وعنوان الخلاف أنّ قطر متهمة بدعم الإرهاب، متناسية المملكة السعودية أنها تقع من بين المُصدّرين الأوائل للإرهاب وإلى جانبها الكيان الصهيوني. فالخلاف السعودي القطري قد كشف بما لا يدعو للشك أنّ تلك الدولتين وإلى جانبهما الولايات المتحدة الأميركية وتركيا جميعهم متورّطون في تصدير الإرهاب والإرهابيين إلى سورية بهدف إسقاطها وتحويلها إلى دولة فاشلة على النسق الليبي أو الصومالي. الكلام الذي تحدّث به بطل ما سمّي بـ«الربيع العربي» حمد بن جاسم ليفي، ومن ثم السفير فورد والرئيس ماكرون أهميته تأتي في كشف الفضائح التي حاول الكثيرون من دوليين وإقليميين التستر عليها، وقلب حقائقها البادية للعيان بفضل الإعلام المأجور ومؤسساته المرتبطة. وأهميته أيضاً لتقول لمن أغمض عينيه وأقفل عقله وغيبه في لحظة خلط غير موضوعي أو أخلاقي لها بأنكم بعتم أنفسكم لهؤلاء المارقين، وها هم اليوم يتذابحون في ما بينهم لأنّ اللعبة كما قال عنها السفير فورد قد انتهت، وخسروا رهاناتهم على مدار ما يزيد عن السنوات الستة.

وبعد الذي قيل على لسان حمد وفورد والرئيس الفرنسي ماكرون الذي كانت بلاده تحمل لواء إسقاط سورية بثالوثها الشعب والجيش والرئيس، لربما ما سيُقال في الأيام المقبلة. ماذا بقي لكم يا من تاجرتم بدماء الأبرياء من الشعب السوري العزيز، ويا من دمّرتم من حضارات عمرها من عمر البشرية على أرض هذا البلد الطهور. ويا من أشبعتم غزائر توحشكم قبل وحشيتكم في جسد وطن هو الأرفع والأسمى على مدّ الزمان والحضارات وتعاقبها. فاستقدمتم تلك الوحوش التي لا تعرف طريقاً إلاّ القتل والذبح والحرق والسحل وجهاد النكاح وبيع الأطراف الآدمية. وماذا بعد كلّ تلك الاعترافات المهولة، هل بقي مكان للشكّ في أنّ إسقاط المنطقة وتقسيمها ومذهبتها، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية، لا يمرّ إلاّ إذا أسقطوا سورية، وهؤلاء المشغلون والممولون لكم، يعترفون الواحد تلو الآخر… لم يعد في الإمكان أكثر مما كان، وسقوط سورية بالنسبة إليهم لم يعد أولوية لأنهم يستجدون الإبقاء على الرئيس الأسد، لأنه يمثل والجيش والشعب السوري الركيزة الأساسية بل والحقيقية في مكافحة الإرهاب الآخذ بالتهاوي كما الأنظمة والدول الداعمة والراعية له.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى