واشنطن تتراجع عن تهديد الكيماوي بذريعة الردع… وموسكو عازمة على التصدّي ضغوط سعودية على لبنان وحلفائها للانضمام لحملة قطر «مَن ليس معنا فهو ضدّنا»
كتب المحرّر السياسي
تسجل الأوساط العسكرية شمال سورية توتراً متصاعداً في منطقة ريف حلف الغربي في محيط عفرين التي تتمركز فيها الجماعات الكردية المسلّحة، وتسجل باتجاهها حشود تركية مدرعة بعد إعلان الرئيس التركي رجب أردوغان عن الاستعداد لعملية عسكرية جديدة في شمال سورية، بينما قالت أنقرة إن تموضع جنود أميركيين في مناطق حدودية مع سورية حيث تسيطر الجماعات الكردية المسلحة التي تعتبرها تركيا خطراً على أمنها هو نوع من الحماية غير المقبولة والتعطيل المقصود لتحركات تركية بوجه أي خطر يمثله وجود عناصر تابعة لحزب العمال الكردستاني في هذه المناطق. وقد سجلت في الساعات الماضية اشتباكات بالمدفعية الثقيلة عبر الحدود بين الجماعات الكردية والجيش التركي تعاونه ميليشيات تعمل تحت لوائه.
بالتوازي مع تصاعد التوتر شمال الشمال هدأت الأجواء التي رافقت التهديد الأميركي لسورية بعد اتهامها بالتحضير لضربة كيميائية، وصفتها روسيا وإيران بالحملة المفبركة التي لن تمر هذه المرة، وسيكون الرد قاسياً على أي افتعال لضربات تستهدف الجيش السوري، بعدما صار واضحاً أن واشنطن تتذرّع لعرقلة تقدّم الجيش السوري، ولو قدمت الخدمات لداعش، كما قالت وزارة الخارجية الروسية في بيانها، إن التهديدات الأميركية دعم اميركي لداعش، وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن واشنطن لا تتورع عن تقديم الدعم لداعش لمنع الجيش السوري من تحقيق التقدم، لكن التراجع الأميركي جاء بذريعة لا تقل سخرية عن ذريعة التهديد. فقد قال وزير الدفاع الأميركي إن دمشق أخذت التهديدات على محمل الجد وعملت بموجبها ما يعني زوال الخطر.
خلط الأوراق في المشهد السوري خصوصاً، والإقليمي عموماً، يتواصل مع غياب قدرة واشنطن وحلفائها على تغيير موازين القوى في الميدان الذي قالت طهران إنه سيتكفل بتقديم الجواب الحاسم للأميركيين، فـ»إسرائيل» قالت إنها ألغت حال الطوارئ في الجولان في ما بدا أنه إعلان استنفاد الرهان على التصعيد هناك، بينما تُعدّ السعودية الأيام الباقية من مهلتها الممنوحة لقطر لقبول شروط قال وزير الخارجية السعودي إنها غير قابلة للتفاوض، وقالت الدوحة إنها غير قابلة للقبول، وقال الأميركيون والأوروبيون إن بينها ما يبدو تعجيزياً.
تعلن الرياض وأبو ظبي اللتان تقودان الحملة على قطر أن ما بعد المهلة سيكون طلاق وتصعيد العقوبات وأن الأهم أن لا مجال لقبول صداقات وتحالفات وعلاقات تجارية مع مَن يتعامل مع قطر. ولفت نظر المراقبين أن مثل هذه التهديدات لم تصدر يوماً بحق العلاقة مع «إسرائيل» في ذروة الادعاء السعودي بتبني حلم الصلاة في القدس، فلم تخيّر واشنطن ولا لندن ولا شركات النفط والسلاح وسواها بين السعودية و«إسرائيل»، والمتوقع وفقاً للمتابعين أن يُشهر هذا السيف بوجه الحلفاء الأضعف فقط وليس بوجه الأقوياء من الدول والشركات.
وفقاً لمعادلة «مَن ليس معنا فهو ضدنا» سجلت تحركات سعودية نحو الحلفاء في لبنان، طلباً لتحديد مواقفهم وموقف الحكومة اللبنانية وهو ما توقعت مصادر متابعة أن يكون القرار الوطني تجاهه غير قابل للتعديل بالبقاء على الحياد، لكن لم تستبعد المصادر ترضيات يقدّمها حلفاء الرياض بمواقف محسوبة لا تصيب الحياد بقوة، لكنها تشكل تلبية لبعض ما تطلبه الرياض.
«قطع الحساب» إلى التسوية
يبدو أن التوافق السياسي الذي أرسته وثيقة بعبدا شكّل مخرجاً للعديد من الملفات الاقتصادية والمالية العالقة ومنها مسألة قطع الحساب المتعلقة بموازنتي حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة بسبب فقدان حسابات مبلغ يوازي 11 مليار دولار أميركي.
مصادر لجنة المال والموازنة استبعدت في حديث لـ«البناء» إقرار الموازنة في الجلسة التشريعية المزمع عقدها منتصف الشهر المقبل، موضحة أن «مشروع الموازنة يحتاج الى دراسة معمقة، حيث لم تنجز سوى 5 موازنات حتى الآن من أصل 24 موازنة وزارات، وبالتالي إنجاز المشروع في اللجنة يتطلب حوالي شهر لإحالته الى الهيئة العامة».
وفي السياق لفتت أوساط رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ«البناء» الى أن «الأولوية لسلسلة الرتب والرواتب التي تم فصلها عن قانون الموازنة، إذ إن موازنة الواردات قانون منفرد والسلسلة قانون ومشروع الموازنة قانون».
وعن قطع حساب الموازنات السابقة ومبلغ الـ11 مليار دولار، أوضحت مصادر اللجنة الى أن «الأمر بيد رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري اللذين تكفلا إيجاد الحل المناسب»، مشيرة الى أنه «بحسب لقاء بعبدا، فإن قطع الحساب يتجه الى تسوية، لكنها نفت علمها بالمخرج القانوني والمالي لذلك». وحذرت المصادر من «التأخير في إقرار الموازنة المفقودة منذ العام 2005، إذ إن الإنفاق ارتفع بنسبة 280 في المئة ولا يزال الإنفاق على أساس القاعدة الاثنتي عشرية منذ العام 2012».
وأشار رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الى أن «إحالة قطع الحساب الى المجلس النيابي موقتاً حسب الاصول أمر يفرضه الدستور بناء للمادة 87 ويتكامل مع الموازنة بتأمين الشفافية والمحاسبة في الإنفاق العام».
وفي حين أمل كنعان أن «نتمكن من تحقيق إنجاز قطع الحساب بالتعاون مع الكتل النيابية وتحديداً وزارة المالية المولجة بإعداد هذه الحسابات»، قالت مصادر أخرى في اللجنة لـ«البناء» إن «اللجنة تدرس المشاريع الواردة في الموازنة واعتمادات الوزارات والإدارات والمواد القانونية، لكنها لحظت وجود مشاريع قوانين محالة من مجلس الوزراء على متن قانون الموازنة وليس كمشاريع منفصلة عنها كمشروع التنظيم المدني، وبالتالي أبدت اللجنة تحفّظها على هذه المشاريع التي يجب أن تُقرّ بقانون منفرد وليس من ضمن القانون الأساسي، الأمر الذي يُعدّ عملية تهريب فاضحة لمشاريع عدة».
وأوضحت المصادر أن «اللجنة تعتمد سياسة التقشف لجهة موازنات الوزارات الى حدود معينة»، متحدثة عن عجز في الموازنة يبلغ 5 مليارات دولار «لا سيما وأننا لم ننجز الموازنة منذ ستة أشهر بسبب تأخر مجلس الوزراء في إحالتها الى المجلس النيابي».
وإذ أشارت الى أن «اللجنة تعمل بسرعة وبشكل يومي لإنجاز المشروع وإحالته للهيئة العامة»، لفتت المصادر الى «أن موازنة العام 2018 استحقت أيضاً والمطلوب من وزارة المال البدء بإعداد المشروع في مجلس الوزراء لإقراره وإرساله الى اللجنة التي أرسلت توصياتها وملاحظاتها».
ولفتت المصادر إلى أن «قطع الحساب ممر أساسي لإقرار الموازنة»، لكنها أبدت أسفها «إزاء تحكم اعتبارات سياسية في مقاربة هذا الأمر ومحاولة إدخال فذلكة على الحسابات على طريقة «دبلوماسية التشاطر» والتسويات وليس على أساس حسابات رقمية، ووفقاً للدستور الذي يفصل بين الحسابات، حساب المهمة وحساب البداية وقطع الحساب وذلك لتأمين التوازن بين الإنفاق والإيرادات في إطار قانون المحاسبة العامة».
واعتبرت المصادر أن «المخرج القانوني لمبلغ 11 ملياراً سيكون عبارة عن اجتهادات وفذلكة، وليس عملية حسابات رقمية وبالتالي سيحل بالتسوية بين الرئيسين عون والحريري، فيما تتكفل اللجان باختلاق المخرج والصيغة القانونية والمالية المناسبة».
بري: السلسلة ستقرّ
وجدّد الرئيس بري في لقاء الأربعاء النيابي تأكيده على تنفيذ القوانين في مختلف المجالات، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة الانصراف الى معالجة قضايا الناس الحياتية والمعيشية.
وقال أمام النواب إن «المجلس مقبل على ورشة العمل في إطار درس وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين لاسيما الحيوية والملحّة منها، وفي مقدمها سلسلة الرتب والرواتب»، وأضاف أنه «بعد درس لجنة المال للموازنة سيصار الى إدراجها على جدول اعمال الهيئة العامة لمناقشتها وإقرارها».
ونقل زوار رئيس المجلس عنه قوله لـ«البناء» إنه «سيدعو الى جلسة في منتصف الشهر المقبل للبدء بورشة تشريعية وإنجاز جدول الأعمال الذي تتصدّره سلسلة الرتب والرواتب وملف الموازنة وملفات اقتصادية واجتماعية أنجزت في اللجان. وتوقع الزوار إقرار سلسلة الرتب والرواتب في الجلسة التشريعية الأولى أو الثانية».
كما أشار الزوار الى أن «هناك توجهاً لدى المجلس النيابي لإقرار مشروع الموازنة في صيغته المحالة من مجلس الوزراء مع إضافة بعض التعديلات عليه لا سيما على الوضعية الضريبية مع إعلان معظم الكتل النيابية موافقتها على تخفيض الضرائب التي تطال الشرائح الشعبية الفقيرة»، وأوضحوا أنه «في حال التزمت الكتل بمواقفها، فقد يُصار الى إقرار الموازنة مع تخفيض الضرائب»، وأشاروا الى أن «مشروع الموازنة لا يزال قيد الدرس والنقاش في لجنة المال والموازنة وعندما تنتهي سيُحال على الهيئة العامة للتصويت عليه»، وتوقعوا أن «تقر الموازنة في المجلس النيابي الشهر المقبل»، مشيرين الى أن «مجرد إحالتها من لجنة المال الى الهيئة العامة لن تأخذ وقتاً طويلاً لإقرارها».
وكما نقل زوار عين التينة اهتمام الرئيس بري بملف النفط وضرورة الإسراع في التنقيب لاستثمار ثروة لبنان في النفط والغاز، الأمر الذي يتطلب إنجاز القوانين الضريبية المتعلقة بالنفط وطرح البلوكات على التلزيم، وكشف الرئيس بري عن أن «الأمم المتحدة أبلغت لبنان أنها مستعدة لرعاية ترسيم الحدود البحرية».
«القانون» بين «التثبيت» وتأجيل التعديل…
وشدّد الزوار أيضاً رفض الرئيس بري إدخال أي تعديلات جديدة على قانون الانتخاب، مشيرين الى أن «اعتماد البطاقة الممغنطة والانتخاب الالكتروني في الانتخابات النيابية المقبلة رهن استعداد وجهوزية وزارة الداخلية». غير أن مصادر نيابية لم تستبعد إدخال تعديلات جديدة على القانون، وقالت لـ«البناء» إن «القانون الجديد وضع على عجل على أساس أن هناك متسعاً من الوقت لاعادة النظر فيه وإدخال تعديلات عليه قبل الانتخابات النيابية، وبالتالي يعيش القانون بين ضغط تثبيته كما أُقِر وبين تأجيل التعديل في حال تأمنت أغلبية نيابية لذلك في إطار توافق بين تياري المستقبل والوطني الحر». وأبدت المصادر استغرابها إزاء «مطالبة بعض صناع القانون الأساسيين بإضافة تعديلات عليه».
مصافحة لا مصالحة
على صعيد آخر، أكد رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في تصريح أمس، «أننا منفتحون على الجميع، ومن يقصدنا يجدنا وبابنا مفتوح، وبهذه الروحية كان اللقاء في بعبدا حيث لبينا دعوة فخامة الرئيس ميشال عون وكرّرنا القول إنه إذا تلقينا دعوة أخرى نلبي، والى ايجابية اللقاء تطرقت الى ضرورة الاهتمام بشؤون الناس وهمومهم بمعزل عن الخلافات والاختلافات».
وفي قانون الانتخاب، تحدث فرنجية عن أهمية اقرار هذا القانون ولو بعد جهد ومحاولة البعض ضربه من خلال قوانين مختلفة، لافتاً الى أهمية قراءة دقيقة للصوت التفضيلي حرصاً على حلفائنا. وأكد أن «الصبر ميزة والمصداقية استمرارية فيما الكيدية لا أفق لها».
وفي حين فسّر مراقبون كلام فرنجية على أنه إشارة ايجابية باتجاه معراب و«غزل انتخابي» بين المردة والقوات اللبنانية يؤشر الى تحالفات انتخابية موضعية في بعض دوائر الشمال، نفت مصادر من القوات والمردة ذلك، معتبرين لـ«البناء» أن «المصافحة في بعبدا لا تعني المصالحة، فهناك فرق بين الحالتين وبالتالي لا يمكن الحديث عن مرحلة جديدة بين الفريقين، لأن اللقاءات والمصافحات بين سمير جعجع والنائب فرنجية ليست جديدة بل حصلت أكثر من مناسبة في بكركي وبعبدا، لكن لا معطيات جديدة تستدعي مثل هذا التحالف الانتخابي في ظل التباعد في الخيارات السياسية والاستراتيجية بين الطرفين والتزام التيار الحر بتحالفه وتفاهمه مع القوات».