الشاعر سلمان زين الدين: جمال الشعر والفن هو عصيانه على التعليب
حاوره: د. طوني كرم مطر
يمتلك الشاعر سلمان زين الدين ناصية الكلمة، ومن أهم أسباب نجاحه، خيالهُ الخلّاق المرتكز إلى ثقافة أدبية فلسفية شعرية. وخيالهُ هو تنظيم عقليّ لقيمة الذكاء، وقد ملك شاعرنا الموهبة لأنه وصل إلى الإبداع ولا يزال يحاول أن يعطي المزيد.
«البناء» التقت الشاعر سلمان زين الدين، وكان معه هذا الحوار:
لماذا نكتب الشعر؟
ـ حين نكتب الشعر، إنما نمارس وجودنا الإبداعي ونحاول التعبيرعن أنفسنا في فرديتنا من جهة، وفي تموضعنا الاجتماعي من جهة ثانية. فالزهرة على سبيل المثال لا تُسأل لماذا تعطي العطر، والقمر لا يُسأل لماذا يعكس الضوء، كلاهما يمارس فعل وجوده وهكذا الشاعر حين يكتب القصيدة، إنما يعلن عن وجوده الإنساني الإبداعي.
هل يصل الشاعر إلى كلّ ما يصبو إليهِ؟
ـ يقول الشاعر الكبير أدونيس إنه لا يمكن أن نُعبّر بشكل نهائيّ عمّا نصبو إليه. فاللغة مهما أوتيت من القدرة على التعبير تبقى عاجزة عن الإمساك بالمعنى. المعنى لا يمكن تعليبهُ في كلمات وتراكيب ولا يمكن القبض عليه بأصابع اليد. هو يتسرّب دائماً كالماء من بين الأصابع، ونحن حين نُعبّر بشكل نهائيّ ننتهي ونفقد وظيفتنا التعبيرية. ولعلّ جمال الشعر والفن بشكل عام هو عصيانه على التعليب في أيّ من أدوات التعبير.
هل تعتبر نفسك صاحب مدرسة شعرية خاصة بك؟
ـ بالتأكيد لا، فمن أنا لأفعل ذلك؟ ورغم سروري بما حقّقتُ حتى الآن لا أستطيع أن أزعم أنني صاحب مدرسة شعرية. وأنا أصلاً لم يَدُرْ في خلدي إلى الآن تحقيق مثل هذا الهدف.
حسبي أنني أحاول التعبير عمّا يعتمل في داخلي من خواطر وأفكار ورؤى بوساطة اللغة الجميلة التي لا ينفصل فيها الشكل عن المضمون. ويكفي أن أحقّق مثل هذا الهدف الجميل وأن أترك لغة جميلة خالية من الحشو والإنشاء وتنطوي على الرؤى الجميلة.
أيّ الكتب أحبُّ إلى قلبك ممّا ألفت؟
ـ قد يكون من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذا السؤال، ولن أجيب بالجواب التقليدي الذي يُشبّه الكتب بالأولاد، ولعلّ أقرب الكتب إلى نفسي هي المجموعات الشعرية الأربع التي كتبتها، يليها في القرب كتاباي في الأدب الريفيّ وهما «القناديل والريح» و«قفص الحرّية»، لأنّهما يعكسان جزءاً من طفولتي وسيرتي الذاتية ويرصدان ـ من خلال تجربة خاصّة ـ التحوّلات في القرية اللبنانية الآخذة في الزوال.
أما كتبي الخمسة في الأدب الروائيّ فتأتي في مرتبة لاحقة، لا سيما أن مادتها أقرب إلى الدراسات المنهجية الموضوعية التي يلعب فيها العقل ومهاراته المختلفة الدور الأساس، بينما للقلب والعواطف والمشاعر الدور الأساس في المجموعات الشعرية وبهذا المعنى تكون هي الأقرب إلى نفسي.
أين مكامن قوّتك في كتابة الشعر؟
ـ الجواب عن هذا السؤال قد يكون من اختصاص الدارسين والنقّاد، ولعلّ الشاعر أو الأديب هو الأقلّ تحديداً لهذه المكامن في شعوره وأدبه من الآخرين. ومع هذا، أستطيع القول إنّ سرّ الجمال في شعري يكمن في الرؤى المبتكرة والصوَر الجميلة والتراكيب الرشيقة والمفردات الفصيحة والمزج المحترف بين هذه المكوّنات، وهذه مسألة أجمع عليها جميع الذين كتبوا عن شعري ولست بحاجة إلى ادّعاء التواضع في هذا المجال.
هل أنتَ راضٍ عن شعرك؟
ـ حين يرضى المبدع عن ذاته يكون قد انتهى، فلم يصل أحدٌ على حدّ علمي إلى الرضى التام والقبض على المعنى المطلق، وإلا عليه عندئذٍ أن ينقطع عن الكتابة لأنه قد حقّق الرضى التام. من هنا نحن نقترب من هذه الغاية أو نبتعد عنها بشكل أو بآخر. ولأننا لا نستطيع تحقيق هذا الهدف، ترانا نستمرّ في المحاولة تلو المحاولة، علّنا نصل إليها ولن نصل. وعلى رغم ذلك أنا راضٍ إلى حدٍّ كبير عمّا حقّقته حتّى الآن.
أين تصنّف نفسك بين شعراء الحداثة؟
ـ الإجابة عن هذا السؤال هي أيضاً من اختصاص الدارسين والنقّاد. ما يعنيني أن أكون حديثاً في التعبير عن نفسي، فأستخدم لغة اليوم وصوَر اليوم ورؤى اليوم والغد. ولأنّ التعبير عن اللحظة الحاضرة بأدوات الأمس سوف ينتقص من قيمة المُعبَّر عنه والمُعبَّر به، المهم أن نُلبس لكلّ حالةٍ لبوسها وأن نرتدي من الأزياء الإبداعية ما يتوافق مع روح العصر، من دون أن يعني ذلك التنكّر لتراثنا الأدبيّ الذي يحتوي على كثيرٍ من الكنوز واللِّقى الجميلة.
هل نجد بين ثنايا شعرك ما يعبّر عن شخصيتك؟
ـ من الطبيعيّ أن تنعكس شخصية المبدع وسيرته في نصّه الإبداعيّ بشكل أو بآخر، من دون أن يعني ذلك تحوّل النصّ إلى مرآة لهذا المبدع. فنحن قد ننطلق من ملامح شخصية معيّنة أو معالم سِيَرية محدّدة في الكتابة ونخضعها لمختبرنا الإبداعيّ، فتكون جزءاً من المواد الأولية التي نستخدمها في صناعة النصّ. أما كيف يتمظهر ذلك في نصّي؟ فهذا يقتضي الإحالة إلى الدارسين والنقّاد.
حدّثنا عن كتابك الأخير «دروب» وعن القصيدة نفسها؟
ـ الدرب ليس مجرّد مسارٍ ماديّ نسير عليه ويتعرّج ويتلّوى كدرب أمين نخلة في المفكّرة الريفية. الدرب قد يكون حياتنا التي نعيشها ومناهجنا في الكتابة وطريقة التعاطي مع الآخرين، وزاوية الرؤية التي ننظر منها إلى الأمور المختلفة. وهدفت إلى القول إنّ لي دربي الخاص الذي اجترحته في الحياة والشعر، وإنني حريص على عدم سلوك دروب الآخرين. ولا أقول ذلك في معرض الادّعاء، بل للتعبير عن فرادتي الشعرية. والشعر حين يفقد فرادته يسقط في التقليد، والمقلَّد هو نسخة مشوّهة عن الأصل.