حول ما يسمّى بـ«مبادرة السلام الإسرائيلية»

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

كشفت صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية عما يسمّى بـ«مبادرة السلام الإسرائيلية»، وحسب كاتب المقال أوفر اسرائيلي، وهو خبير في الشؤون الجيوسياسية ومن مطبخ مؤتمر هرتسيليا الذي يصوغ الاستراتيجيات حول الأخطار المحدقة بـ«دولة إسرائيل»، بأنّ هذه المبادرة حسب زعم كاتب المقال تهدف الى حلّ شامل ومتعدّد الأطراف للصراع العربي- الإسرائيلي بدلاً من الحلّ الثنائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

في إطار النقاش لهذه المبادرة فهي تعكس رؤية ومواقف كلّ مكوّنات ومركبات الحكومة الإسرائيلية، وتتطابق كلياً مع مواقف «الترويكا» الثلاثية اليمينية المتطرفة التي تقود الحكومة الإسرائيلية « الليكود- نتنياهو، اسرائيل بيتنا ليبرمان، والبيت اليهودي- بينت»، واللقاءات التي عقدها نتنياهو مع ترامب في واشنطن في شباط الماضي، وما طرح على ترامب في لقائه مع نتنياهو في أيار الماضي أثناء زيارة الرئيس الأميركي لدولة الاحتلال، لم يخرج عن هذه الخطوط العريضة للمبادرة، تلك المبادرة القائمة على حلّ يصفّي القضية الفلسطينية بشكل نهائي بإقرار وموافقة عربية، حيث، ركّز نتنياهو في لقاءاته مع ترامب وأقطاب الإدارة الأميركية على ضرورة تهميش وتصفية القضية الفلسطينية وعدم اعتبارها أساس الصراعات في المنطقة، وأنه لا عودة لما يسمّى «حدود الرابع من حزيران 1967، والقدس موحدة، واعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، وضمّ الكتل الإستيطانية الكبرى»، والحلّ يكون فقط من خلال إطار اقليمي يحضره الى جانب «إسرائيل» وأميركا العديد من الدول العربية التي تتشارك مع «إسرائيل» في هواجسها ومخاوفها الأمنية، من انّ الخطر في المنطقة وعلى عروش تلك الدول يتأتى من طهران، ولذلك حضور تلك الدول مهمّ من أجل تمهير تواقيعها على صفقة تصفية القضية الفلسطينية… وما يعرضه كاتب المقال من شروط لعقد هذه الصفقة او المبادرة، أكثر خطورة من شروط الاستسلام والإذعان التي طرحتها ما يسمّى بالرباعية العربية على قطر، فهي تحمّل الفلسطينيين والعرب مسؤولية استمرار الصراع، وهم الذين يجب الضغط عليهم للقبول بالحلّ وليس «إسرائيل»… وذلك بكلّ وقاحة وصلف وعنجهية في ظلّ حالة الضعف والانقسام الفلسطيني، والحالة العربية المنهارة، بسبب حروب التدمير الذاتي والخلافات الداخلية وتقديم مكانة حماية عروشها على مكانة حماية الأوطان وأمنها، واستعدادها لتشكيل ما يعرف بـ«الناتو العربي- الإسلامي الأميركي» ونقل علاقاتها التطبيعية مع «إسرائيل» من الجانب السري الى الجوانب العلنية، بما «يشرعن» التطبيع معها، وينقل تلك العلاقات ليس فقط للإطار التنسيقي معها، بل الى التعاون والتحالف، دون أيّ اشتراطات لقبول «إسرائيل» بمبادرة السلام العربية، التي نصّت على قبول «إسرائيل» أولاً بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ 1967 قبل تطبيع العلاقات معها.

المبادرة الإسرائيلية تحمّل العرب مسؤولية استمرار هذا الصراع، وهم المطالبون بإنهائه… قمة الوقاحة والغطرسة، بأنّ دولة تحتلّ أراضي الغير خلافاً للقانون الدولي، تريد منهم أن يعترفوا بشرعية احتلال أرضهم، فهي لا تريد فقط شرعنة احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتجريم وإدانة نضالهم، وتنازلهم عن حق العودة، وتبرئتها من مسؤولياتها السياسية والأخلاقية عن نكبة شعبنا، بل وحتى شرعنة احتلالها للجولان السوري المحتلّ…! وتذهب أبعد من ذلك فهي تريد تفكيك حزب الله في لبنان، لأنه يشكل خطر على «أمنها» ومحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة ووضع حدّ لمشروعها النووي…»!

اذا كانت المبادرة العربية التي تنصّ على إقامة دولة فلسطينية على ما مساحته 20 او أقلّ من مساحة فلسطين التاريخية، تشكل إملاءات العرب على «إسرائيل»، فما الذي ستقدّمه «إسرائيل» للشعب الفلسطيني والدول العربية في إطار ما تسمّيه مبادرتها للسلام…؟ كيان فلسطيني مسخ، عبارة عن «كانتونات» و«غيتوهات» مغلقة تحت سيطرة الاحتلال، أيّ مشروع نتنياهو لما يسمى بالسلام الاقتصادي، بتأبيد الاحتلال مقابل تحسين شروط ظروف وحياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وبتمويل صناديق عربية ودولية، مقايضة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني برشاوى ومشاريع اقتصادية، هذا هو الكيان المزدهر الذي يتحدث عنه صاحب المقال…؟

خبراء السياسة الأميركيون الذين كان لهم دور كبير في قيادة عمليات تفاوضية في المنطقة روس ومايكوفيسكي وغيرهم، طرحوا على إسرائيل، ان تطرح مبادرة سياسية محدّدة، وليس إما كلّ شيء أو لا شيء، وهذه هي المبادرة الإسرائيلية، كيان فلسطيني مسخ يقام على فائض الأرض الفلسطينية الزائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي وإطار اقتصادي فلسطيني – إسرائيلي أردني، أو كونفدرالية فلسطينية مصرية لقطاع غزة واخرى فلسطينية أردنية لما يتبقى من الضفة الغربية، التقاسم الوظيفي.

مبادرة تحوّل الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد وتريد منه ان يعترف بشرعية جلاده على أرضه وجسده، يريد منه ان يسقط حق العودة لأكثر من نصف شعبه الذي طرد وشرّد عن أرضه قسراً، يريد منه بعد قرابة سبعين عام من النضال والتضحيات، ان يرفع راية الاستسلام، تحت شعار زائف مخادع ومضلل تحقيق السلام، وهل هناك سلام على مرّ التاريخ تحقق باعتراف الضحية بالاحتلال وشرعنة احتلاله لأرضها ومصادرة حقوقها…؟ حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، رغم رداءة المرحلة وقسوتها، ولكن ما دام هناك شعب يمتلك الإرادة ومصمّم على نيل حقوقه، فهو لن يذلّ ولن يستكين ولن يوقع شروط استسلامه.

الشعب الفلسطيني قدّم الكثير الكثير في سبيل أن يصنع السلام ويتحقق، ولكن المشكلة وجوهرها وجذرها، في هذا الاحتلال المتغطرس، المتوهّم بأنّ الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة، يخضع بالمزيد من القوة…

لذلك كشعب فلسطيني نقول لاوفر إسرائيلي» ولنتنياهو الذي ألقى بوثيقة حماس، وثيقة «السياسات والمبادئ العامة» التي قبلت فيها بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، دون الاعتراف بـ«إسرائيل»، في سلة المهملات بعد تمزيقها، هذه مبادرتكم نلقيها في المجاري، فوصفات الإستسلام لا تعرض على شعب مضحّ ومناضل، وما تعرضونه ليس سلاماً ولا رغبة في تحقيقه، بل هي وصفة لفرض الذلّ والخنوع والإستسلام على شعبنا. وشعبنا الفلسطيني ليس العنوان لقبول مثل هذه المبادرات، حتى لو استمرّ الصراع لألف عام مقبل.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى