من مرويّات الرفيق جميل مخلوف
فيما كان سعاده ينتظر في دمشق تحديد الموعد لزيارة حسني الزعيم، كانت تعليمات رئيس وزرائه محسن البرازي تقضي بمراقبة القوميين الاجتماعيين، بتعقّب البعض منهم، وسَوْق رفقاء من اللاذقية، بانياس، طرطوس وغيرها إلى دمشق ووضعهم في الإقامة الجبرية.
عن تلك المرحلة يروي الرفيق جميل مخلوف في الصفحتين 67-68 من مذكّراته «محطّات قوميّة» ما يلي:
«في مطلع صباح أحد الأيام، في قرية بستان الباشا 1 حضر مختار القرية وبصحبته رئيس مخفر الدرك في مدينة جبلة إلى باب الغرفة التي كنت أنام فيها وطرق الباب قائلاً: رئيس المخفر يريد أن يراك. ارتبت من تلك الزيارة الصباحية المبكرة. وكان في جيبي مرسوم تعييني رئيساً للجنة الاعداد التي تشكلت في محافظة اللاذقية لنصرة ما كان ينوي الزعيم القيام به من رد الطعنة للحكومة اللبنانية التي سددتها للحزب 2 . أخفيت ذلك المرسوم ووضعته في مخدة ابنتي صفية، وأيقظتُ زوجتي وأخبرتها أني مطلوب من قبل رئيس مخفر الدرك ونبهتها إلى خطورة ما خبأتُه في مخدة طفلتي طالباً منها أن تعمل قصارى جهدها أن لا تسمح للسلطات أن تصل لذلك المرسوم. خرجت من الغرفة ورأيت رئيس المخفر بانتظاري على الباب ومعه مختار القرية. وما ان وصلنا إلى السيارة التي كانت بالانتظار حتى أخبرني أن الأمر متعلق باعتقالي وسوقي إلى مركز القضاء في جبلة.
وصلتُ إلى السجن واُدخلت إلى غرفة منفردة فيه. وإني أذكر أنه بعد مكوثي برهة، فتح باب غرفة السجن شرطي وقال لي: يا أستاذ، إن الذي يرتضي أن يحمل قضية يجب أن يكون قد الحمل فيتحمل كل صعوبة في سبيلها. وقعت هذه الكلمات مني موقعاً حسناً فشكرته على كلامه، وكانت زيارتي للسجن هي الأولى في تاريخي الحزبي، وبعد خروجي رويتُ هذه الحادثة لبعض الأصدقاء ممن يعرفون أفراد الدرك في مخفر جبلة. وإذا بهم يخبروني أن هذا الدركي ليس إلا والد رفقاء منهم الرفيق المناضل عبد الكريم جديد وأخواه الرفيقان منير وجهاد جديد. بعد مدة طلبني قائد الفصيل فأخبرني أن أمراً قد وصل اليه من المراجع المختصة لاحتجازي. وعند خروجي من عنده كان يرابط على الطريق التي سأسلكها بين مكتب قائد الفصيل والسجن، الرفيق بديع الكنج أخو الرفيق فاضل كنج فأسرّ لي في الطريق أن أخاه الرفيق فاضل أخبره أن السلطات طلبته فلم يلبِ الطلب، ويسألني رأيي عما يجب أن يعمله وهل أوافق على الإجراء الذي اتخذه. أخبرته أن يُبلغ فاضل أن يسعى بكل جهده أن يتجنّب الاعتقال لأنه يجب أن يبقى حراً طليقاً ليقوم بالواجبات الحزبية المطلوبة. وبعد مدةٍ عاد الضابط لطلبي ثانية وأخبرني أن الأوامر التي تلقاها تقتضي أن اُساق إلى دمشق لأنني مطلوب لديها. طلبت منه أن يرسل من يحضر لي ثيابي والدراهم التي سأحتاجها لتلبية ذلك الطلب، حضر أخي عزيز ومعه حقيبتي والدراهم المطلوبة».
«وبعد ظهر ذلك اليوم إذا بحافلة كبيرة بوسطة تقف أمام باب السجن تقلّ الرفقاء المسؤولين في اللاذقية أذكر منهم: أديب عازار، فؤاد شواف وعسى سلامة الأمناء لاحقاً . وعندما وصلنا إلى بانياس انضم إلينا عبد القادر تحوف 3 ـ لا أذكر سواه ـ وفي طرطوس انضم إلينا الرفقاء عبد الرزاق منصور، فيكتور عرنوق، أديب الضيعة. وعندما وصلنا إلى صافيتا انضم إلينا الرفيق ابراهيم حلاق».
«وصلنا مساء إلى دمشق فاقتادونا إلى إدارة الشرطة والأمن العام فكان بانتظارنا مدير الشرطة والأمن العام أديب الشيشكلي، وبادرنا هذا الأخير بالقول: كان يجب أن تكونوا في السجن. أفهمنا أنه بواسطته تقرر أن نكون في الإقامة الجبرية في دمشق. قررنا أن نبقى مجتمعين فنزلنا جميعاً في فندق واحد ويدعى فندق الجامعة العربية في منطقة السنجقدار. أقام كل اثنين في غرفة ومكثنا مدة. كنا في كل صباح نتواجد لنثبت وجودنا بالتوقيع على محضر كان في دائرة الأمن، وبقينا على هذا المنوال إلى أن أصبحنا محاصرين في الفندق من قبل رجال الأمن وخدم الفندق. كثيراً ما كان أحدنا يفتح باب غرفته ليرى خادماً واضعاً أذنه على الباب ليسمع ما يدور في الغرفة من أحاديث».
«قررنا ألا نبقى متواجدين معاً، فتركنا الفندق وسكن كل منا في غرفة مفروشة في أحياء متعددة من دمشق، وكان يجمعنا صباح كل يوم تواجدُنا في مركز الأمن العام لإثبات وجودنا. بالطبع كان رفقاء دمشق والمسؤولون الحزبيون مطلعين على تطورات أوضاعنا ، ولا بد أن يكونوا قد علموا أن تغيرات طرأت على علاقة الزعيم بحسني الزعيم».
هوامش:
1 بستان الباشا. عرفت البلدة بِاسم «بستان سعاده» مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية www.ssnp.info
2 لا نملك، لتاريخه معلومات عن «لجنة الإعداد»، سنسعى ونأمل ممّن يملك معلومات أن ينضمّ إلينا لإعداد المعلومات المطلوبة.
3 عبد القادر تحوف: المنفذ العام، الأمين، العميد. للاطّلاع على النبذة المعمّمة عنه الدخول إلى قسم «من تاريخنا» على الموقع المذكور آنفاً.