لجنة لبنانية سورية مشتركة لتسهيل عودة النازحين
هتاف دهام
انفجر الخلاف السياسي على ملفّ النازحين السوريين على خلفية العملية العسكرية الاستباقية للجيش اللبناني في عرسال. كشفت هذه العملية التهديدات التي شكلتها مخيمات النازحين. خطّط الجيش للعملية على قاعدة اقتحام المخيم وتنظيفه من المواد المتفجرة المخبأة. فوجئ بوجود انتحاريين فجّروا أنفسهم تباعاً. فرضت هذه العمليات الانتحارية سياقاً مختلفاً على مجرى تنفيذ العملية.
عقب هجوم عرسال، وجّه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم نداءً إلى الحكومة اللبنانية متمنياً أن تضع على جدول أعمالها كيفية التنسيق مع الحكومة السورية من أجل تسهيل عودة النازحين طوعاً إلى المناطق الآمنة في داخل سورية. وقال: «آن لنا أن نمتلك الشجاعة لنبدأ بالحلّ، فالحلّ الأمني لا يكفي وحده، ويتطلب هذا الحلّ حلاً سياسياً واجتماعياً».
يمكن القول إنّ النازحين من حلب وحمص وتدمر ومحيط دمشق ومناطق واسعة من درعا، بإمكانهم العودة من دون مخاطر تذكر. هذا إذا أخذ الاعتبار العسكري المرتبط بمواجهات تقلصت في هذه الأماكن. أما إذا أخذ الاعتبار الأمني المتصل بتصنيف النازحين السوريين معارضين وغير معارضين للنظام في سورية، فسنكون أمام مشكلة غير قابلة للحلّ ما لم تضع الفتنة السورية أوزارها وتستقرّ عند حلّ سياسي نهائي.
تشير المصادر المعنية بملفّ النازحين إلى أنّ الأمور تتجه غربياً إلى تقلّص خطير في حجم المساعدات الدولية للنازحين. هذه الإجراءات المرتقبة ستضع البلد أمام تداعيات خطيرة.
وزير تيار المستقبل معين المرعبي، مدعوماً بموقف غير مباشر من القوات اللبنانية، رفض فكرة الاتصال بالحكومة السورية. المبرّرات في ذلك تافهة وصغيرة أمام حجم المشكلة. مشكلة تمثل تهديداً كيانياً للبنان، بحسب تعبير الوزير سليم جريصاتي. فوزير العدل أشار إلى أن لا عقد أمام الاتصال بالدولة السورية ما دام هناك تبادل للتمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
المشكلة قائمة. الخلافات بين الأفرقاء المعنيين مستعرة. لا يجوز، بحسب مصدر وزاري في التيار الوطني الحر، التعاطي مع هذا الملفّ على طريقة «القوات اللبنانية»، عندما دعت للنأي به جانباً ما دام ملفاً خلافياً.
تطرح جهات سياسية لبنانية الدعوة إلى حوار هادئ بين المكونات المشاركة في الحكومة. حوار على غرار ما حصل في الملف الفلسطيني. ما لا يعرفه )كثيرون أنّ الأحزاب اللبنانية (حزب الله، تيار المستقبل، حركة أمل، القوات اللبنانية، التيار الوطني الحر، الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب الكتائب واظبت على اجتماعات أسبوعية بعيداً عن الأضواء في السراي الحكومي. بدأت هذه الاجتماعات مع حكومة الرئيس تمام سلام، واستمرت مع حكومة الرئيس سعد الحريري.
توصلت اللجنة التي رأسها الوزير السابق حسن منيمنة إلى الاتفاق على وثيقة سياسية تتضمّن موقفاً لبنانياً مشتركاً تجاه الوجود الفلسطيني في لبنان. تضمّنت خمس توصيات عملية تُنظم عمل هذا الوجود على المستويات الأمنية، السياسية، والاجتماعية. وحده حزب الكتائب انسحب في مراحل متقدّمة من النقاش. ورفض الموافقة على مقولة الحقوق الفلسطينية في لبنان.
ما توصلت إليه هذه اللجنة في موضوع فلسطيني شائك وخلافي بين اللبنانيين، شكل تجربة غير مسبوقة. تجربة دفعت إلى التفكير باعتمادها في مقاربة ملف النازحين السوريين. فالرئيس سلام يومذاك كان ألمح في بعض اللقاءات إلى التفكير في مثل هذا الخيار.
السؤال المطروح لماذا لا تبادر القوى الممثلة بالحكومة إلى اعتماد المنهجية ذاتها في إنتاج التوافق اللبناني حول ملف النازحين. ملف يدفع ثمنه الجميع في الطوائف والمناطق كافة.
من ناحية أخرى، إذا كانت الحكومة مجتمعة قد كلفت الجيش الاجتماع مع ضباط من جيش العدو «الإسرائيلي» في إطار ثلاثي في الناقورة، ما الذي يمنع في المقابل من قبل أولئك الذين يعارضون النظام في سورية ويعادونه، أن تتمّ الموافقة على لجنة لبنانية سورية، سياسية أمنية، تتولى مناقشة أزمة النازحين وتسهيل عودتهم؟
داعش في طور الانهيار. الداعشيون بصدد الانتشار الأمني في البلدان المجاورة لسورية والعراق. ولبنان سيكون له نصيب من هذا المستجدّ الخطير، بحسب ما أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق على هامش اجتماع لجنة المال والموازنة. عندها ستشكل مخيمات النازحين وأماكن انتشارهم الملاذات الطبيعية لهؤلاء.
إنّها لحظة دقيقة، تستدعي، بحسب الأوساط السياسية، وعياً وطنياً مترفّعاً عن الحسابات السياسية الصغيرة.