منفذية الكورة في «القومي» تخوض معركة بيئية شرسة بوجه شركات الإسمنت

تقع المنطقة الصناعية في شكا على الشاطئ الشمالي وتضمّ مما تضم مصنعين للإسمنت: «السبع» تأسست عام 1953 و»هولسيم» عام 1929 . قد تظن عزيزي القارئ أنّ اثنين من مصانع الإسمنت في منطقة واحدة أمر طبيعي، وهو ليس كذلك. فهذه المنطقة تقع، جغرافياً، في الكورة ويفصلها عن البترون التابعة لها إدارياً حاجزٌ جبلي. تأكل الشركات من تلال الكورة وسهولها منذ نشوئها وقد حوّلت تلالها إلى وديان وكروم زيتونها إلى صحار.

خاض الحزب السوري القومي الاجتماعي معركة عام 1984 وأوقف مقالع الأرجيل، لكنّ آثارها بقيت وسط سهل الزيتون ولا تزال حتى يومنا هذا على شكل جورة ضخمة تملؤها اليوم مياه عفِنة.

اليوم ومع ارتفاع نسب الإصابات بالسرطان في القرى الكورانية على التلال المحيطة بالمصانع ودواخينها، دقّت منفذية الكورة في «القومي» ناقوس الخطر من جديد وافتتحت معركة جهنمية ضدّ أقوى وأفسد شركتين في لبنان. وكانت للجنة البيئية في المنفذية نشاطات عدة أبرزها:

1 ـ ندوة أُقيمت في 15 تشرين الأول 2016 في قاعة نسطا في أميون، حاضرت فيها د. فدوى كلاب والمحامي حبيب شلالا اللذان حسما أنّ مقالع الشركات لا ترتكب فقط بعض المخالفات هنا وهناك، بل حسمت الندوة أنّ المقالع غير قانونية ما يستوجب على القوى الأمنية إيقافها وإيقاف أصحابها. ولو طُبِّق القانون، فإنّ عقوبة أصحاب المقال لا تقتصر على دفع غرامات فقط بل تصل إلى السجن.

2ـ مؤتمر بيئي عقد في 18 شباط 2017 في القاعة نفسها حاضر فيه متخصِّصون من أطباء ومحامين وبيئيين قدموا دراسات وإحصاءات بالأرقام. فمن أصل 100 عائلة موسّعة أُحصيت 40 حالة سرطان رئة و14 حالة ميسوثيليوم. ولطالما راهنت شركتا الترابة أنّ أهل الكورة لن يقوموا بإحصاء علمي. فالشركتان تشتريان شركات الإحصاء لتعطي الأرقام التي تبرِّئها من مجزرة السرطان وتعتمد على عدم وجود دراسات كافية بعد للربط بين السبب والنتيجة. كما تشتري الشركات بعض الجمعيات البيئية لتحصل على شهادات بيئية لصالحها وبالتالي تُعفى مصانع الإسمنت من الضرائب المالية المتوجِّبة عليها للدولة واللبنانيين عامة ! .

إلى هذا الحدّ تمادت الشركتان في استغلال الصمت المخيف لأهالي المنطقة الذين يتذمّرون فيما بينهم بحرقة. وخلص المؤتمر إلى مطالب بيئية وصحية بالدرجة الأولى، بعيداً من المطالب الخدماتية التي اعتادت عليه الشركات ما قبل الانتفاضة البيئية هذه. وبعد أقلّ من أسبوع أقامت «القوات» ندوة في شكا عنوانها «إنماء.. لنبقى» استبشرنا خيراً وظننا أننا نجذب القوى السياسية لخوض المعركة معنا لكنّ الندوة استضافت بيرج هاتجيان مدير عام وزارة البيئة الذي حاول تبرئة شركات الإسمنت تحديداً من مجزرة السرطان التي تصيب فيع وكفرحزير وكفريا وباقي القرى المشرفة على الشركات تارة عبر القول وبالحرف: «معامل الترابة ما بتعمل سرطان .. بس بتعمل أمراض تانية». وتارة عبر رمي كلّ المشكلة على شركة «الأترنيت» المُقفلة منذ التسعينيات وهي بالمناسبة شركة شقيقة لـ»هولسيم» كما تقع ضمن البؤرة العقارية نفسها. والمعلوم علمياً وعالمياً أنّ الأترنيت يصيب بمرض سرطاني في الرئة اسمه «ميسوثيليوم» وهو قاتل، لكن يسهل تمييزه عن سرطان الرئة ولذلك لا يجوز الخلط بينها كما حاول هذا «الدكتور» أن يفعل، فلاقى مواجهة قوية من طبيب ورئيس بلدية فيع: «أنا طبيب منذ 48 سنة بالمنطقة والكلام الذي تقولونه غير دقيق» ثم رفعنا الصوت داخل القاعة وأظهرنا تورط وزارة البيئة بفضيحة «حرق أطنان من النفايات غير مفروزة ومن الأدوية غير المفروزة في معامل هولسيم وبموافقة من وزارة البيئة».

3 ـ تقديم إخبار ببعض المخالفات الواضحة لدى المدعي العام البيئي في الشمال الأستاذ غسان باسيل وقد تمّ قبول الدعوى التي قدمها الرفيق جورج العيناتي في آذار 2017.

ـ إيصال مقرّرات المؤتمر وأرقام الإحصاءات حول الإصابات بالسرطان بالمناطق القريبة من الشركات إلى وزير البيئة.

4 ـ مظاهرة أمام المقالع في بلدة كفرحزير كخطوة شعبية أولى بعد ندوات التوعية وبالتزامن مع الشكاوى القضائية، وهنا حصل أمر طريف نودّ الإشارة إليه إذ غابت القوى الأمنية عن حفظ أمن المظاهرة لأنّ واجبها، لو حضرت، أن توقف شاحنات وجرافات المقالع وأن تعتقل أصحابها، خاصة بعد قبول الإخبار. لكن تمّ إرسال الجيش بدلاً منها!

5ـ لبى كلّ من وزير البيئة طارق الخطيب ووزير مكافحة الفساد نقولا تويني نداء رئيس الجهورية للقاء الفعاليات البيئية والاستماع إلى مطالبها وذلك في مركز اتحاد بلديات الكورة في 08 حزيران 2017. ورفع رئيس الاتحاد المهندس كريم بو كريم عدداً من المطالب المتفق عليها وأهمها:

توقيف الحفر في المقالع فوراً.

مراقبة انبعاث الغبار الناعم المسرطن والغازات السامة الحدّ منها.

وضع وحدات قياس من وزارة البيئة لمراقبة هذه الانبعاثات.

عدم إعطاء رخصة بزيادة إنتاج الشركات.

عدم تغيير تصنيف الأراضي الزراعية والحرشية والسكنية إلى أراض صناعية ومقالع.

وختم بو كريم كلامه بالقول: «ويبقى الحلّ الأسلم، نقل الشركات إلى مناطق غير مأهولة لأنّ 60 سنة في الكورة تكفي تكفي تكفي».

كما ردّ الدكتور جورج البرجي، منفذ عام الكورة في الحزب، على طلب الشركات للقاء يتم فيه عرض المطالب قائلاً: «نحن لا نطلب شيئاً من الشركة، بل نطلب من الدولة أن تحمينا منها وإلا سنضطر إلى حماية أنفسنا بأنفسنا».

أضاف: «في العام 1984 أوقفنا المقالع في سهل الكورة بالقوة العسكرية. ولن نسمح أن تكمل الشركات على هذا المنوال. هذه الشركات لم تبادِر طيلة ستين سنة إلى احترام أي من الشروط البيئية. لذلك إذا أرادت الشركة أن تجدّد معداتها فأفضل حلّ أن تنقل معاملها من المنطقة المأهولة».

كما تحدث رئيس جمعية «بلادي خضرا» الأستاذ جورج العيناتي عن خطورة الانبعاثات من معادن ثقيلة ورماد البتروكوك الذي يلوث البحر. نبع الجرادة واقع في البحر وتشرب منه 14 قرية كورانية. وكان العيناتي قد أحضر معه سمكاً ميتاً كدليل على مدى تسمم المياه، خاصة أنّ الشركات تخزن في الهواء الطلق مادة الكلينكر في أنفه عقار رقم واحد وهو عقار يلامس الشاطئ أنظر إلى الصور المُرفقة .

ولدى سؤالنا عن قانونية المقالع هالنا جواب وزير البيئة الذي يعتقد أنها مرخصة منذ 1930 أي قبل نشوء الكيان اللبناني، ما اضطر الأستاذ فارس ناصيف أن يشرح بالتفصيل خطأ هذا الاعتقاد، لأنه عدا عن أنّ الترخيص في حاجة إلى تجديد كلّ عام كي لا يفقد قيمته كاملة، فالحقيقة أنّ الشركات طلبت ترخيصاً لكنّ المحافظ لم يوافق عليه بعد. كما نشير هنا إلى خطورة أن يبقى إعطاء التراخيص بموجب مراسيم وزارية بدل أن يكون بموجب قانون واضح في يد القضاء، لمزيد من الشفافية.

كما سئل وزير مكافحة الفساد: «كيف تُعفى هذه الشركات من الضرائب المالية بحجة أنها تراعي المعايير البيئية»؟ اعتقدنا أنّ الوزير التويني لم يسمع السؤال في البداية فأعدناه وبقي في حالة ذهول لأنه أدرك وجود تواطؤ بين الدولة اللبنانية والشركات وبقي صامتاً ولم يستطع الإجابة.

بعد كلّ هذه الايضاحات توجه الوزيران فوراً إلى المقالع ليشهدا على الارتكابات ولاقاهم مدير شركة «السبع» روجيه حداد في بلدة بدبهون معيداً على مسامع الوزيرين أنه يريد لقاء البلديات لإنهاء الخلاف. فأتاه الردّ الصاعق من الوزيرين وأمام عدسات الكاميرات: «قلنالكم مية مرة جللوا المقالع واحترموا الشروط البيئية والصحية، الأهالي متحططين عليكم يعني؟ كلّ الناس مفترية عليكم؟ .. إنتو وين؟ إنتو بمنطقتهم. الناس بدها تعيش وما عندها مطالب. بدها تعيش. بادروا إلى احترام الشروط البيئية والقانون».

يبدو أنّ المعركة البيئية تلقى، لأول مرة، آذاناً صاغية وهنا يتشارك جميع أهالي الكورة الشعور بالفرحة لسماع صوتهم أخيراً على أن تتزايد النشاطات أمام أبواب المصانع حتى تحقيق جميع المطالب واحترام هذه الشركات لحياتهم.

منذ المظاهرة وحتى اليوم وبالرغم من مواقف الوزيرين المُشرِّفة، مات عدد من أهالي الكورة بـ»الميسوثيليوم» وبالسرطان وبالقصور الرئوي ولن تسكت العائلات. بل يبدو أنّ الغليان لتحقيق أمنهم البيئي سيدفعهم إلى مزيد من مقاطعة الشركات وإلى مزيد من الانتصارات وفي المحصِّلة لا بدّ أن تخضع الشركات للقانون.

مقررات و توصيات اليوم البيئي 18-02-2017

إزاء التهديد الخطير لأهل الكورة من قبل المعتدين على البيئة، وبدعوة من منفذية الكورة في الحزب السوري القومي الإجتماعي، عُقد يوم السبت في 18-2-2017 يوم بيئي صدرت عنه المطالب والمقررات والتوصيات التالية:

1ـ اعتبارمصانع إسمنت شكّا ومقالعها وطريقة النقل والتشغيل مسبّباً أكبر وأكيداً للتلوث.

2ـ إعلان الكورة منطقة منكوبة بالتلوث البيئي والوفيات بالسرطان.

3ـ رفع الدعم عن مادة الإسمنت الأسود وفتح باب الاستيراد ليهبط السعر إلى وضعه الطبيعي أي حدود 50 للطن الواحد.

4ـ إلغاء التراخيص بمضاعفة الإنتاج في شركة الترابة الوطنية.

5ـ وقف جرف التلال نهائياً لما يشكله ذلك من خطر على القرى والبلدات المحيطة.

6ـ إلزام الشركات باحترام كامل الشروط البيئية من إنتاج الطاقة وتركيب الفلاتر.

7ـ تخرين المواد الأولية والمصنّعة ضمن مستوعبات مسقوفة.

8ـ استخدام المرافئ الخاصة بالشركات بطرق حديثة بعيدة عن التلوّث.

9ـ حفظ النفايات السامة في منشآت فوق سطح الأرض في حظائر آمنة.

10ـ الطلب من وزارة البيئة تقديم دراسة تقييم بيئي أستراتيجي للمنطقة الصناعية: أنفه شكّا الهري كفريا والقرى المحيطة بشكّا خاصة.

11ـ إصلاح ما تمّ تخريبه في سهل الكورة أميون ومقالع الصخور التشجير .

12ـ عدم شفط الرمال لأي سبب من الشاطئ الكوراني.

13ـ تنظيف مرفأ الصيادين في أنفه.

14ـ تشجيع المصانع على إخلاء الشاطئ لاستعماله لتنفيذ مشاريع سياحية.

15ـ التخلص من بقايا معمل شركة الأترنيت ومعالجة مكب وادي حامات.

16ـ إقفال معمل زيت الجفت في بزيزا الكورة بشكل نهائي وصارم.

17ـ إلزام الشركات بالتعويض على أسر ضحايا مجزرة السرطان في الكورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى