لقطع رأس الفقر في أول جلسة تشريعية
أسامة العرب
يقول الإمام علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، صاحب سيف ذي الفقّار، وهو سيف الفُقراء: «لو كان الفقر رجلاً لقطعتُ رأسه». والحقيقة أنه لا توجد ظاهرة اجتماعية تتساوى من حيث الشمول أكثر من الفقر في تعدّيها على حقوق الإنسان. فالفقر يتسبّب في تآكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في الصحة وفي السكن اللائق وفي الحصول على الغذاء والمياه المأمونة، والحق في التعلّم. فالفقر ليس مجرد حرمان من الموارد الاقتصادية أو المادية، ولكنه انتهاك لكرامة الإنسان أيضاً.
هذا، وقد أكد دولة الرئيس نبيه بري أنّ سلسلة الرتب والرواتب ستكون على جدول أعمال أول جلسة تشريعية ستعقد في الشهر الحالي، بعدما جرى فصلها عن قانون الموازنة، إذ إنّ موازنة الواردات لها قانون منفرد والسلسلة لها قانون ومشروع الموازنة لها قانون. ويبدو أنّ الرئيس بري متّجه لجعل الجلسة علنية ومنقولة عبر وسائل الإعلام للوقوف على مدى صدق مواقف بعض الكتل النيابية أو عدمها. الأمر الذي يثير ريبة عدد من النواب الذين يهوّلون بالتدهور الاقتصادي، إذا ما انخفضت أرباح بعض القطاعات الاقتصادية السنوية من خمسة مليارات دولار إلى أربعة مليارات وثلاثة أرباع.
فبعد خمس سنوات من انطلاق الشرارة الأولى لانطلاق النقاش في مشروع سلسلة الرتب والرواتب ومثولها مرتين أمام الهيئة العامة لمجلس النواب ومرّات قبلها أمام اللجان النيابية المتعدّدة تارة الفرعية، وطوراً المشتركة، فالآن يُفترض أن تكون السلسلة في محطتها الأخيرة والنهائية. لا سيما أنّ مشكلة الفقر من المشكلات الرئيسة التى يعاني منها الشعب اللبناني، حيث يقع ما يقرب من 45 في المئة من المواطنين تحت خط الفقر أو بالقرب منه، هذا بالإضافة إلى تحقق واستمرار درجة مرتفعة من عدم العدالة الاجتماعية، حيث يعاني بعض أحزمة البؤس من معدلات فقر أوسع تصل إلى 69 في المئة، فإنّ هذا يجعل قضية مكافحة الفقر فى مقدمة أولويات أمننا القومي والاجتماعي، ما يعزز من احتمالات تزايد الإرهاب واللجوء للعنف من ناحية أخرى. فطبقاً للمفهوم الذي يتبنّاه فرانسيس ستيوارت، فإنّ عدم العدالة الأفقية في توزيع الدخل يُعَدّ السبب الأكبر وراء حدوث العنف وهدم التماسك الاجتماعي.
وعلى خلاف ما كانت عليه حال العبيد في الماضي، لم يعُد يتمّ تقييد أحد بالسلاسل هذه الأيام، وإنما باتوا يقيَّدون بسلاسل نفسية كالفقر والعوز والبؤس. وعبودية الأجر هو مفهوم حديث يرمي للتشبيه بين حالة الاستعباد وبعض أشكال عمالة الأجر التي تحصل فيها العمالة على أجور منخفضة بشكل غير معقول. وثمة آخرون يشيرون إلى بعض نقاط التشابه بين امتلاك أو توظيف شخص، ويوسّعون معنى هذا المصطلح ليشمل نطاقاً واسعاً من علاقات التوظيف في بيئة اجتماعية هرمية بخيارات عمل محدودة، مثلاً، العمل عند أحد تحت التهديد بالجوع، أو الفقر المدقع. وتحليل ويلهالم فون هامبولدت للتداعيات النفسية لعبودية الأجر تعود إلى عام 1791، حيث يوضح هامبولدت كيف أنّ أيّ عمل لا ينبع من حرية اختيار الإنسان، ولا يحقق له طموحاته، يؤدّي حكماً لتحويله إلى آلة بشرية، لا أكثر ولا أقلّ.
أما بالنسبة الى التوزّع المناطقي للفقراء، فتشهد مناطق الهرمل وبعلبك وعكار وطرابلس وصيدا وجزء كبير من مدينة بيروت النسب الأعلى من الفقراء. أما الملمح الثاني الواضح فهو حجم البطالة بين الشباب، الذي بلغ حوالي 50 في المئة، وهي من المعدلات الأعلى في العالم، ولذا نجد أنّ البطالة كانت السبب الرئيسي لكثير من الأعمال الإرهابية التي انخرط فيها الكثير من الشباب العاطل عن العمل والذي يعاني الفراغ وتدني المستوى الاجتماعي.
والحقيقة أنه ليس هناك إنسان عاقل يمكن أن يُشكّك في مدى قسوة الفقر اللاإرادي على الذين يئنّون تحت وطأته، وقد وصف تقرير التنمية العالمي للبنك الدولي للعامَيْن 2000 و2001 الفقر كما يلي: إنّ الفقراء يحيون حياة خالية من الحريات الأساسية كحرية التصرّف، وحرية اتخاذ القرار. وهي الحرية التي يعتبرها الأشخاص الأكثر ثراء أمراً بديهياً، وكثيراً ما ينقص هؤلاء الفقراء الغذاء المناسب والمأوى والتعليم والصحة. وهذه الحاجة تحول دون تمكنهم من ممارسة حياة كريمة، مما يجعلهم في كثير من الأحيان عرضة للإصابة بالأمراض والهزات الاقتصادية والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى أنّهم كثيراً ما يصبحون ضحايا لطغيان المؤسسات الحكومية والاجتماعية، ولا يملكون من القوة أو النفوذ ما يجعلهم يستطيعون التأثير على القرارات المهمة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على حياتهم.
وللحقوق المستحقة للعسكر والمتقاعدين والأساتذة والإداريين علاقة تتكوّن من ثلاثة أبعاد أو أضلاع: «حق مستحق لشخص ما»، «في الحصول على شيء ما»، «من شخص ما»، وعلى ضوء هذه الخلفية فإنّ انتهاك حقوق الإنسان يعني أنّ شخصاً ما أو جهة ما، لم تنفّذ أحد الواجبات السلبية أو الإيجابية المرتبطة بهذه الحقوق، وخاصة تلك الحقوق المهمّة المتعلقة بالعمال. لذا فإنّ دعوة الرئيس بري لإقرار السلسلة نابعة من حرصه على إعطاء الحقوق لأصحابها وهي مطالب مزمنة وحق لأصحاب السلسلة، وبالتالي فإنّ عدم إقرارها يهدّد الاستقرار في البلد.
إنّ الوقوف مع العسكر والأساتذة والإداريين والمتقاعدين والمتعاقدين في نضالهم المشروع لانتزاع الحقوق، إنما هو وقوف مع الحق بوجه الباطل، لذا فلا بدّ من الإسراع في إقرار سلسلة الرتب والرواتب وإنصاف الشعب الجائع الذي تُهدر حقوقه لتأمين المليارات السنوية لمن موّل الدين العام، وراكم فوائد مركّبة على الفوائد المركبة، سحابة أكثر من خمس وعشرين سنة، حتى بلغت حصيلتها ما يجاوز الخمسين ملياراً، أيّ 60 في المئة من حجم الدين العام الحقيقي. وهنا لا بدّ من التشديد على أنّ عجز المجتمع عن توفير فرص عمل للشباب تترتب عليه مواقف سلبية، ومن ثم السخط على المجتمع ناهيك عن حالات الانحراف والتفكك، لذلك تتوجّب زيادة الاهتمام والوعي بمشاكل تشغيل الشباب، ولا سيما في واقع الاعتراف المتزايد بحجم مشاكل بطالة الشباب وأبعادها التي تتطلب أنماطاً متميّزة من التدابير العلاجية، فضلاً عن أنّ الشباب ليسوا جميعهم فئة ذات مستوى واحد من التعليم والمهارات، وبالتالي فإنّ عدم التفريق بين تشغيل الشباب والتشغيل بوجه عام قد يؤدّي إلى محظور مهمّ يتلخّص في إغفال الخصائص والضرورات التي تميّز مختلف مجموعات الشباب الفرعية مما قد يُسفِر عن صياغة برامج تفشل في الوصول إلى أكثر الشباب تضرّراً. البطالة خطر حقيقي على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في لبنان وسائر الدول العربية، وهي ليست ظاهرة اقتصادية تحتاج لعلاج اقتصادي فقط، بل تحتاج إلى معالجة شاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية في إطار تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وتقليل حدّة التفاوت بين الأغنياء والفقراء.
وأخيراً، إنّ المجتمع بمكوناته كافة، حكومة وشعباً مسؤول عن مواجهة مشكلة الفقر وتصحيح الأجور، خاصة لتوجيه طاقات الشباب المعطّلة صوب التنمية بدلاً من أن تكون قنابل موقوتة قابلة للانفجار، لذا فلا بدّ من الاستفادة من بعض الأجواء الإيجابية في البلاد بعد طي صفحة قانون الانتخاب من أجل الانصراف والتفرّغ لمعالجة قضايا المواطنين المعيشية والاجتماعية وإطلاق عجلة الاقتصاد والمشاريع التنموية التي تُخرج المواطن من الضائقة التي يعيش فيها والاقتصاد من كبوته التي تنعكس على حياة المواطن.
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجَّرين سابقاً