النحاتة والفنانة التشكيلية إيمان الحسن: أرغب في أن يكون مشروعي الفنّي من دمشق وإليها

لورا محمود

عن أحلامها التي أخذت الحرب بعضاً منها، وبقي البعضُ الأكثر إرادة وإصراراً على المضيّ بالمشروع الحلم، عن كلّ ما حملته الذاكرة من الفرح البخيل والوجع المرهق للروح بعدما تحوّل مرسمها إلى ركام. عن عزم فنّانة ومبدعة نفضت غبارها عنها، وبين الإزميل والريشة أي بين ما تعشق وتهوى، نحتت ورسمت، فكانت النحاتة والفنانة التشكيلية إيمان الحسن التي خصّت «البناء» بحوار تحدّثت فيه عن المدرسة الفنية التي تنتمي إليها حيث قالت: مدرستي التي أنتمي إليها هي السريالية، حيث التعبير بالرمز والإيحاء وإثارة المشاعر والأحاسيس من دون تسميتها أو تقريرها على الآخر. ففي السريالية التعبيرية أجد نفسي أتابع خطاً درامياً أعبّر من خلاله عن فكرة فلسفية أو رؤيا أُحمّلها ما يجول في خاطري، من دون أن أضطر إلى شرح أو تفسير. إنها البوح بلا تصريح والرمز بلا تعقيد والرؤيا بمنظار جديد كلّ مرّة.

التكامل بين النحت والرسم

بين الرسم والنحت قصة تكامل، هذا ما قالته الحسن عندما سألناها عن أفضلية أحدهما بالنسبة إليها، حيث تجد الحسن نفسها في النحت. فهو عالم متكامل فيه إبداعات الرسم وفنّ ا زميل، وهو يُبرز مكامن الجمال ويخلق الأحاسيس ويُظهر الانفعالات والانعكاسات الداخلية. وهو فنّ ملموس محسوس. أما الرسم الذي أخذ حيّزاً كبيراً من حياتها في الفترة الماضية، فتقول عنه الحسن: الريشة واللون يجعلان الفنان يحلّق بعيداً في عوالم الضوء والظل. فربما الرسم يمتلك فضاءات أكبر في التعبير، لهذا ضرب المثل في «النحت بالصخر» لمن يواجه ويتحدّى الصعوبات. وأنا أراهما وجهين لعملة الفنّ النادرة والثمينة.

أما الألوان التي تستخدمها الحسن، ففي الرسم تستخدم الألوان الزيتية والباستيل والأكريليك، وفي بعض الأحيان تستخدم الألوان المائية، وفي النحت تعاملت مع معظم الخامات من الصلصال إلى الجبس وصبّ القوالب، ضافة إلى النحت على الخشب والحجر وقوالب الفايبر بلاس، وتعاملت مع البرونز إنما بشكل أقل، وذلك بسبب تكلفته العالية.

بقية من ذاكرة لم تكن

وعن اللوحات التي نقلت بها إيمان بعضاً من مذكّراتها وفق ما قاله مرّة الفنان الإسباني بيكاسو «الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكّرات» أجابت الحسن: في كلّ لوحة لفنان شيء منه، شيء من ذاكرته البصرية، واختزاله جملة من ا ماكن وا شخاص والأحلام والرؤى التي عاش فيها وعاشت فيه. وهناك شيء من ذاكرتي البعيدة أو لنقل ما تبقّى من تلك ا يام في عدد من أعمالي. ولهذا سيكون معرضي الفردي المقبل تحت عنوان «بقية من ذاكرة لم تكن»، وهذه اللوحات هي أنا، إنها أنا بأحلامي وذاكرتي التي كانت والتي عشتها حيث اللامكان.

البورتريه والمرأة

وردّاً على سؤال عن سبب وجود الوجوه «البورتريه» في أعمال كثيرة لها، أشارت الحسن إلى أن الوجه هو المدخل إلى الروح وإلى العوالم الداخلية للإنسان. لذا أجدني أتتبّع خطوات الولوج إلى العمق من خلال التعابير التي تختزنها الوجوه والتي غالباً ما تكون تعابير مكثّفة مليئة با سئلة أكثر منها بالإجابات. وهي تشكّل العنصر ا ساس الذي أبني عليه العمل، وأطرح من خلاله أفكاري، ولكن هناك دائماً عناصر داعمة تتمازج في هذه البورتريات وتعبر إلى عواملها الداخلية وأحاسيسها.

ولعلّ المرأة كانت ا كثر حضوراً في أعمالي نها تجسد الوطن حيناً والأمّ والحبيبة والمرأة القوية والمنطلقة إلى الحرّية، والناطقة بِاسم العفوية والبساطة، وهي تعتلي بجمالها مخلوقات الكون. ولهذا هي مدخلي إلى الفكرة والطرح والرؤية الداخلية العميقة.

وضوح اللوحة وغموضها

كتب فيكتور هوغو مرّةً: «لا تكثر من الإيضاح كي لا تفسد روعة الفنّ». والفنانة إيمان الحسن مع هذه المقولة. فربما ليس على الفنّ أن يقول كلّ شيء دفعة واحدة. وتابعت: أنا أرى أنّ اللوحة، وخاصة السريالية، كالحياة. وكانت معجزة لو استطاعت أن تقدّم نفسها بنفسها على الدوام. روعة الفنّ من وجهة نظري في ما يخفيه عن بصرنا لنتأمله ببصيرتنا. هو ذلك السحر الموشّى بالغموض بمتعة البحث وراء ما يخفيه كباب موارب كشف شيئاً وأخفى أشياء، على ألا يتحوّل هذا الغموض إلى طلاسم يعجز فيها المتابع عن إدراك الغاية من العمل.

وأضافت الحسن: أنا مع اللوحة التي تقول كلّ ما عليها أن تقوله من دون أن تكشف عن أسرارها دفعة واحدة، بل أن تترك وراءها أسئلة معلّقة في الهواء كلٌّ يجيب على طريقته. والأروع أن جميع تلك الأجوبة قد تكون صحيحة وتضيف شيئاً جديد إلى الفكرة.

شموع السلام لسورية

وعن مشاركاتها في المعارض الفنية وأهمية مشاركة الفنان فنانين من جنسيات أخرى قالت الحسن: مشاركاتي تعود إلى عام 2004 حيث شاركت في معرض وملتقى للنحت لوضع المنحوتات في الأماكن العامة والحدائق. بعد ذلك شاركت أيضاً في معارض فنية جماعية مع عددٍ من الرسّامين السوريين من دمشق وحمص والسويداء. ولي مشاركة في معرض جماعيّ في قصر الأونيسكو في بيروت حيث ضمّ عدداً من الفنانين العالميين. ولعل المشاركة التي تركت أثراً كبيراً في نفسي هي المشاركة في معرض فنّي كبير أقامته فاعليات حلب بعد تحريرها من الاٍرهاب. كما شاركت في تظاهرة «شموع السلام» التي ضمّت عدداً كبيراً من الفنانين العرب، الأولى كانت في دارالأسد للثقافة والفنون في دمشق وكذلك في السويداء. والآن أستعدّ في ثالث محطاتها في مدينة صيدا اللبنانية حيث يضيء هذا المشروع الفني الثقافي العربي شمعة سلام في مدينة جديدة كلّ سنة لتصل رسالة سورية أرض المحبة والسلام إلى كلّ أرجاء العالم. وبالمناسبة، شكّل الفنانون في شموع السلام جمعية فنية تحمل الاسم ذاته، وكان لي الشرف أن أكون معهم وأتحمّل مسؤولية أمانة السرّ في هذه الجمعية.

وبالحقيقة، كان هناك عدد كبير من الفرص للمشاركة في معارض فنية كبيرة في الجزائر والمغرب وإيطاليا وفرنسا والسويد، ولكن ظروف الحرب حالت دون تلبية هذه الدعوات.

وتابعت الحسن: إنّ المشاركة في معارض جماعية لا سيما إذا كانت هذه المشاركة غنيّة بالمدارس الفنية المتنوّعة، أحسن وسيلة للتواصل والتفاعل المباشر والاطلاع عن كثب على التجربة الفنية في البلدان الاخرى، وأفق جديد ورؤى رحبة تمد الفنان بالجديد والمبتكر وهذا تحقّق في تظاهرة «شموع السلام».

الحركة الفنية في ظلّ الأزمة

كانت الفنانة إيمان الحسن بصدد التجهيز لمرسمها الذي ضمّ الكثير من أعمالها. ولكن ما جرى في مدينتها حمص حال دون تحقيق هذا المشروع، فأصبح أنقاضاً هو وكلّ المعدّات والأعمال الفنية. لكنها لم تفكّر يوماً بالسفر والإقامة الدائمة خارج سورية. فالسفر فكرة راودتها فقط لمتابعة دراستها الفنية. وقالت الحسن: صحيح أنّ الحرب أخذت بقية أحلامنا ودمّرت وطننا وكسرت بخيباتها مستقبلنا، لكنني لا أستطيع أن أجد نفسي إلا هنا. وأرغب في أن يكون مشروعي الفنّي من دمشق وإليها.

وأضافت: ما حصل في سورية ترك ندوباً في النفوس والأرواح، ناهيك عن الآثار الاقتصادية وضعف القوى الشرائية، والغلاء الذي أثّر سلباً على الفنان كمواطن يعيش تداعيات هذه الأزمة ومنعكساتها. ما أثّر سلباً على الحركة الفنية بشكل عام، ولكن بالإرادة وحبّ الفن والإيمان بأنّ المستقبل لن تحلو أيامه إلا بفعل الريشة والإزميل الذي يوثّق هذه المرحلة ويبني لمرحلة أكثر جمالاً، سيكون هناك نهوض بالنشاط الفني من جديد.

وقالت الحسن إن كل هذا لا يعفي المسؤولين من تحمّل مسؤولياتهم والدفع باتجاه مدّ يد العون إلى الفنانين للنهوض واستعادة الفن التشكيلي السوري ألقه.

الميديا منبر للفنّان

وعن دور الميديا كداعم للفنّ أشارت الحسن إلى أنّ الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت مساهمة كبيرة في دعم الفنّ التشكيلي. فهي منبر للفنان يستطيع من خلاله نشر أعماله والتواصل مع الفنانين من كل بقاع الأرض، وكذلك مع جمهوره ومتابعيه. حيث تحوّلت بعض صفحات «فايسبوك» وغيره فعلياً إلى معارض فنّية، حيث يعرض الفنان لوحاته ويتلقّى التعليقات عليها، وربما قاس من خلال تفاعل المشاهدين مدى تقبّلهم هذا العمل الفنّي أو ذاك، حتى أصبح هذا التفاعل بوصلة للفنان تفيده في تحديد آلية العمل.

يذكر أن إيمان الحسن فنانة تشكيلية من مدينة حمص السورية. في البداية درست الإعلام في جامعة دمشق، ثم أوقفت الدراسة الأكاديمية واتجهت إلى الدراسة في المعهد التقاني للفنون التطبيقية الكائن في قلعة دمشق، وتخرّجت عام 2003 وكانت من ا وائل على دفعتها، وبعد سنوات من التخرّج عادت لتتابع دراستها في مجال الإعلام.

بدأت العمل في الفنّ في سنّ مبكرة، إذ كانت تعشق الرسم، وعملت في بداية مشوارها في التصميم والرسم في قناة «سبايس تون» وغيرها من الشركات الخاصة. لكن عشقها الكبير للنحت جعلها تبدأ بالخطوات ا ولى في مجال النحت ليكون بداية لمشروعها الفنّي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى