جرمقاني: لأطفالنا حقّ علينا بأن نعطيم المساحة الكافية كي يعيشوا بسلام ومرح لاذقاني: نعمل على بناء جسور تواصل مع عائلات الشهداء كأخوة في الوطن علي: للأهل دور كبير في الإجابة على تساؤلات الأطفال حول ما يجري… وخطأٌ عزلهم عن المحيط
سعد الله الخليل
يمرّ العيد في سورية معطّراً بعبق الشهادة. فشهداء حمص الأطفال أعادوا كتابة الرواية وأصول الحكاية. العيد والأطفال في سورية، الفعاليات المرافقة، وغير ذلك، كان محور اللقاء مع رغد جرمقاني، منسّقة مركز «صديق الطفل» الذي نظّم فعالية «يلا نعيّد»، وجهاد لاذقاني، أمين سرّ وعضو مجلس إدارة فريق «سورية بتجمعنا» الذي نظّم فعالية «العيد مع إبن الشهيد»، وأيضاً مع الباحثة الاجتماعية سمر علي.
«يلا نعيّد»
خلال فترة العيد، قدّم مركز «صديق الطفل» مجموعة نشاطات ترفيهية تفاعلية موجّهة للأطفال تحت عنوان «يلا نعيّد»، وقدّمت رغد جرمقاني، منسّقة المركز، صورة عن الفعاليات المختلفة عن الأخرى في الأيام العادية.
وقالت: «بمناسبة عيد الأضحى، نظّمنا من وحي المناسبة نشاطات توفّر اللعب وتمنح قيمة مرافقة لأيّ فعالية حتى من خلال اللعب. وركزت فعالية العيد على قيمة العطاء، وتقديم شيء ماديّ وملموس، مستمد من معاني عيد الأضحى، عبر مجموعة من النشاطات، تبدأ بالرقص، بما يمكّن الطفل من التفاعل مع الآخرين وتفريغ طاقاته الكامنة، قبل الانتقال إلى نشاط خروف العيد المتمثل بصنع خروف يقدّم لأشخاص يختارهم الطفل».
وتابعت جرمقاني: «قبل البدء بالنشاط، نقدّم شرحاً للطفل أنّ هذا الخروف الذي صنعته بأيديك ستقدّمه لمن تحب، انطلاقاً من فكرة العطاء. وبالمبدأ نفسه، يصنع الطفل أساور يقدّمها لمن يختار، لصديق أو جار، أو ربما أخ. إضافة إلى المسابقات، تركز هذه النشاطات على قيم العمل الجماعي والتعاوني. كما يشمل النشاط: الحكواتي، وصناعة حلويات العيد وتقديمها للآخرين للحفاظ على خصوصية العيد، وربطه بالفرح والحلو».
وحول تحقيق الفعالية الأهداف المرجوّة، أكدت جرمقاني أن التركيز على القيم التي تحملها الفعالية عبر الألعاب، تُرسّخ في نفوس الأطفال كسلوك قائم. وأضافت: «تستهدف الفعالية يومياً ما يقارب 180 إلى 200 طفل في ظلّ الظروف الصعبة التي تمر بها المناطق المحاذية للمركز».
وتؤكد جرمقاني أن الظروف الصعبة لا يمكن أن تقف عائقاً أمام تحقيق أهداف المركز والمتطوعين ونشاطاتهم، وأضافت: «نحن قادرون على تخطّي الصعوبات والمشاكل النفسية بشكل أكبر مقارنةً بالفترات الماضية، والحمل الأكبر على المتطوّعين، فالمطلوب منهم التفرّغ وإقناع أهاليهم بضرورة تواجدهم في ظروف استثنائية في غالبية الأحيان، لتقديم الدعم للأطفال. إضافة إلى تخوّف الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المركز».
وعن انعكاس الأزمة في سورية على نشاط الأمانة السورية للتنمية وبرنامج «مسار» الذي يتبع له المركز تقول جرمقاني: «بما أن الحديث عن عمل تنموي، فإنه ينطلق من واقع المجتمع ولا ينتظر تحسّن الظروف سواء بوجود أزمة أو غيابها. المطلوب تنفيذ خطط، وبالتالي الصعوبات الكبيرة تتمثل بتقبل الأهل فكرة وجوب حصول الطفل على حاجاته، والأخذ بيده سواء من الأسرة أو المدرسة. وهذه الاحتياجات لا تتحقق سوى من خلال اللعب والنشاط».
وأكدت جرمقاني أنّ الوقت مناسب للعمل مع الطفل، ويجب عدم انتظار تحسّن الظروف المجتمعية وانتهاء الأزمة.
الأطفال
وعن تقبّل الأطفال الفعالية وانعكاس المجزرة التي حصلت في حمص بحق الطفولة عليهم قالت جرمقاني: «مهما كان الانعكاس الذي يبدو واضحاً، لا يمكن مخاطبة الطفل سوى باللعب كأداة. وما حصل كان صادماً وصعباً على الكبار والصغار. لكن في النهاية هناك استمرارية للحياة تتطلب تخطّي ما يحصل لنتمكن من إخراج الأطفال من الأجواء التي يتعرّضون لها. وخلال الفعالية بدت واضحةً حاجة الأطفال إلى مساحة للتعبير عن ذواتهم، ولممارسة نشاطاتهم. وفي النهاية، الطفل يبقى طفلاً، سواء في الحرب أو في السلم، وهو بحاجة إلى مساحة للحركة والتعبير».
وحول التعاون مع المؤسسات الرسمية والأهلية تؤكد جرمقاني أن «مسار» كمشروع يعتمد على التعاون والتشبيك مع أكبر قدر من المؤسّسات والجمعيات، بما يؤمّن التكامل في العمل وتقديم الخدمة للشريحة المستهدفة.
وتقول: «المركز متعاون مع جمعية قرى الأطفال SOS التي تقدم الدعم النفسي للأطفال، ويقدم «مسار» الأنشطة التي تتضمن المعلومات والقيم والمهارات. ونسعى إلى تعاون مع منظمات وجمعيات أخرى لتطوير العمل». ووجهت جرمقاني التحية إلى أرواح الشهداء الصغار والكبار وقالت: «الفعالية ليست للضحك ونسيان ما يجري أو تناسيه، إنما لأنّ هناك أطفالاً يجب أن يعيشوا وحقهم علينا أن نعطيم المساحة الكافية كي يعيشوا بسلام ومرح. ونحن مستمرّون بتقديم نشاطاتنا للأطفال بعد العيد لمساعدتهم في الدعم النفسي والتربوي والدراسي».
«العيد مع إبن الشهيد»
أطلق فريق «سورية بتجمعنا» حملة «العيد مع ابن الشهيد» بمناسبة عيد الأضحى. وحول الرسالة التي أراد الفريق إيصالها من اختيار المكان ورمزيته قال جهاد لاذقاني: «بما أن شهداءنا هم مشاعل النور لنعيش بأمان وسلام، فأيّ عمل يجب أن يكون مصدر فخر لأبناء من قدّموا دماءهم لنعيش، فلذلك، بدأنا حملة العيد مع تبن الشهيد، مع أبناء الشهداء وبناتهم في مدارسهم».
وأضاف: «الحملة نوعاً ما جديدة في مجال تخصّصها. ففي الأحوال العادية تتوجه الفرق إلى شرائح مختلفة من الأطفال الأيتام وأبناء الشهداء أو أبناء الأخوة المهجّرين. أما هذه السنة، فأردنا أن يكون النشاط مختلفاً، ومخصّصاً لشريحة محدّدة متمثلة بأبناء الشهداء».
وبحسب لاذقاني، بدأت الحملة في مدارس أبناء الشهداء، بتكريم المتفوّقين من أبناء الشهداء، ثمّ تكريم يعدّ نقلة مختلفة لمتفوقين ومبدعين في مجالات الحياة المختلفة، قدّموا للوطن الكثير، كالفنان عارف الطويل بحسّه الوطني، وهو ابن مدارس أبناء الشهداء، كما المخرج مهند كلثوم.
وقال لاذقاني: «أردنا أن نوصل رسالة إلى أبناء الشهداء من خلال التكريم، والرسالة تقول إن التفوق هو الهدف الأساس في الحياة».
ويتابع: «على رغم كثرة الفعاليات التي تكرّم ذوي الشهداء، إلّا أنّ هؤلاء يعانون نقصاً معنوياً ومادياً نتيجة الغياب عنهم. إنهم يحتاجون إلى أكثر من تكريم، وهذا ما نسعى لتأمينه عبر بناء جسور تواصل مع عائلات الشهداء، كونهم أخوة في الوطن. كثيرة هي العائلات التي لا ينقصها المال، إنما ما ينقصها معنويّ، يتمثل بالحسّ الإنساني وحسّ الأخوّة. نحن نتابع بجهودنا المتواضعة وبعددنا المتواضع، ونحن قادرون على فعل شيء، وربما لا نقدر على فعل كل شيء، لكنّ الهدف الأساس الذي نضعه نصب أعيننا ألّا نقف ساكتين أو متفرّجين وصامتين إزاء أبناء الشهداء، فيما يكون بمقدورنا تقديم ولو جزء بسيط ولو ابتسامة».
استهداف المدارس عمل لا إنساني
يصف لاذقاني استهداف المدارس بالتصرّف اللاإنساني، والذي لا يمتّ للبشرية بِصلة، وقال: «لا أتصور أن سوريّاً مهما كان توجّهه، لديه مبرّر لأن يفجر أطفالاً في مدرسة. ولا أتصور أن في التاريخ حصل ذلك، إنّه عمل بربري وإرهابي ولاأخلاقي، وهو وصمة عار على مرّ التاريخ المعاصر، وسيعمل الفريق قريباً على إطلاق أفكار تضامنية مع أسر الشهداء».
ويرى لاذقاني أن إحدى النقاط الإيجابية التي كشفت عنها الأزمة في سورية، تمثلت بطاقات الشباب الوطنيين الواعين المحبّين بلدهم. وقال: «من يدخل الأراضي السورية اليوم يرى عدد الفرق الشبابية المتواجدة على الأرض، والفعاليات والنشاطات التي يقوم بها شباب سورية. وهذا ما يرفع الرأس ويوجه رسالة للعالم أنّ الدنيا بخير، وأن الشعب السوري شعب حيّ، شعب مثقّف قادر على أن يتجاوز الأزمة بهمّة شبابه».
بناء الإنسان
وتؤكد الخبيرة الاجتماعية سمر علي، أنّ ما يجري على الأرض صعب على المجتمع ككل، والأطفال هم الضحية المباشرة لهذه المعاناة. ولهذا العيد طعم مختلف لدى الكبار والصغار، وسيُعبّر عنه بشكل مختلف.
وعن قدرة الأطفال على الخروج من التشنّجات قالت علي: «إنّ الحروب معروفة خلال التاريخ بأنها تزيد من الخراب ومعاناة الأبرياء. ومع الزمن يمكن أن نعيد بناء المدن، لكن السلاح الأشدّ تدميراً، ذلك الذي يدمّر البنية النفسية أو البشرية، خصوصاً الأطفال. وعلينا أن ندرك أن الخطر عليهم أكبر، لأنّ الطفل يتعرّض بشكل مباشر وغير مباشر لفظائع الحرب، ومن أهم واجباتنا أن نحمي أطفالنا من الصدمات النفسية، عبر تفهيمهم الواقع بطرق معينة، وأنّ هذا الوضع غير دائم. ومن الأخطاء الخطرة جدّاً أن نبعد الطفل عن التلفزيون في هذه المرحلة، لا بل يجب أن يشاهد ويسأل وأن نجيبه عن أسئلته، وتعطيه إجاباتنا الأمان. لذلك نقول أنّ للأهل دوراً كبيراً في هذا الصدد».
اللعب حاجة أساسية
وترى علي أنه من المحزن أن يمر العيد من دون ألعاب للطفل. وأحياناً حتى من دون ثياب جديدة. «فالطفل بحاجة إلى أن يخرج ويلعب. وعلى الأهل خلق أماكن مناسبة حتى لو في الحيّ. فالشام بتراثها وعاداتها توفر أماكن للأطفال ليلعبوا وليفرغوا طاقاتهم وقلقهم وغضبهم، بما يساعد في النمو الدماغي والعضلي والنفسي أيضاً، ويساعد في نسيان ما حصل له ولأصدقائه. اللعب فرصة ليعبّر عن أمانيه وأحلامه وذاته ومشاعره ومستقبله الذي يحلم به».
وعن تغيّر اهتمام الطفل بالألعاب بما فرضته الأزمة تؤكد علي أنّ الحرب طغت على ألعاب الأطفال، وأغانيهم وهتافاتهم. وقالت: «من المحزن ما نراه في الأسواق، من تلوّنها بلون الحرب، إذ صار عالم الطفل حرباً مصغّرة». ولفتت إلى تقليد الطفل الآخرين، وتقمّصه الشخصيات التي يراها من أهله ومجتمعه، وهو ما انعكس على ألعابه التي تغيرت، إذ اختفت منها كلّ معالم الطفولة والبراءة، وتحوّلت إلى إرهاب حتى لو كان مصغّراً، وعلى الأهالي إبعاد أطفالهم عن كل ما يكرّس ثقافة القتل».
من يفجّر مدرسة يغتال جيلاً بكامله
وتؤكد علي أنّ استهداف تجمّع «مدرسة عكرمة المخزومي» ترك أثراً في نفوس الأهالي والأطفال، وقالت: «الأطفال هم فرحة العيد التي أخذوها، وبقي الوجع. لا نريد أن نمنع أطفالنا من الحزن لأنهم فهموا ما حصل، خصوصاً الأطفال الذين كانوا موجودين أثناء التفجير، من تحوّل ساحة المدرسة إلى ساحة معركة. صدمتهم كبيرة جداً أكثر من الأهالي الكبار، لأن المدرسة بنظرهم هي مركز أمان».
وقالت: «علينا أن نحزن ونكمل، لا أن نتوقف، لنكون أكثر صلابه وقوة، ولنمنح أطفالنا القوّة ونشدّ على أيادهم. إنهم شهداء الخير والمحبّة والمقاومة».
وفي البعد الاجتماعي لاستهداف المدرسة تؤكد علي أن اختيار المدرسة دليل لمحاربة جيل بكامله. وتقول: «أن تُفجّر مدرسة، فهذا سعي إلى اغتيال جيل بكامله، ما يفرض على الجميع أن يوضّحوا للطفل أن الحالة طارئة». وأكدت علي أنّ الأطفال يلتقطون أيّ فكرة من الاهل، وينتقل إليهم الخوف والتوتر والقلق، ما يفرض على الأهل أن يكونوا واعين الانعكاسات السلبية على الطفل، وعليهم أيضاً واجب ترسيخ فكرة الوثوق بالدولة والجيش مصدر الأمان.
ودعت علي الأهالي إلى أن يعطوا الأطفال جرعة من الثقة والأمان على رغم الظروف. ودعتهم أيضاً إلى مناقشة أولادهم في ما يحصل، بما يحفّز الطفل للخروج من الأزمة. لأنه في حال عدم وجود وعي ما يحدث للطفل، فإن هذا يهدّد نفسية الطفل ولفترة طويلة وربما دائمة، وسيكون العلاج حينذاك أصعب.