د. جاك رستم
أَن أتكلّمَ عنكَ، هوَ أنْ أَغُطَّ القلمْ في ذاتٍ عظيمَةْ، في الجُرحِ الأحمرْ، والنُبوغِ الفَريدْ.
نَحَتْتَ بدمِكَ الزّاكي رُموزَ الشهادةْ، فأوحيتَ رُؤىً تُناطِحُ الرَوائِعْ. لأنْتَ عبقريَةْ تَنطُقْ بالحقيقةْ، فَتَهْدُمُ الباليْ المُتَرَدِّيْ، وتَبْنيْ الجَدِيدَ المَكِينْ.
أرَدْتَ انقِلاباً جَذرِياً، يُسَاهِمْ في ارتِقاءِ الأُمَمْ، إلى ما يَنْبَغي أنْ يَكُونْ.
يا رسولاً للقوميةْ، ونُوراً يَهْدِيْها الصِّرَاطَ المُسْتَقيمْ، نَبّهْتَ العَزائِمَ والأذْهانْ، وألهَبْتَ المَشاعِرْ شَحَذْتَ تَصَوراتِ الهِلالِ السّوريْ، مُشَرِّعاً نَوافِذَ تُطلُّ على الضِّياءْ.
يا رَمْزاً خالداً، قِمَّتُهُ تَعْلو زُرْقَةَ السَّماءْ، وقاعِدتُهُ مَغموسَةٌ فِي الدِمَاءْ، وَضَعْتَ دَعَائِمَ ذاتَ نُورٍ وهُدَىً، فَغَدَتِ الكنْزَ الذي يَرِثُهُ الخَلفُ عَنِ السَلفْ.
سَـتَدُومُ مَنارَةَ خَلقٍ وإبداعْ، وحَلْقَةَ التَرَقيْ الدَائِمْ، والتَقدّمِ المُطّرِدْ.
إنَّما تاريخُ العالمِ سَنَّهُ أمْثالُكَ الأفذاذْ، والفِكرُ العبقرِيُّ يتكلمْ باسمِ الملايينْ مِنَ النّاسِ الصَّامِتينْ.
حياتُكَ نِضالْ، بَلْ حَرْبٌ على استعمارٍ مُسْتَفْحِلٍ أو وَشيكْ، وفِكرُكَ ثَوْرِيٌ وُجوديّْ، لتُراثٍ إنسانيٍ نَفيسْ، يَسْتَبِقُ الأحداثْ، ويَسْتَنْبِطُ الحُلولْ نبوغُكَ ذو خُطَّةِ إنقاذٍ تاريخيّْ لمُحيطٍ عَرَبِيٍّ مُتَرَدِّمْ، راسِفْ بقيودِهْ، في التقَهْقُرِ والخُنُوعْ.
يا عَلَماً شامِخَاً مِنْ أَعْلامِ النَهْضَةْ، تألقْتَ بِنَزْعَةٍ بُنْيَويَّةْ، إصلاحِيَّةْ، تَتَقصَّى المَبادِئَ الجَديدةْ، وتَلتَقِيْ بِالحَادِثَاتِ الكَوْنِيّةْ، والحَرَكاتِ الكُلّيةْ.
حَرَّكْتَ أعْمَاقَ الشُعبِ السُّوري، وجَعَلتَ مِنْ مَذْهَبِكَ دُسْتوراً لِلعَمَلْ، يَبْنِي المُسْتَقْبَلَ الواعِدْ، يَقيناً مِنْكَ أنَّ الحياةْ صَيْرورَةٌ مُستمرَّة، لأنَها التّوقُ المُتَحَفِّزْ إلى الأفضَلْ.
أردْتَ خَلقَ الأُمَّةْ والبِلادْ خَلقاً جديداً، ساعياً إلى تَرَقِّيْ الناسِ والأمَمْ، نُشْدَاناً لِلسَّعَادةْ.
إقدامُكَ يُواكِبْ ثَورةَ الإصْلاحْ لِتَبْدِيلِ النِظَامْ الرَّاهِنْ، وإِحداثِ تَحْويِلٍ بَنَّاءْ في مَجَاري الحَياةْ. هوَ مِن ثَمَراتِ التَطوُر التاريخيّ بِهِ تتمَخَّضُ القَوْمِيَّة، حتى في الثوراتِ والحُروبْ، كما يُولدُ الطِفلُ في الألمْ، تَحْدُوهَا المَطامِحُ التي تَحْتَدِمْ فِي أعْمَاقِهَا.
إنّهُ كِفاحٌ ثوريٌ في شؤونِ الاجتماعِ السّوريْ، وقَضايا السُّلطة، عبْرَ فِكرٍ ونَهْجٍ، يَتجَليَانِ في أشكالٍ مُختلفةْ.
غيرَ أنّ للحقيقةْ شُهَداءَها الأَحرارَ البواسِل، فَكُنْتَ في طَليعةِ قرابينِها المُبْدِعِينْ.
تَرَكتَ رِجالاً أشِدّاْء، ذَويْ هِمَمٍ حِدَادْ، وجَعَلتَ قَضِيَّتَكَ أمَانةً في أعناقِهِمْ. فَيا لِثَاراتِ الأوفِيَاءْ.
هُمْ جُيوشُ الحقِّ والعَزْمِ، عِلماً بأَنَ من أودى لِلقَضيَّة الجُلّى شَهيدا، عادَ حيّاً أبديا.
ستبقى كَلِمَتُكَ غازيةْ، مُنتَصِرَةْ، إنَّما وُجِدَتْ لتُطَاعَ وتُجَلَّ وتتحقَّقْ.
لن يُضَامَ فِكْرٌ مُبْدِعٌ، بَنَّاءْ، ومِنْ رَحِمِ الشَّهادةْ، يُبْعَثُ خالداً سَرْمَديَّا.
سَيَظلُّ جُرْحُ القوميَّةِ نازِفاً، حتى يَنْبَلِجَ فَجْرُهَا، وتَشُعَّ بالسَّنى شُموسُهَا.
نص كلمة ناظر الإذاعة في منفذية البترون د. جاك رستم في الأمسية الشعرية التي أقامتها المنفذية بمناسبة ذكرى الثامن من تموز