نصوص افتراضية
فوجئ ذات صباح ربيعي، في داخله رغبة جامحة للبوح! لكن الكلمات تختنق في حلقه. انفعل أمام عجزه، الألوان تطارده، كمطر غزير يتساقط فوق قبعته.
في طريقه إلى المقهى، تذكر صديقته العبثية. ابتسم كأنه التقط ومضة الغيث.
حمل أصابع يديه والكلمات تسابقه برسالة مستعجلة إليها: «أنقذيني من هذه الورطة! تجتاحني الألوان، في داخلي مزيج غريب أحاول أن ألتقط اللحظة الهاربة من الإطار، يدي عاجزة، لم أحمل الريشة يوماً، أشعر بخيانة. كل شيء يخونني في هذه اللحظات. اللغة تقيّدني، تتآكلني. حائط غرفتي سخيف مهمّش بكثير من الرطوبة.
السماء موحشة في الخارج… أتخيّل رسوماتك الصارخة، لمساتك الدافئة. بأيّ لون نرسم الموت، بأيّ لغة نكتب الدمار؟ الصمت خيانة يا صديقتي!
أنقذيني من بهلوان تخيّلاتي… من قلق الصورة… من فائض المخزون. مخيّلتي المقموعة ما زالت تتقيّأ المشهد ذاته. وتغرق في الجماد. هل لك أن ترسمي لوحة بسيطة لا تشبه هذا الجفاف؟!
ربما الجمال يا صديقتي، ابتسامة طفل، شارع يعبر بوجوه مغامِرة. ومن يدري؟
حسناً، سأكون أكثر وضوحاً…
أخاف من يدي حين تكتبكِ، أيّ جنون يمرّ فوق أناملي؟! بأيّ طعم أوقّع نهاية القصيدة؟ بيد مرتجفة يجتاحها الحنين يتآكلها الخوف، يسكنها الحزن، تغريها الإثارة، تكبّلها القسوة؟ بأيّ نشوة تتراقص الكلمات بين ثغرك وطيفك العابر هنا، وظلّك الهارب هناك؟
أنت قصيدة مستمرّة يا تفاحة… كالوجوه التي لا حدود لها، والحكايات التي نعجز عن تخيّل نهاياتها. أنت أوراق عتيقة، بطعم النبيذ، بلون الغبار، أنت لغة أبتدعها مع كلّ صباح، مع كلّ اشتياق.
حين نكتب القصائد يا تفاحة، تصبح ثقيلة، حائرة. ندفنها في كتاب لتصبح رماداً.
وأنت عنيدة ترفضين أن تصبحي قصيدة. ويغريني هذا العناد.
وكأنني لا أسمع سوى صدى همساتك تبوح: كفى رسائل حمقاء… ذلك كلّه هلوسة… قل شيئاً آخر.
في هذا السراب، يخرج وجهي إلى المجهول! إلى أين تمضى في هذا الجفاف؟
يطرق باب العدم: هيّا انهض أيها العاجز.
صمتٌ… الموت في كلّ مكان. زفير الحياة صوت متقطّع، صدى الوجود يعبر عبر الريح. أحمل جسدك إلى التراب… ترانيم من البعيد! لحن القيود. خذ حرّيتك وامضِ. وشمٌ على حائط الوهم.
في متعة العتمة… تتشابه مع الجماد. هيا قل لي: حكايات عبثية… قصص الأساطير الخرافية.
اِرفع كأسك للشمس، واسكب للنار نبيذ دمك. واَعصِر جلدك للبحر. قيدٌ يزين يديك… وسلاسل تلمع في مخيلتك.
على بعد خطوة من عفنك… تتزاحم الصور. وجوه افتراضية، أنامل تكتب على الهواء. شفاه تقبل الريح.
ضع في قدميك حذاء جميلاً ليستقبلك المجهول بابتسامة… اِحرق أوراقك العتيقة كلّها واَرسم وجه حبيبتك برماد ماضيك.
الآن، تخيّل لو في عينيك معجزة؟ هل ستتحمل رؤية هذا الجمال كلّه؟ ستتراكم الأحداث في ذاكرتك، طيف جذورك يعبر فوق ظلك. أنتظرك تتمعن في وجهي وترسم، تتمعّن في الكأس وتحتسيه، أمام تفاصيلها… تأخذني إليها: هيا يا صغيري اِجعلني جميلة، هذا صوت المطر والرعد في الخارج: أشِعل رسائلك فوق عتمتي، أحرِق كلماتك كشموع صاخبة…. واحصد سهولي كلّها وتذوّق فاكهتي… طعمها في فمك الصغير… عطر الورد والياسمين… قبّلني بعينيك… بحضور وهمك في مخيّلتي… بغيابك المشوّق… أشعلني في لهيب نارك، لتشعل بي الحرائق!».
يكتبها زاهر العريضي